هنا مصر.. لا تفريط ولا تهجير
القاهرة دومًا حاضرة، هكذا قال التاريخ، وتظهره المواقف الصعبة واللحظات الحرجة. القضية الفلسطينية هى نافذة طل منها كل الرؤساء والملوك، استطاعت أن تفرز من يدعم ومن يفاوض ومن يتخلى ومن قَبِل البيع لكتابة نهاية فلسطين.
السياسة دائمًا كاشفة، إما أن تكون صديقًا تنفذ أجندات حلفائك، أو ترفض وتدعم فتكون فى قائمة الأعداء، هكذا تتعامل أمريكا مع الشرق الأوسط، إما التفريط والتقويض بشأن القضية الفلسطينية وتبنى مخطط التهجير ونقل الفلسطينيين إلى أراضٍ مجاورة، وحينها تنال البركة وتصبح حليفًا، أو تكون شوكة فى الحلق كما كانت مصر.
لا يخفى على أحد ما تشهده المنطقة العربية، إذ يعانى العالم منذ عام 2019 حالة من الفوضى منذ بدء جائحة كورونا التى حولت اقتصاد البلاد وبدلته إلى سيئ نتجت عنه أضرار أوصلت بعض الدول إلى حد الإفلاس بل والاختفاء والخروج من المعادلة الدولية كقوى مؤثرة ذات سيادة.
تزايدت وتيرة الجائحة مرورًا بالحرب الأوكرانية الروسية، توصلًا إلى طوفان الأقصى فى 2023، هذا التاريخ الذى شهدت بدايته حقبة تاريخية حرجة فى منطقة الشرق الأوسط والتى نشرت الفوضى والعبثية وخلّفت مئات الشهداء فى حرب باردة مع الكيان الصهيونى.
منذ طوفان الأقصى وإعلان إسرائيل حرب الإبادة على الشعب الفلسطينى ولم تدخر القاهرة جهدًا لوقف القتال، وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسى الجميع، ووضع العالم أمام مسئولياته بضرورة وقف القتال والتوصل إلى حل الدولتين والاعتراف بسيادة دولة فلسطين العربية على حدود 1967.
حاولت قوى عدة إزاحة مصر عن المشهد، وتهميش دورها من خلال مؤامرات وتضييقات خانقة طالت كل شبر فى مصر، إلا أن رهان القيادة السياسية على الشعب المصرى كان رابحًا، فلم يستسلم المصريون رغم الشائعات ورغم الإحباطات التى انتشرت فى مصر كالنار فى الهشيم، وكانت مصر حاضرة، قائدة لكل مراحل تطور القضية الفلسطينية.
تحذيرات الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة وقف ما يحدث فى قطاع غزة، وأن أثره لن يكون حميدًا على المنطقة فقط بل العالم أجمع، كان لها رجع الصدى. اليوم وأنا أكتب تلك السطور لا أجد إلا مصر حاضرة على ترابيزة المفاوضات، استطاعت مصر وحدها بسياستها وحكمتها وإدارتها أن تربح معركة بلا شرف وأن تسجل هدفًا رغم محاولات إلغائه، واقتنصت فوزًا ثمينًا بعد إحباط مخطط التهجير وإفشاله والقضاء عليه من خلال موقف تاريخى لن ينساه التاريخ بل يؤكده لأن القاهرة كانت دائمًا حاضرة.
لا أكتب كلماتى من منبع مصريتى أو كونى مواطنًا عربيًا مصريًا، إنما أردد ما قاله الرئيس الأمريكى السابق والحالى، وعدد من ملوك أوروبا فى بياناتهم الرسمية الصادرة عن دولهم، كذلك قال الرئيس الفلسطينى إن مصر تدعم القضية الفلسطينة وتعتبرها أم القضايا.
مصر استطاعت أن تحبط مخططًا أمريكيًا صهيونيًا وُضعت له ميزانيات مفتوحة، ومبالغ مالية طائلة، لا تستطيع عزيزى القارئ تخيلها، مقابل الموافقة على تهجير الفلسطينيين من غزة ودخولهم الأراضى المصرية، كانت القيادة السياسية واعية وعلى دراية بكل السيناريوهات حتى أفشلتها، إلى حدٍ يحمى القضية الفلسطينية ويجعلها دائمًا حاضرة.
الدبلوماسية المصرية خلال العشر سنوات الفائتة تعاملت بدهاء وحنكة وحكمة، أوصلتنا اليوم إلى ما نحن عليه من وقف للقتال وهدنة فى غزة، إلا أنه ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، خرج علينا الرئيس الأمريكى ترامب ليعلن عن عودة مخطط التهجير، وأنه سيعرض على مصر السيناريو بشكل جديد، ظاهره إعادة بناء غزة وباطنه التهجير وقتل القضية الفلسطينية إلى الأبد، كان معتقدًا أن مصر تأخد قراراتها من غيرها، أو تقبل إملاءات غيرها، إلا أنه تفاجأ بصلابة ورد قاطع بأن مصر ترفض أى مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل.
وكأن أمريكا تكيل بمكيالين، جاء ترامب ليعلن فى خطاب التنصيب أنه سيطرد المهاجرين إلى بلاده، ليحافظ على أمنها واستقرارها، ويحمى مواردها، ودخل فى صراعات مع دول الجوار لوقف الهجرة إلى أمريكا، وهو يسعى فى نفق آخر إلى تهجير شعب كامل عن أرضه، فكيف تنشر السلام فى بلدك، وتنتزعه من بلد آخر؟
رد مصر ليس جديدًا بل هو امتداد من مدرسة الوطنية تجاه الوطن العربى المصرى لدى دول الجوار فى منطقة الشرق الأوسط، لن تقبل مصر، ولن تقبل قيادتها، ببيع القضية الفلسطينية، هذا الرئيس المصرى الشريف الذى أقسم مرارًا وتكرارًا بأن يده خالية من الدماء لم تلطخ بقطرة واحدة، لن تكون هذه الأيدى ملطخة بدماء الأبرياء العرب فى فلسطين. موقف مصر من القضية الفلسطينية هو موقف أبدى متوارث، تتوارثه الحكومات، نابع من دماء الوطنية المصرية العربية.. حفظ الله مصر قيادة وشعبًا، وحماها من كيد الأعداء المتربصين.