رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تطهير غزة.. من أهلها!

ساعات أو دقائق، ويتلقَّى الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصالًا تليفونيًا من نظيره الأمريكى دونالد ترامب، الذى أعلن، بحسب وكالة «رويترز»، عن اعتزامه إجراء هذا الاتصال لبحث إمكانية استقبال مصر «المزيد من الفلسطينيين» من قطاع غزة. ونتوقع، أو نقطع بأن الرئيس السيسى سيؤكد، مجددًا، رفض مصر القاطع تهجير الشعب الفلسطينى، وكل سيناريوهات تصفية القضية الفلسطينية.

هذا هو موقف مصر الثابت، قبل وبعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، الذى كرره الرئيس عشرات المرات، أحدثها، الأربعاء الماضى، حين أشار، خلال احتفالنا بعيد الشرطة، إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة يعدّ شاهدًا حيًا على هذه الجهود الدءوبة، والمساعى المستمرة التى تبذلها مصر، لنبذ العنف والسعى نحو السلام، متعهدًا بأن ندفع، بمنتهى القوة، فى اتجاه تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل، سعيًا إلى حقن دماء الأشقاء الفلسطينيين، وإعادة الخدمات إلى القطاع ليصبح قابلًا للحياة، ومنع أى محاولات للتهجير. ولا نعتقد أننا نضيف جديدًا لو قلنا إن مصر لم تتوقف، بالفعل قبل القول، عن إغاثة الأشقاء الفلسطينيين، وصمدت، بعزة وكرامة، أمام كل محاولات تهجيرهم، حماية لأمنها القومى، ومنعًا لتصفية الحق الفلسطينى.

للصحفيين على متن طائرة الرئاسة «إير فورس وان»، وهو فى طريقه من لاس فيجاس إلى ميامى، قال الرئيس الأمريكى إن لديه خطة لتحقيق ما وصفه بـ«تطهير» غزة، التى وصفها بأنها «مكان مدمر حرفيًا، تقريبًا كل شىء مدمر والناس يموتون هناك، لذلك أفضل المشاركة مع بعض الدول العربية وبناء سكن فى موقع مختلف حيث يمكنهم العيش فى سلام من باب التغيير»، لافتًا إلى أن الإسكان المحتمل «قد يكون مؤقتًا» أو «قد يكون طويل الأجل». ثم أشار إلى أنه قال للعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، خلال اتصال تليفونى، إنه يودّ منه أن يستقبل المزيد من الفلسطينيين، لأنه يرى أن قطاع غزة بأكمله فى حالة من الفوضى، مضيفًا: «نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص ونقوم بتطهير المنطقة برمتها».

بكل هذه البساطة، أو السطحية، تحدث الرئيس الأمريكى عن مليون ونصف المليون شخص، لا حول لهم ولا قوة، ولا ذنب لهم إلا أنهم يتواجدون فى أراضيهم، ويتشبثون ببيوتهم وأوطانهم، ويطمحون إلى العيش بعزة وكرامة وإنسانية، فى مواجهة آلة عسكرية غاشمة، لم تتوقف عن قتلهم وتجويعهم، لإجبارهم على النزوح، وتهجيرهم قسريًا، فى ظل مشاهدة عاجزة من المجتمع الدولى، وغياب أى قدرة أو إرادة دولية على إنجاز العدالة، أو إنفاذ القانون الدولى، أو القانون الدولى الإنسانى، أو حتى أبسط مفاهيم الإنسانية. 

البيان الصادر عن الديوان الملكى الأردنى قال إن الملك عبدالله الثانى أجرى، السبت، اتصالًا تليفونيًا مع الرئيس الأمريكى، «مهنئًا بتنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، متمنيًا له التوفيق فى أداء مهامه». وطبقًا لما ذكره البيان أعرب الملك عن «الحرص على توطيد العلاقات المتينة وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة، وتوسيع فرص التعاون فى شتى المجالات». وأكد «الدور المحورى للولايات المتحدة فى دفع كل الأطراف باتجاه العمل نحو تحقيق السلام والأمن والاستقرار للجميع فى المنطقة». و... و... ولو سلّمنا بأن ترامب تحدث مع الملك فعلًا بشأن «استقبال المزيد من الفلسطينيين»، فإن معنى عدم التفات بيان الديوان الملكى إلى ذلك، هو أن المملكة متمسكة بموقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين. 

.. وأخيرًا، لا نعتقد أن عاقلًا، مبصرًا، ذا قلب سليم، يمكنه أن يتجاهل ما قدمته مصر للقضية الفلسطينية، طوال أكثر من سبعة عقود، أو ما فعلته مؤخرًا لوقف العدوان، الذى امتد لأكثر من ١٥ شهرًا، ولإجهاض محاولات أو سيناريوهات التهجير القسرى أو التجويع أو العقاب الجماعى للشعب الفلسطينى، إضافة إلى سعيها الجاد فى مسارات التوصل إلى حل سياسى، عادل وشامل، للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية، ذات السيادة، والقابلة للحياة، على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، مع الاعتراف الدولى بها، وحصولها على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة.