هل يقرأ ترامب صفحة هولاكو فى تاريخ مصر؟
قرأت منذ فترة فى الصحف العالمية بعض التقارير التى ترمى إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يعانى من بعض الاضطرابات النفسية، ووقتها لم أصدق الأمر واعتبرته مجرد دعاية مضادة من منافسيه السياسيين فى الحزب الديمقراطى، وكانت مجلة علم النفس السلوكى قد نشرت فى عام 2017 إحدى الدراسات التى حددت من خلالها معاناة ترامب من اضطراب الشخصية النرجسية، وحللت الدراسة ملامح هذا المرض، فأكدت أن ترامب يُظهر مشاعر تدل على الإحساس بالعظمة والحاجة إلى نيل إعجاب الآخرين، بالإضافة إلى افتقاره للتعاطف مع الغير. وأكدت الدراسة أن ترامب تظهر عليه جميع العلامات التى لها علاقة باضطراب الشخصية النرجسية وهو نمط تهيمن عليه العظمة والغرور، ويسعى دائمًا إلى المبالغة فى الثناء على إنجازاته ومواهبه، ويأمل دائمًا فى أن يشيد الآخرون بعظمته، وقد بات من الواضح إصابة ترامب بهذا المرض النفسى من خلال تدخلاته وسلوكه، فضلًا عن تصريحاته. أقول ذلك بسبب تصريحات ترامب الأخيرة على متن طائرة الرئاسة «إير فورس وان»، التى قال فيها إنه يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، بعد أن تسببت حرب إسرائيل ضد حركة حماس فى وضع إنسانى صعب وأضاف أنه تحدث إلى ملك الأردن عبدالله الثانى بشأن نقل الفلسطينيين من قطاع غزة المدمَر إلى الدول المجاورة، وأنه سيتحدث مع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أيضًا، ضاربًا بعرض الحائط كل المواقف المصرية منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023 والتى أكدت فيها القيادة المصرية مرارًا وتكرارًا رفض مصر القاطع لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية، وأن هذا الأمر خط أحمر بالنسبة لمصر، ثم أعقب تصريح ترامب بيان قوى من الخارجية المصرية كشرت فيه مصر عن أنيابها ولطمت النرجسية الترامبية على وجهها فى مستهل الفترة الرئاسية الجديدة لترامب، وذكر البيان تمسك مصر بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية مع استمرار دعمها لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة فى أرضه ووطنه، وبمبادئ القانون الدولى والقانون الدولى الإنساني، كما شددت مصر على رفضها لأى مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وفى الحقيقة فإن هذا البيان يعكس قوة القيادة السياسية فى توضيح موقفها وموقف مصر فى أول اختبار للعلاقات المصرية الأمريكية بعد تولى ترامب بصفة عامة والعلاقات الشخصية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس ترامب بصفة خاصة، إذ أكد هذا الموقف أن مصر لن تسدد أى فاتورة تتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، كما أنها لن تكون سببًا فى تصفية القضية الفلسطينية، ومعنى ذلك أن الرئيس السيسى يقول لترامب من البداية كن على حذر فى ولايتك الجديدة فأنت تتكلم مع مصر الثابتة والراسخة، وأنه على الولايات المتحدة الأمريكية أن تفكر فى أن هناك مصالح مشتركة كثيرة مع مصر، وأن أمريكا قد تخسر الكثير إذا وضعت مصر فى موقف تسوء فيه العلاقات المصرية الأمريكية. ولا أعرف كيف قفز إلى عقلى بعد أن قرأت كل التعليقات عن موقف ترامب والرد المصرى فى حقيقة أن ترامب فعلًا