رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد الشرطة وشهادة للتاريخ

تحل، غدًا، الذكرى الثالثة والسبعون للعيد الوطنى للشرطة المصرية. تلك الذكرى التى تنتسب إلى معركة بالغة الأهمية فى مدينة الإسماعيلية بين طرفين غير متكافئين. الأول هو الشرطة المصرية بعدد قليل من رجالها. والطرف الثانى قوات الاحتلال البريطانى الغاشمة فى ٢٥ يناير عام ١٩٥٢. تلك الذكرى التى خلّدها التاريخ بحروف من نور عندما طلب الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين من قوات الشرطة التصدى بكل قوة وصلابة للقوات البريطانية التى تقتحم محافظة ومديرية أمن الإسماعيلية فى ذلك الحين. 

هذه الذكرى العظيمة التى خلّدها التاريخ بهذا الشكل تؤكد بسالة رجال الشرطة على مر التاريخ ودورهم الحيوى والمهم فى حفظ الجبهة الداخلية. وقبل الحديث عن هذا الدور لا بد من الإشارة إلى أن معركة الإسماعيلية تأتى امتدادًا لقرار الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس الذى ألغى معاهدة ١٩٣٦، وأعطى إشارة واضحة إلى أهمية التصدى لقوات الاحتلال البريطانى فى مدن القناة، بهدف إخراجها من البلاد. وجاء قرار فؤاد سراج الدين استكمالًا لقرار النحاس بالتصدى للمحتل البريطانى.. هذه الرواية اتفق عليها كل المؤرخين. ولكن كانت هناك شهادة حية مع سراج الدين، فقد كنت من المقربين منه على مدار حوالى ١٥ عامًا منذ منتصف الثمانينيات وحتى رحيله فى عام ٢٠٠٠.

وأتيحت لى الفرصة أن أتوجه إليه بالسؤال: هل أنتم مَن أمرتم قوات الشرطة بالتصدى لعدوان القوات البريطانية الغاشم؟. فكان رده كالتالى: إن الزعيم مصطفى النحاس منذ قيامه بإلغاء معاهدة ١٩٣٦ فى أكتوبر ١٩٥١ قد أعطى إشارة البدء بالتصدى للقوات البريطانية من أجل إزاحتها عن البلاد. وقد أُتيحت الفرصة بعد ذلك فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ أن هاجمت القوات البريطانية محافظة ومديرية أمن الإسماعيلية. وجاء الوقت المناسب لأن أوجّه الضابط مصطفى فهمى بضرورة التصدى بكل بسالة وقوة مع مجموعته ضد هذه القوات. واندلعت المعركة العظيمة والتى كان من نتيجتها سقوط ٢٠ شهيدًا من الجنود وسيدة، وإصابة ثمانين آخرين.

ويؤكد المؤرخون تطابق هذه الشهادة عندما قالوا إنه فى هذا اليوم تلقى الضابط مصطفى فهمى تعليمات من فؤاد سراج الدين بعدم التسليم للقوات البريطانية أو إخلاء مبنى المحافظة، ورفض الامتثال لتعليمات القائد البريطانى «إكسهام». ودارت معركة الإسماعيلية التى سجلت فيها الشرطة المصرية أروع الأمثلة فى الدفاع عن الوطن. ورغم عدم التكافؤ بين القوات المصرية والبريطانية، إلا أن الجنود أصروا على عدم الاستسلام أبدًا.

هذه المعركة التى استبسلت فيها الشرطة دفعت قادة جيش الاحتلال إلى أن يؤدوا التحية العسكرية للشباب من ضباط الشرطة الذين لقنوا بريطانيا درسًا لن تنساه أبدًا.

ويزيد المؤرخون قولهم إن فؤاد سراج الدين، وزير داخلية مصر فى حكومة الوفد الأخيرة، قاد حركة الشرطة ضد المستعمر البريطانى فى مدن القنال، وأنزل بالمستعمر الغاشم الويلات الشديدة، وجعل بريطانيا العظمى- حينذاك- تئن بالشكوى والصراخ من هول الخسائر التى لحقت بها فى معركة القنال.. فالشرطة المصرية سجلت صفحات مضيئة فى البطولات الخالدة ضد المستعمر البريطانى، وقد تواصل هذا النضال حتى يومنا هذا فى الحرب الضروس ضد الإرهاب وأهله، والجميع يرى كم التضحيات العظيمة التى يقدمها جهاز الشرطة فى المعركة ضد أهل الإرهاب وأشياعهم وأنصارهم.

وتلعب الشرطة دورًا محوريًا فى الحفاظ على الأمن والاستقرار المجتمعى، فهى الخط الأول للدفاع عن الوطن والمواطنين. ويتجلى دورها البارز فى مكافحة الإرهاب من خلال مراقبة الأنشطة المشبوهة، والتعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى، وتطبيق القانون بحزم على الجماعات الإرهابية. وتسهم الشرطة أيضًا فى حفظ النظام العام، والحد من الجريمة، وتقديم المساعدة للمواطنين فى حالات الطوارئ. إنها العمود الفقرى للأمن الداخلى، وتعمل بلا كلل لضمان سلامة المجتمع ورخائه.

كل عام وشرطة مصر بخير ودام عطاؤها فى خدمة الوطن والمواطن.