رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سوف يأتى يومٌ تُكشف فيه الأسرارُ كاملة!

(١)
كل ما شاهدناه عبر أربعة عشر شهرًا على الهواء مباشرة لا يمثل سوى قبس من الحقيقة. الحقيقة الكاملة سوف تُكشف ولا ريب فى يوم من الأيام حين تُكشف السرية القانونية فى مصر عن وثائق نكبة السابع من أكتوبر. سوف تعرف أجيالٌ لاحقة أن مصر اتخذت قرارًا صعبًا جدًا بعدم فضح أطراف كثيرة متورطة فى هذا المشهد، وأنها فعلت ذلك - رغم تضررها - حفاظًا على ورقة توت هذه المنطقة وهذه الأطراف، وحفاظًا على شعرة فاصلة كان يمكنها أن تقضى على البقية الباقية من هذه القضية. لأنها إنْ لم تفعل ذلك – وآثرتْ أن تنتصر لنفسها فقط وتصرفتْ كغيرها بهوجائية دفعًا لموجات التشكيك الممنهجة ضدها وقامت بهتك أسرار الجميع – لَدَفع ثمن ذلك الشعبُ الفلسطينى ذاته أكثر مما دفعه المفضوحون أنفسهم!. 
أثق أن الدولة المصرية لديها الكثير من المعلومات عما كان يتم تخطيطه على حدودها الشرقية قبل مشهد الذروة أو السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م. وهذه الخطط هى التى استبقتها مصرُ بتأمين الحدود فى السنوات الممتدة من ٢٠١١م وحتى تقريبا ٢٠١٩م حين أكملتْ تأمين تلك الحدود. 
(٢)
مشهد الذروة قطعًا سبقته مشاهدُ الإعداد والتدريب والتمويل. ربما كانت المفاجأة الوحيدة لمصر فى توقيت التنفيذ، فلما حدث المشهد كانت مصر تدرك أبعاده جيدًا ولديها من الوثائق التى ستكشف عنها يومًا ما، وشكلت خلية الأزمة بقيادة رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. وذلك حسبما صرح به الرئيس علنًا بعد ذلك اليوم بأيام، وحسب ما قرأناه من تعبيرات وجه الرئيس فى أول ظهور له بعدها بيومين أثناء حضوره حفل تخرج إحدى الكليات العسكرية. 
تعاملت القيادة المصرية بأقصى درجات ضبط النفس وأقصى درجات الإحساس بالمسئولية القومية، ليس فقط المصرية ولكن المسئولية العربية. أى مواطن مصرى كان يتابع الشأن العام كان يدرك وقتها الخطوط العامة للمشهد، ولا يبقى سرًا سوى تلك المعلومات الوثائقية ذات الطبيعة الحساسة، والتى كان الإعلان عنها أو تسريبها ربما يزيد الموقف تعقيدًا، وربما ساهم وقتها فى توجيه مزيدٍ من الضربات للقضية الفلسطينية. 
لقد آثرتْ مصر أن تتلقى هى كثيرًا من تلك الضربات - والاتهامات المنحطة والتى لم يعلم درجة إنحطاطها أحدٌ كما علمه مطلقوها ومروجوها - حفاظًا على توفير الدعم الشعبى المصرى لتلك القضية.
آثرتْ مصر مواجهة حملات التطاول، والتشكيك، ومحاولات التوريط من بعض الجهات والأسماء رغم معرفة هذه الأطراف والأسماء أنهم أفاقون!. 
ما يقطع بذلك هو أن مصر - ممثلة فى قيادتها الأعلى - كانت أول من أعلن أن تصفية القضية وتهجير أهل القطاع هو المستهدف، وكان ذلك قبل أن يتطرق أى مسئول أو جهة أو دولة إلى فضح خطة التهجير الحالية علنًا. 