لا يملك قوى عقلية سليمة، ويبدو أننا سنرى بعد فترة الفصل الثانى من هذيان وبلاهة بايدن ولكن من بطولة دونالد ترامب هذه المرة، ومن الواضح أن التقارير والتحليلات النفسية سوف تتحقق؛ لأنها اتفقت مع المسار الذى تَوقَعته مبكرًا فى رئاسة ترامب، فقد حذرت تلك التقارير والدراسات من أنّ حالة ترامب النرجسية اليوم أسوأ ممّا بدَت عليه، وأنها ستزداد سوءًا بمرور الوقت، وستُصبِح فى النهاية غير قابلة للاحتواء. لكن المهم أن تفهم الإدارة الأمريكية هذه المرة، وعلى رأسها ترامب أن الشعب المصرى يعيش فى حالة عدم استقرار منذ نحو 15 عامًا بسبب التأثير الجيوسياسى والاجتماعى والاقتصادى الذى لعبت فيه الولايات المتحدة أدوارًا كبيرة ومتعددة تضررت منها مصر خلال الفترة السابقة، بالإضافة إلى الأحداث العالمية التى وفقت فيها أمريكا موقف المتفرج على أزمات مصر، وهذه الحالة التى يعيشها الشعب المصرى يفهمها جيدًا ويدرك أن من أسبابها السياسات الأمريكية وأنه على أثر هذا الإدراك يلتف بقوة حول قيادته السياسية المتمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأنه ما عاد لدى الشعب ما يخاف عليه إلا أمله فى الاستقرار الذى يرى أنه يتحقق يومًا بعد يوم ويتمسك به، وعلى الرئيس الأمريكى ألا تتفحل لديه النرجسية وجنون العظمة ويظن أن القوة العظمى الأولى فى العالم من حقها أن تمارس البلطجة وتغير الخريطة العالمية والسياسية كما تشاء، وأدعو ترامب أن يفتح صفحة هولاكو قائد جيش التتار المغولى فى صفحة التاريخ المصرى، ومعلوم أن التتار كانت قوة الأرض التى لا تقهر فى ذلك العصر كحال الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا، وهولاكو وترامب وجهين لعملة واحدة هى النرجسية والغرور، ومعروف أن المغول لم تطأ أقدامهم بقعة على وجه الأرض إلا واستباحوها وقتلوا عددًا هائلًا من سكانها ونكلوا بهم، وأضرموا النيران فى أحيائها وهدموا معالمها وخربوا مكتباتها، وأتلفوا ما كان بها من تراث إنسانى عريق، وكانوا قريبين من بسط سيطرتهم على منطقة الشرق الأوسط بالكامل بعدما سيطروا على بلاد ما وراء النهرين، إلا أن هولاكو وإمبراطورية المغول قد تحطمت على يد الجيش المصرى بقيادة السلطان سيف الدين قطز فى فترة كانت من أضعف فترات الدولة فى مصر، لكن إرادة المواجهة غيرت الواقع، وقلبت الضعف إلى قوة كاسحة، وبمجرد أن تسلم قطز مقاليد الحكم فى الدولة، عكف على إعداد الجيش والعتاد العسكرى لمواجهة الإمبراطورية المغولية، فقد كان يعلم أن مواجهتها قادمة لا محالة، وفى ذلك الوقت أرسل هولاكو رسالة تهديد ووعيد إلى قطز «مثل رسائل ترامب الآن» مع أربعة رسل من التتار، تطالبه بالخضوع والاستسلام، لكن قطز رفض هذا الإذلال وقطع رءوس السفراء الأربعة- كما قطع الرئيس السيسى رأس طلب ترامب ببيان الخارجية- وخرج قطز بجيشه ليواجه المغول مباغتًا خارج مصر حين وصلت الجيوش المغولية إلى سهل منطقة عين جالوت بين مدينتى نابلس وبيسان فى فلسطين، وهناك انتهت دولة المغول العظمى واجتثت من فوق الأرض ببطولات الجيش المصرى القوى وفوق أرض فلسطينية باسلة.. والتاريخ عودنا كثيرًا.. أن يكرر نفسه.. لذا أنصح ترامب بأن يقرأ صفحة هولاكو جيدًا فى تاريخ مصر بعد تناول دواء النرجسية حتى يستفيق من غروره قليلًا.