فصل الساحات.. إسرائيل توقف حرب لبنان وتفرض السيطرة على غزة
بعد مرور أكثر من عام على هجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، الذى اعتبر أكبر إهانة وُجهت إلى إسرائيل فى العقود الأخيرة، عادت الغطرسة الإسرائيلية لتسيّد الموقف، وسط رأى عام إسرائيلى يشعر بأنه ليس ثمة من هو قادر على وقف الضربات الإسرائيلية، وأن تل أبيب لديها الفرصة لتضرب من تشاء دون رحمة وبلا توقف، حتى تحقق أهدافها.
وعزز التوصل إلى وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية من الشعور بالتفوق الإسرائيلى، بعد أن حققت إسرائيل ما تريد، هو وقف القتال فى لبنان، والسيطرة الأمنية على قطاع غزة، مع قطع العلاقة بين جبهتى الحرب الأساسيتين، لبنان وغزة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
الوضع السيئ لجيش الاحتلال وعدم جاهزيته العملياتية وراء التهدئة فى الشمال
بالنسبة لقطاع كبير من الإسرائيليين، فإن إسرائيل تعيش واحدة من أهم فترات استعراض القوة، بعد هزيمة «حماس» وتدمير قطاع غزة، ثم هزيمة «حزب الله» وتدمير لبنان، ما يسمح بتركيز الأنظار على إيران، مع الحديث علنًا عن تغيير النظام فى طهران واغتيال المرشد الإيرانى على خامنئى، والمفاضلة بين قصف المنشآت النووية الإيرانية ومنشآت الغاز والنفط.
فى الوقت نفسه، يرى البعض فى إسرائيل أن الحرب الجارية لن تحقق الأهداف الحقيقية، وعلى رأسها عودة المحتجزين فى قطاع غزة، بالإضافة إلى أن مكانة إسرائيل فى العالم أصبحت فى أدنى مستوياتها على الإطلاق، باستثناء دعم الولايات المتحدة، خاصة بعد أن أعلنت عدة دول أوروبية عن أنها ستحترم قرارات المحكمة الدولية فيما يخص قرار اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف جالانت.
ويرى محللون من هذا الفريق أن الإنجازات العسكرية ليست كل شىء، خاصة إذا لم تصاحبها عملية سياسية فى الوقت المناسب، لأن التاريخ ملىء بالدول التى أثملتها القوة ولم تحسن التوقف فى الوقت المناسب.
ويرى هؤلاء أن الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، من دون أن تظهر نهايتها، لم تتحقق أهدافها؛ فلم يُطلَق سراح المحتجزين، ولم تتحقق عودة النازحين فى الشمال إلى منازلهم، ولم يتم القضاء كليًا على حماس، فضلًا عن انهيار الاقتصاد الإسرائيلى، والإرهاق الذى أصاب القوات الإسرائيلية بسبب استمرار الحرب لفترة طويلة.
وفى هذا الإطار، أوضح الجنرال الإسرائيلى، يتسحاق بريك، فى مقاله بصحيفة «معاريف» العبرية، أن سلاح البر منهَك إلى حد كبير جدًا، وأن الجيش لا يقول الحقيقة للمستوى السياسى بشأن الأزمة الصعبة فى صفوفه، ولا يتحدث عن سلاح الاحتياط، الذى لم يستجب ٤٠٪ منه لدعوة الالتحاق بالخدمة العسكرية، أو العناصر التى ليست مستعدة للتجنيد، ولا الجنود النظاميين، الذين يحصلون على تقارير طبية بسبب عدم قدرتهم النفسية والجسدية على الاستمرار فى القتال، فضلًا عن عملية التفكك التى يشهدها سلاح البر الإسرائيلى من ناحية نفاد القوة البشرية والسلاح.
وأشار «بريك» إلى أن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلى، هرتسى هاليفى، يحاول أن يقدم إلى المستوى السياسى والجمهور صورة عن الجيش القادر على كل شىء، والمؤهل للقيام بالمهمة الملقاة على عاتقه حتى تحقيق أهداف الحرب، ولا يزال يتحدث عن ضرورة مواصلة محاربة «حزب الله» حتى «هزيمته النهائية»، خلافًا للحقيقة.
وقال: «ينفذ هاليفى ما يأمره به نتنياهو من دون أن يشرح له الوضع السيئ للجيش، وأنه غير قادر على القيام بمناورة فى العمق، ولا البقاء فى الأماكن التى احتلها بسبب النقص الشديد فى قوات الاحتياط، وأنه ليس فى استطاعة هذا الجيش وقف إطلاق مئات الصواريخ والقذائف والمسيّرات يوميًا، التى تعطل الحياة وتدمر الشمال».