كان الموقف المصرى دفاعا متقدما لإجهاض المخطط، وعبر عن ذلك الرئيس علانية بعبارات صريحة أن مصر لم تكن لتمانع فى استقبال اثنين مليون فلسطينى مثلما استقبلت ملايين العرب، لكنها لن تفعل ذلك حفاظًا على حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه لأنه إن خرج منها فلن يعود إليها أبدًا. هذا التصريح كان هو الأول إقليميًا – وحتى قبل جميع الأصوات الفلسطينية - والأجرأ والأكثر صراحة ووضوحًا فى مواجهة المخطط، وأعتبر هذا التصريح هو قبسٌ من تلك المعلومات السرية التى كانت تمتلكها مصر.
وربما فى يوم من الأيام سنعرف حتى ولو حجم تلك المعلومات فقط، بعد أن يصبح ممكنًا الإفراج عن وثائق الدولة المصرية طبقًا للقانون المصرى.
(٣)
فى اليوم الأول حدث مشهد أراه ذروة الخسة السياسية. ففى الوقت الذى كان لدى مصر من المعلومات السرية ما كان يمكنها أن تفضح أطرافًا كثيرة لكنها لم تفعل إحساسًا بمسئوليتها التاريخية، فى هذا التوقيت قامت بعض هذه الأطراف بالتحريض المباشر والسافر ضد الدولة المصرية بتحريض المصريين على إثارة الاضطرابات على حدود مصر الشرقية! 
هل يمكن أن نرى مشهدَ خسةٍ أكثر من ذلك؟! فبدلًا من أن يستحوا - وهم يعرفون ويشاركون فى خطة إبادة للشعب الفلسطينى، وخيانة للجارة الأكثر مساندة للقضية – لكنهم يستغلون إدراكهم لشرف مصر وأنها لن تفضحهم وقتها حفاظًا على الشعب الفلسطينى فيضغطون عليها ويحاولون إرباكها وإدخالها فى موجة فوضى داخلية! إننى كمصرى أتمنى أن يمتد بى العمر حتى أطالع كل المعلومات السرية خاصة ما يتعلق بهؤلاء فى هذا اليوم تحديدًا قيل أن يتنبه الجميع لما يحدث.
وسوف أكتفى بمثال واحد فقط لا يحتاج الانتظار لتلك المرحلة لأن جزءًا من وثائقه كان مذاعًا على الهواء بينما علمت الجزء الثانى قبل ذلك بسنوات من شخصية فلسطينية ذات حيثية!.
أشخاصٌ حمساويون ذوو صفات قيادية رسمية قاموا فى يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م بالتحريض الصريح للمصريين على التوجه لحدود مصر الشرقية والقيام بأعمال تخريبية حتى يتم فتح الحدود قسرًا عن مصر، وذلك قبل بدء عدوان إسرائيل بساعات طويلة. كانت العبارات التى سمعتها أذنى على تلك الشاشة المعروفة تقول نصًا «ندعو شعوب الدول المجاورة لقطاع غزة بالتوجه للحدود والقيام بأعمال عسكرية تجبر حكوماتها على فتح الحدود!» كان ذلك من الساعة العاشرة للثانية عشرة ظهرا!. 
حين نعلم أن هؤلاء بصفاتهم العامة كانوا قطعًا يعلمون ما اقترفته جماعتهم ضد مصر على الأقل منذ ٢٠٠٨م، كما يعلمون ما قامت به مصر قبل سنوات قليلة بتحمل عبء إعادة إعمار القطاع بعد تخلى ممثلى ثلاث دول ظهروا إعلاميًا على خرائب غزة وقتها متعهدين بضخ الأموال!
أى أن الذين حرضوا على مصر فى ذلك اليوم كانوا يقينا يعلمون بتورط جماعتهم فى صفقات سرية ربما تعلمها مصر لكنهم يدركون أنها لن تكشفها لإدراكهم أيضا أنها دولة شريفة! سؤال حقيقى.. هل هناك فى قاموس العمل السياسى ما هو أكثر انحطاطًا من ذلك؟!.
(٤)
بعد بدء العدوان الصهيونى وتوافد قيادات الدول الغربية الكبرى على القاهرة للضغط عليها لفتح حدودها عبر الإغراء والترهيب، فى هذه الأثناء قامت القيادة المصرية بكشف جزء من السرية عن تلك اللقاءات السياسية فى مستواها الأعلى. 
