نذير شؤم
ألم أقل مرارًا وتكرارًا إن المؤامرات ضد مصر ما زالت مستمرة، وإن الأوضاع الحالية تستحق من الجميع الاستنفار ضد هذه المؤامرات والتصدى لها بكل قوة، وأن تكون جموع المصريين على قلب رجل واحد لوقف كل من يفكر فى أن ينال من مصر.. حديث الرئيس الأمريكى ترامب مؤخرًا يستدعى هذا الأمر تمامًا، وإلا فما معنى أنه يفكر فى ترحيل الفلسطينيين من أرضهم إلى مصر أو الأردن؟ إن هذا الهراء يجب ألا يمر مرور الكرام، بل لا بد من وقفة متأنية أمامه.
إن ما يحدث فى المنطقة بأسرها من فوضى واضطراب يسود معظم الدول العربية من حولنا يؤكد حتمية أن هذه المؤامرات ما زالت مستمرة، ولم يستحِ ترامب من إعلان ذلك بطريقة واضحة وصريحة، عندما يطالب بتخلى الفلسطينيين عن أرضهم ونزوحهم إلى مصر أو الأردن. ولا يمكن بأى حال من الأحوال أبدًا أن تقف مصر مكتوفة حيال هذا الأمر.. ورغم كل هذه الظروف، فإن الدولة المصرية حريصة كل الحرص على منع التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أى مكان، ليس فقط إلى مصر أو الأردن وإنما إلى أى مكان على وجه الأرض، وذلك فى إطار ما تقوم به مصر من الحفاظ على القضية الفلسطينية، وعدم تصفيتها.
إن مؤامرات الصهيونية الأمريكية، التى تتمثل حاليًا فى أحاديث ترامب، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تنال قبولًا لا من مصر ولا من الأردن ولا من أى عاقل على وجه الأرض. فليس من المقبول أو المعقول أن يهجر الفلسطينيون أرضهم إلى أى مكان آخر.
إن الدولة المصرية العظيمة خلال العقود الزمنية الماضية تناصر القضية الفلسطينية، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتخلى فى غمضة عين عن هذا الموقف، وقد ازداد هذا الموقف عظمة خلال العام الماضى عندما تصدت مصر تمامًا لكل هذه المؤامرات ومنعت تصفية القضية الفلسطينية، وكذلك منعت التهجير القسرى للفلسطينيين من أرضهم.
إن مصر مع الحق الدولى المشروع فى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، ولذلك فحل الدولتين هو المسار الصحيح والطبيعى الآن وليس كما يحدث من أفعال شيطانية غريبة تصدر عن الرئيس الأمريكى الذى بدأ ولايته الجديدة مؤخرًا. وستظل مصر على موقفها الثابت والداعم لمنع تصفية القضية الفلسطينية، مهما فعلت أمريكا وإسرائيل، ولا يمكن أن تعيش إسرائيل فى أمن وأمان دون تحقيق حل الدولتين، فهو الناجز وهو الفاعل الحقيقى لوقف أى توتر فى المنطقة.
لقد انتفضت الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب المصرى حاليًا، ضد تصريحات الرئيس الأمريكى التى تعد نذير شؤم بشأن القضية الفلسطينية، فهى تصريحات لا يمكن أن تسكت عليها الشعوب لأنها مهزلة ومسخرة يقوم بهما ترامب حاليًا، فمَن يستطيع أصلًا أن ينفذ مثل هذه الترهات التى ستكون حتمًا بمثابة العار على الأمة العربية؟ لذلك، فإن الشعب المصرى الذى يتمتع بفطنة وكياسة، وتقوده قيادة سياسية رشيدة وحكيمة، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يوافق على هذه المهزلة، ولا على هذه الرؤية السخيفة.
وكم تصدت مصر لمثل هذه الأمور منذ أحداث ٢٠١١ وحتى الآن، فعلى مدار ما يزيد على العقد بأربع سنوات وقف الشعب المصرى صلبًا قويًا ضد كل من يفكر فى أن ينال من أمنه واستقرار وطنه، بل وقف أيضًا صلبًا قويًا ضد تصفية القضية الفلسطينية. وكان آخر هذه التصريحات ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الاحتفال بعيد الشرطة، عندما قال إن مصر لا يمكن أن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، ولديها إصرار شديد على تنفيذ القانون الدولى والإنسانى فيما يتعلق بتفعيل حل الدولتين.
هذه الرؤية المصرية التى ثبتت مصر عليها كانت وراء إحراز التقدم المذهل فى وقف إطلاق النار الذى تقوده الآلة العسكرية الإسرائيلية، وإنفاذ المساعدات إلى أهالى قطاع غزة المنكوب، ومن غير المقبول أو المعقول على الإطلاق أن يتبدل أو يتغير الموقف المصرى أبدًا فى مثل هذه الأمور، سواء من القيادة السياسية أو من الشعب المصرى العظيم.
إن الرؤية المصرية واضحة وصريحة ضد التهجير القسرى أو غير القسرى أيًا كانت التسمية، فمصر مع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ومن هذا الأساس نعتبر أن تصريحات ترامب بمثابة فقاعات فى الهواء، لن تتأثر بها الأمة العربية، ولن يحدث أبدًا أن يتم تنفيذها، سواء من الجانب الفلسطينى نفسه أو من جانب مصر أو الأردن أو غيرها من الشعوب العربية، لأن هذا معناه تصفية حقيقية للقضية الفلسطينية، وهذا لن يحدث أبدًا.