رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخطط الأمريكى الجهنمى

فى ١٤ نوفمبر الماضى كتبت فى هذا المكان مقالًا بعنوان، لا فرق بين جمهوريين وديمقراطيين، وتحدثت من خلاله عن أهمية ألا نعول على انتخاب دونالد ترامب، فهو لن يفرق كثيرًا عن بايدن ولا من سيأتى بعدهما فيما يتعلق بشأن المنطقة. المعروف أن لدى أمريكا مخططًا جهنميًا، وهو إعادة تقسيم المنطقة من جديد.

وقد قلت إن الذين يراهنون على ترامب بشأن غزة والمنطقة واهمون كثيرًا جدًا. وكما قلت مرارًا وتكرارًا إن الولايات المتحدة الأمريكية قد وجدت ضالتها الضائعة فى إسرائيل، لتنفيذ كل مخططاتها الشيطانية بشأن منطقة الشرق الأوسط. وتم استبدال الجماعات الإرهابية بجماعة إرهابية أشد على شكل دولة نظامية وهى إسرائيل، لتقوم بأداء هذا الدور. وبالتالى لا نتعشم خيرًا على الإطلاق فى ولاية ترامب الجديدة، ولا من سيخلف ترامب أيضًا مستقبلًا، لأن الهدف الرئيسى هو إعادة تقسيم المنطقة من جديد، وسقوطها تمامًا كما سقطت الدول المجاورة التى لم تقم لها قائمة حتى كتابة هذه السطور.

والحقيقة المُرة التى يجب أن تدركها شعوب المنطقة العربية كاملة هى أن ما يحدث حاليًا هو استمرار لما حدث من قبل فى ٢٠١١ وحتى الآن، وأن الهدف الرئيسى والتحدى الأكبر لكل المجتمع الدولى وعلى رأسه أمريكا هو مصر، التى تستعصى عليهم بفضل قيادتها الرشيدة وبفضل رجاحة شعبها الذى يعلم تمامًا مدى هذا التحدى الشديد الذى تواجهه البلاد. وبالتالى فإن كل الذين يعولون على أمريكا فى ثوبها الجديد فى ظل وجود ترامب مخطئون، فلن يتغير هدف الإدارة الأمريكية.

إن الموقف الأمريكى المتعنت من القضية الفلسطينية يشكل إحدى أبرز المعضلات فى السياسة الدولية المعاصرة، حيث تتداخل فيه مجموعة معقدة من العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية. وترتبط الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة مع إسرائيل منذ قيامها، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها الدعم القوى للجالية اليهودية الأمريكية، فضلًا عن المصالح الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة. ويتأثر الموقف الأمريكى بالتوازنات الداخلية فى الولايات المتحدة، حيث يمثل اللوبى الإسرائيلى قوة مؤثرة فى صناعة القرار، كما أن الحزبين الجمهورى والديمقراطى يتنافسان على كسب تأييد الناخبين اليهود. وتربط أمريكا وإسرائيل علاقات اقتصادية وثيقة، حيث تتبادلان التكنولوجيا والأسلحة، وتوجد استثمارات أمريكية ضخمة فى إسرائيل، كما تسعى أمريكا إلى الحفاظ على نفوذها فى الشرق الأوسط، وتعتبر إسرائيل حليفًا استراتيجيًا فى تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فإن هذا الموقف المتعنت يواجه انتقادات واسعة النطاق، حيث يرى العرب وغيرهم الكثيرون أنه يعوق عملية السلام ويؤجج الصراع فى المنطقة.

إن تصريحات ترامب الأخيرة حول غزة تلقى بظلالها الكئيبة على منطقة الشرق الأوسط، وتزيد من حدة التوترات القائمة. هذه التصريحات، التى تتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وتدعم السياسات الإسرائيلية المتطرفة، تهدد بتقويض جهود السلام المبذولة وتشعل فتيل الصراع، كما أن مثل هذه الخطوات الأمريكية من شأنها أن تعزز من الشعور بالإحباط واليأس، وتزيد المنطقة اشتعالًا وتنذر بكوارث خطيرة، كما أنها تقوض الثقة فى الدور الأمريكى كوسيط نزيه فى عملية السلام، وتضعف العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية. إن استمرار هذا النهج الأمريكى من شأنه أن يؤدى إلى عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار فى المنطقة، ويهدد بتقويض المصالح الأمريكية على المدى الطويل. ولذلك فإن المجتمع الدولى مطالب بالضغط على الولايات المتحدة لتغيير سياستها تجاه القضية الفلسطينية، والعمل على إيجاد حل عادل ودائم من خلال تفعيل الشرعية الدولية وتنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا ما نبهت إليه مصر كثيرًا وتتمسك به كما ورد مؤخرًا فى البيان الذى أصدرته وزارة الخارجية.