شاهدنا بعض هذه المشاهد عبر شاشات التليفزيون فى سابقة دبلوماسية غير مسبوقة. مصر فعلت ذلك إشراكًا لمواطنيها فى المسئولية لكى يعوا ما كانت تواجهه القيادة. 
لكن قطعًا هناك الكثير الذى لم يكن ممكنًا الإعلان عنه – مراعاة للأمن القومى المصرى وعلاقات مصر الدولية مع تلك الدول – من تفاصيل تلك الضغوط والعروض المقدمة لمصر لكى تبيع شرفها الوطنى والسياسى والأخلاقى. 
ماذا قال رئيس هذه الدولة أو رئيس وزراء تلك الدولة، أو وزير خارجية دولة ثالثة؟ وبماذا ردت القيادة السياسية المصرية؟ نحن نعلم قطعًا موقفها وعاصرنا فرض ذلك الموقف حتى وصلنا للمشهد الحالى، لكننا نطمح أن نعرف ويعرف أبناؤنا كيف خاضت مصر معركتها وحيدة فى مواجهة الحملة الاستعمارية الأخطر والأوقح فى العقود الأخيرة. هذه وثائق شرف. ونحن لا نريد فقط أن يقرأ المصريون المعاصرون وثائق شرف بلادهم، بل أن يختالوا بها ويعلموا الآخرين الفارق بين دولة بحجم مصر وبين دول ليس لأى منها نصيب من كلمة دولة غير المسمى!. 
(٥)
رفضت مصر استباحة حدودها، وجهرت بتحديها حين اتخذت قيادتها السياسية قرارًا بتلقى معونات العالم فى مطار العريش. استخف السفهاء وقتها بهذا القرار، وسقط فى فخ الاستخفاف مصريون ورأوا وقتها أنه قرار ضعيفٌ لا يرتقى لما هو متوقع من مصر. لكن ما لا يعلمه هؤلاء أن هذا القرار لم يكن ممكنًا لمصر اتخاذه دون دراسة كل السيناريوهات التى يمكن أن تواجهه ردًا عليه.
إن قرارا كهذا كان يعنى أن مصر قد اتخذت على الأرض من الإجراءات ما يمكنها من حماية قرارها، بدءًا من تلقى الطائرات، وحماية تلك الحمولات، ثم ثقتها فى قدرتها على إنفاذها إلى داخل القطاع وضمان حماية من سيقومون بذلك داخل القطاع. ويعنى أيضا أن تقوم مصر بكل ذلك والحكومة الصهيونية تحتمى فى عدوانها بوجود قطع عسكرية بحرية فى مياه البحرين لأعتى جيوش الكرة الأرضية!. 
فهذا قرار سياسى عسكرى جرىء لم تبادر إليه أى دولة أخرى. كل الدول لحقت بمصر. كانت الدول أشبه بأشخاصٍ خائفين من مواجهة بلطجى، حتى إذا ما بادرت مصر بالمواجهة، ركضت تلك الدول خلفها لكى تخفى عن عيون شعوبها سقوطها الأخلاقى!. 
وهنا تجد مصر نفسها فى مواجهة موقف خسة جديد.. بعض القوى أطلقت أذرعها الإعلامية كالكلاب النابحة، لكنها لم توجه نباحها ضد آلة القتل الصهيونية، بل ضد مصر وقواتها المسلحة وشاهدنا كتائب إعلام موجهة لمهاجمة جهود مصر والسخرية منها!
فى يومٍ قادم لا محالة سوف تكشف الأسرار كاملة وسوف نعرف كيف أدارت غرفة عمليات مصر قرارَها، وفرضته، وما واجهته من تحديات وتهديدات خلف الستار! 
(٦)
ممر فلادلفيا.. هذه العبارة كانت الأكثر ترددًا عبر أشهر. دخلت الآليات العسكرية الصهيونية الممر فى مشهد مريب.. لو راجعنا خسائرهم فى هذه المنطقة مقارنة بباقى المناطق سوف نكتشف حجم الخديعة. كانت محاولة مستميتة لتوريط مصر، وكأن هذا الممر من الأراضى المصرية وليس جزءًا من قطاع غزة الذى كان يقع بكامله تحت سيطرة قوى فلسطينية. 
