هل يعاقب ترامب ألمانيا؟!
قد يكون عاديًا أن يُرسل سفير برقية سرية لوزير خارجيته ينتقد فيها، أو يشتم، رئيس الدولة الموفد إليها، أما غير العادى، فهو أن يتم تسريب تلك البرقية، خاصة لو كانت مليئة «بكل أنواع الانتقادات والهراء»، بوصف فريدريش ميرتس، زعيم المعارضة المحافظة فى ألمانيا، المرشح الأوفر حظًا فى استطلاعات الرأى لتولى منصب المستشار، الذى أعرب، خلال اجتماع انتخابى، عن استيائه من تسريب برقية سفير بلاده لدى واشنطن، التى تضمنت انتقادات أو شتائم للرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
خروجًا على الأعراف الدبلوماسية المعتادة، كتب أندرياس ميكايليس، أو ميشائيليس، سفير ألمانيا لدى واشنطن، فى برقية أرسلها إلى أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، الثلاثاء الماضى، أن ترامب رجل مدفوع بـ«الرغبة فى الانتقام»، وقد يتجه نحو «تركيز السلطات القصوى فى يده» على حساب الكونجرس والولايات، معتبرًا أن المبادئ الأساسية للديمقراطية الأمريكية قد «يتم تقويضها إلى حد كبير» بهذه الطريقة. كما أعرب عن قلقه من تهديدات «الترحيل الجماعى» للأجانب والإشراف على التحقيقات القضائية، وسعى ترامب إلى تعيين حلفاء له فى مناصب رئيسية، و... و... وأعرب عن قلقه، أيضًا، من اعتزام ترامب وحليفه إيلون ماسك انتهاك حقوق الأقليات، وفرض قيود على حرية التعبير.
ربما لهذا السبب لم يتلقَ المستشار الألمانى، أولاف شولتس، الذى رفض التعليق على تسريب البرقية، دعوة من ترامب لحضور مراسم التنصيب فى واشنطن. وبينما تتخوف ألمانيا من مساعى الرئيس الأمريكى، الذى تولى مهام منصبه أمس، لفرض ضرائب جمركية مرتفعة على البضائع الأوروبية، تعتقد أنها موجَّهة ضدها تحديدًا، ولزيادة الضغوط عليها بشأن إنفاقها الدفاعى، نرجّح أن يواجه سفيرها مصير كيم داروك، الذى كان سفيرًا لبريطانيا فى الولايات المتحدة، وترك منصبه بعد تسريبات شبيهة.
طبقًا لرسائل البريد الإلكترونى، التى نشرتها جريدة «الديلى ميل» البريطانية، فى يوليو ٢٠١٩، كتب «داروك» أن البيت الأبيض يعانى «خللًا جسيمًا» و«انقسامًا حادًا» تحت قيادة ترامب، الذى وصفه بأنه عديم الكفاءة والأهلية، وتوقع «نهاية مخزية» لفترته الرئاسية. كما وصف السياسة الأمريكية تجاه إيران بأنها «غير متسقة وفوضوية»، وأرجعها إلى صراعات داخلية، تشبه «القتال بالسكاكين». ونصح حكومته بأنها إذا أرادت أن تتواصل مع ترامب بشكل أفضل، فإن عليها أن تعتمد على الرسائل البسيطة، المباشرة إلى حد الفجاجة. لكنه حذّرها من أن تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين بعد «بريكست» سيؤدى إلى تفجير خلافات حول قضايا عديدة، مثل التغير المناخى وحرية الإعلام وتطبيق عقوبة الإعدام.
المهم، هو أن وزيرة الخارجية الألمانية لم تنف صحة البرقية، التى تم تسريبها، لكنها شددت على أنها كانت «سرية» وكان ينبغى أن تظل كذلك. وحين سئلت عن الموضوع، فى برنامج تليفزيونى، قالت: «بالطبع تعمل السفارات على كتابة التقارير، هذا هو عملها، خصوصًا عندما تكون هناك تغييرات حكومية، حتى نعرف موقفنا.. وبالطبع سفارتنا فى واشنطن تفعل ذلك أيضًا». ثم حاولت أنالينا بيربوك التقليل من أهمية ما تضمنته البرقية، بزعم أن ترامب «سبق أن أعلن عمّا يعتزم فعله، وعن القرارات التى سيتخذها البيت الأبيض مستقبلًا»، ووصفت الولايات المتحدة بأنها «أحد أهم حلفائنا»، مشددة على ضرورة «الحفاظ على التعاون الوثيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة بما يخدم مصالح ألمانيا وأوروبا».
.. وتبقى الإشارة إلى أن السفير الألمانى لدى واشنطن، الذى تجاوز الخامسة والستين، كان متحدثًا رسميًا باسم يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا فى حكومة جيرهارد شرودر، بين ١٩٩٨ و٢٠٠٥، والأرجح أنهما على الموجة نفسها. إذ كان الأخير قد كتب بعد انتخاب ترامب رئيسًا، سنة ٢٠١٦، أن نهاية «الغرب» صارت مؤكدة، لافتًا إلى أن هذا المصطلح يصف «عالم الأطلسى» الذى أنشأته وبلورته حربان عالميتان. وبعد جولة أوروبية قام بها الرئيس الأمريكى السابق، والحالى، فى يوليو ٢٠١٨، كتب يوشكا فيشر أن ترامب ومناصريه يرغبون فى تدمير النظام الدولى والنظام التجارى العالمى.