فى سويعات كان رد فعل مصر العملى على الأرض.. لو أنكم دهستم بقدم واحدة بندًا فى المعاهدة فسوف تدهسها مصر بكلتا قدميها فى صمت وهدوء وثقة. وأيضا صمت المتواطئون عمدا عن إلقاء الضوء على موقف مصر، ونسوا كل جرائم المقتلة، وحاولوا تصوير الأمر وأنه مواجهة من أجل الممر!
كيف دخلوه؟ وكيف وصلوا لفتحات الأنفاق فى الجانب الفلسطينى؟! لنترك الإجابة لوثائق مصر يومًا ما. اتسم موقف مصر بالهدوء والثبات فى مواجهة محاولات صهيونية وقحة. كان رد مصر أشبه بعبارة.. إنْ وجدتم نفقًا يقودكم لمصر، فنحن فى انتظاركم على الجانب الآخر ورئيس الأركان بنفسه ينتظركم! 
(٧)
المفاوضات.. فى أوقات كثيرة قادت مصر جهودا حثيثة لوقف المقتلة. تبادل الصهيونى والحمساوى الأدوار لتفجير تلك الجهود، وكلاهما لم يكن يأبه إلا لصالحه الشخصى. 
حماس وضعت – ككل حركات الإسلام السياسى – نصب عينيها نصرًا معينا حتى لو تكلف ذلك دماء مليونى مواطن. هذا النصر كان إخراج أعضائها من سجون إسرائيل. ولقد كشفهم صراحة بعض المناضلين الشرفاء حين قال أحدهم بعد أن علم بخروجه بعد أربعة عقود من الأسر.. (لقد سُجنا لنفتدى شعبنا ولا أريد الحرية بثمن طفل دم فلسطينى واحد). قال الحقيقة فلم يسلم من السباب!. 
وضع نتنياهو نصب عينيه إطالة أمد المقتلة مستغلًا عجز إدارة العجوز الأمريكى، ومستغلًا تلك الفرصة لأقصى درجة ممكنة. مصر لديها قطعا أسرار ما حدث. من أفشل هذه الجولة أو تلك. فى مرحلة سافرة اتفق الغريمان على إفشال جهود مصر ولم يستح أى منهما عن محاولة اتهام مصر بذلك.
كان الموقف محزنا. دولة – هى مصر – كل ما تطمح إليه وقف سفك الدماء، وقوة تدعى أنها مقاومة لا تتورع عن التضحية بأرواح كل أهل القطاع حتى لا تعترف بجريمتها الكبرى وحتى تضمن بقاءها للتحكم فيما يتبقى من خراب وأطلال. حتى الساعات الأخيرة، وكلما اقتربت بنود الاتفاق على الاكتمال خرج أحدهم بخطابٍ لا يفهم منه سوى أن هذه الجماعة لا تعنيها الدماء وكل ما تفكر فيه هو ما ستجنيه من ثمنٍ مقابل هذه الدماء. 
أتوق يومًا لمشاهدة إحدى حلقات برنامج الشاهد مع رجال مصر الذين قادوا تفاصيل كواليس هذه المفاوضات حتى تعرف شعوب هذه المنطقة تلك الوجوه على حقيقتها! 
(٨)
بعيدًا عن هذا اليوم المنتظر الذى سوف تُكشف فيه السرية عن وثائق مصر لأخطر أربعة عشر شهرا فى تاريخ هذه المنطقة، فلا بد أن نسرد ما حدث وأن نصنع وثيقة شعبية على ما شاهدناه وتم الإعلان عنه.
وهذه هى الصفحة الأولى التمهيدية لهذه الوثيقة..
نهاية عام ٢٠٠٧م قامت حماس بإلقاء بعض صواريخها التى لم تصب أحدا. 
عام ٢٠٠٨م هاجمت حماس حدود مصر وفجرت الجانب الفلسطينى من المعبر لإجبار أهل القطاع لاقتحام الحدود المصرية وهذا ما حدث فعلا وفقدت مصر شهداءً.
رغم ذلك رفضت مصر حصار القطاع وكانت حدودها هى شريان الحياة الوحيد الذى أبقى على حياة أهله.
عام ٢٠١١م اقتحمت حماس سجون مصر واستباحت أرضها وجنودها وسرقت ونهبت وأرسلت بعض مقاتلى القسام لمواجهة الجيش المصرى.
بعد وصول الجماعة الإرهابية لحكم مصر اتفقت حماس معها على تهجير أهل القطاع لسيناء. 
قام وزير الدفاع المصرى وقتها السيسى بإجهاض المخطط وأفرغ الخط الحدودى.
بعد ثورة يونيو تواطأت حماس مع ميليشيات مسلحة فى سيناء ضد القوات المسلحة المصرية. 
قامت مصر بتأمين حدودها الشرقية وإغلاق وهدم الأنفاق، مما أفقد حماس مصدر أموالها الحرام. 
قامت حماس باستفزاز إسرائيل ومنحتها ذريعة للعدوان على القطاع. 
بعد العدوان قامت مصر بإعادة إعمار القطاع بمؤسستها الوطنية ولم تسمح لحماس بالتحكم فى أهل القطاع بمنحها أموال إعادة الإعمار. 
تظاهرت حماس بمحاولة فتح صفحة جديدة مع مصر. وقامت مصر بعقد عشرات الجلسات لتوحيد الصف الفلسطينى.
لم توقف مصر فى أى مرحلة - برغم كل تلك المشاهد – دعمها لأهل القطاع وكانت تستقبل المصابين والمرضى والطلاب، وكانت تدخل القطاع كل يوم من حدود مصر ما يقارب ألفى شاحنة تمثل عصب الحياة لأهل القطاع.
(٩)
أما الصفحة الثانية لهذه الوثيقة فيمكن سردها كالآتى...
بينما مصر تحتفل بانتصارات السادس من أكتوبر، قامت حماس بهجمات السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م بمهاجمة القبة الحديدية ومستوطنات غلاف غزة وقتلت وأسرت المئات من مدنيين وعسكريين، نساء وجال وأطفال، وهناك ما ذُكر عن انتهاكات غير أخلاقية لم يتم نفيها أو تأكيدها، لكن ما وثقه السنوار أن الأمور خرجت عن السيطرة.
فى نفس اليوم حرض قادة من حماس عبر شاشة قناة إخبارية عربية المصريين على تخريب حدود مصر.
كان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أول من تحدث عن أن الهدف هو تصفية القضية وتهجير الشعب الفلسطينى. 
بادرت مصر بالتوافق مع الأردن على رفض التهجير ودعت لمؤتمر قمة عربى فى القاهرة لرفض التهجير.
مع بدء العدوان أعلنت مصر إصرارها على إدخال المساعدات وأنها لن تسمح بتصفية القضية ولن تسمح بها على حساب مصر. 
واجهت مصر ضغوطًا دولية صريحة لاستقبال أهل القطاع لتفريغه وأعلنت رفضها لتلك الضغوط. استبقت مصر جميع الأصوات الفلسطينية والعربية والدولية فى كشف المخطط ورفضه.
صمتت حماس لعدة أسابيع ولم تعلن رفضها للتهجير إلا بعد أن أفشلت مصر مخططه ووجدت حماس نفسها مكشوفة فخرج قادتها يقولون ما حسمته مصر. 
حاولت كل من إسرائيل وحماس بشتى الطرق استدراج مصر للدخول فى صراعهما المسلح. حماس حاولت ذلك عن طريق الضغط الشعبى على مصر والتعريض بموقفها حتى سقط مصريون من النخبة فى الفخ وشاهدنا مشهد سلالم نقابة الصحفيين وبيانات بعض قادة المؤسسات المصرية التى تتهم كل الدول وضمنًا مصر بالتهاون.
بينما حاولت إسرائيل ذلك باتهاماتها لمصر بتهريب الأسلحة عبر الأنفاق ثم الاستعراض الفاشل فى ممر فلادلفيا.
حاول كل منهما إفشال أى جهود لوقف المقتلة وصرحت بعض الأسماء الحمساوية بذلك صراحة وبعض الأسماء الصهيونية فى الحكومة اليمينية المجرمة. 
نجحت مصر فى الوصول لأول هدنة ولإدخال مساعدات برا وجوا. تحملت مصر ثمنا اقتصاديا لموقفها عبر ضرب الممر الملاحى التجارى وتعثر السياحة. 
قدمت مصر رغم ذلك نصيب الأسد من كل ما تم إدخاله من مساعدات قبل توقيع الهدنة الأخيرة.
كانت مصر أول من انتبهت لخطة محاولة تنفيذ التهجير على مرحلتين وذلك بتحويل القطاع لمكان غير صالح للحياة فى مرحلة العدوان، ثم الضغط فى المرحلة الثانية بادعاءات انهاء معاناة أهل القطاع وإيجاد مكانٍ آخر – سيناء – لإيوائهم. 
سخرت مصر كل خبراتها وقدرات مؤسساتها الوطنية العريقة فى سبيل إجهاض كل نقاط الخلاف المفتعلة من الجانبين – الصهيونى والحمساوى – والوصول لذلك المشهد الذى شاهده العالم بأجمعه وهو هذا الموكب المهيب للعائدين سيرًا على الأقدام. ولولا مصر لما كان لهذا المشهد أن يحدث. 
(١٠)
والآن مصر تخوض مرحلة حاسمة لإجهاض أوهام التهجير.
موقف مصر الأخير والقوى جدا من بيان وزارة الخارجية إلى بيان الرئاسة التى نفت وكذبت ما روجت له قنوات عربية منبطحة من اتصالات رئاسية أبدت فيها مصر مرونة لقبول ما رفضته، ثم أخيرا تصريحات الرئيس ذاته القوية الصارمة، كل ذلك يعنى أن مصر أفشلت المرحلة الثانية حتى قبل أن يرتب المتآمرون أوراقهم. معنى هذا الموقف أن أوهام نتنياهو - بأن ثمن وقف إطلاق النار هو إجبار مصر – قد ذهبت هباءً منثورا! أن كل ما خطط له من مد أجل العدوان حتى يأتى صديقه للمقعد البيضاوى كأن لم يكن. 
هذا توثيق ما حدث. مصر هى دون غيرها من خاضت هذه الحرب وأفشلت هدفها السياسى الأول وهو إنهاء قضية فلسطين للأبد. مصر هى التى أبقت لهذا الشعب أرضه حتى لو كانت هذه الأرض أطلالًا ودمارًا. سقط فى الطريق كثيرٌ من أفراد النخبة وثبت أنهم لا يستحقون مواقعهم. فهموا ما قامت به مصر متأخرًا جدًا.
إن بعض الذين يشيدون بموقف مصر الآن من بعض أفراد النخبة المصرية يكررون مواقفهم السابقة حين هاجموا جماعة الإخوان بعد أن أسقطها المصريون بالفعل ودفعوا من دماء أبنائهم ثمن هذا الإسقاط.
إن الذين صمتوا فى الأسابيع الأولى من هجمات السابع، أو الذين هللوا لحماس، أو الذين عرضوا بموقف بلادهم بأى شكل وفى أى مناسبة، كل هؤلاء لا قيمة لصوتهم الآن. 
فالمجد كل المجد لرجال مصر الذين كبشوا – ولا يزالون – الجمر الملتهب بأيديهم دفاعًا عن مصر وترابها وشرفها ووقوفًا مع الشعب الفلسطينى. 
المجد كل المجد لكل سيدة مصرية انكبت تدافع عن بلادها وقيادتها فى الأيام الأولى من المعركة ولم تسقط فى فتنة المشهد وصمدت أمام كل تلك الموجات الموجهة ضد مصر فى الأيام والأسابيع الاولى. 
والعار كل العار لمن صمت أو عرض بمصر أو هاجمها أو حتى شك أو تشكك فى شرفها!.