فى السياق ذاته، أوضح الكاتب يسرائيل زيف، فى موقع قناة N١٢ العبرية، أنه قام بزيارة عائلتين فقدتا أبناءهما فى لبنان، وفهم منهما مدى الإنهاك الذى تسببه الحرب، مؤكدًا أنه لم يستطع تصديق الإحصاءات المتعلقة بتراجع أعداد الجنود فى وحدات مختلفة، والتقرير الشهرى حول عدد الجرحى والمصابين الذى أصبح مثيرًا للقلق، إلى درجة تثير الشكوك فى الجاهزية العملياتية.
وقف إطلاق النار يسمح بتركيز القوات فى الجنوب وفرض أوضاع «اليوم التالى» فى القطاع
أثار قبول رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، اقتراح وقف إطلاق النار مع «حزب الله» اللبنانى دهشة كثيرين، خاصة أنه لم يشهد معارضته الحادة، مثلما كان يفعل مع المقترحات حول وقف إطلاق النار فى قطاع غزة.
وحسب عاموس هوكشتاين، المبعوث الأمريكى للرئيس جو بايدن، ومصادر أمريكية وإسرائيلية، فإن ٨٠٪ من المشكلات حول الاتفاق تم حلها بسهولة، فيما كانت نقاط الاختلاف المركزية تتعلق بتجديد حق إسرائيل فى العمل حال خرق الاتفاق من قبل «حزب الله»، وبالتدخل الأمريكى فى الإشراف على تنفيذه.
فى المقابل، كان رؤساء السلطات المحلية فى المستوطنات شمال إسرائيل، وربما لا يزالون، يرون ضرورة رفض فكرة التسوية السياسية، لأنهم لا يؤمنون بأنه يمكن الاعتماد على أى اتفاق مع «حزب الله»، مواصلين المطالبة بالحسم العسكرى الكامل، وهو ما يبدو غير واقعى.
الوضع فى غزة مختلف، وحسب المعلّق العسكرى إفرايم جانور، وتحليله فى مقاله بصحيفة «معاريف»، فإن «حماس» خسرت أكثر من ٨٠٪ من قدراتها، واغتال الجيش الإسرائيلى أغلبية الذين يشغلون ترسانة سلاحها، ولم تعد الحركة تتصرف كأنها جيش نظامى، أما القادة الميدانيون الذين نجوا فيحاولون خوض حرب عصابات من خلال تجنيد شباب غزة، على حد تعبيره.
ويرى «جانور» أنه ليس لدى الجيش الإسرائيلى أى مشكلة فى وقف الحرب وتحرير المحتجزين ودخول قطاع غزة ثانية، إذا رفعت «حماس» رأسها من جديد، ومع ذلك، تعارض حكومة الاحتلال أى اتفاق لوقف القتال وعودة المحتجزين، لأنه سيفرض إطلاق سراح سجناء فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، الأمر الذى يهدد بقاء حكومة نتنياهو، بسبب معارضة الوزراء المتطرفين، الذين لا يضعون عودة المحتجزين فى جدول أعمالهم.
مؤخرًا، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نقلًا عن مسئولين فلسطينيين رفيعى المستوى، قولهم إن «حماس» و«فتح» توصلتا إلى اتفاق على تشكيل لجنة غير سياسية من التكنوقراط الفلسطينيين، الذين لا ينتمون إلى أىٍّ من التنظيمين، لإدارة قطاع غزة وتوزيع المساعدات الإنسانية.
وهناك فى إسرائيل من يرى أن هذا هو الحل الأفضل حاليًا، لأنه سيسمح للجيش الإسرائيلى بالدخول إلى قلب القطاع فى أى لحظة، مع عودة المحتجزين والجنود الإسرائيليين إلى منازلهم.
ويشير هؤلاء إلى أن إسرائيل حققت ما تريده، فقد نجحت فى وقف القتال فى لبنان والسيطرة الأمنية على قطاع غزة، والأهم هو قطع العلاقة بين جبهتى الحرب الأساسيتين، لبنان وغزة، ما يسمح بالتركيز حاليًا على ما يحدث فى القطاع، مع تمكين الجيش الإسرائيلى من تقليص نشر القوات فى الشمال، والتركيز على الاستعداد الأمنى للوضع الجديد فى غزة، مع استمرار القتال، والتفكير فى ضغوط الوزراء المتطرفين على نتنياهو بشأن إقامة حكم عسكرى فى أجزاء من القطاع، مع التجهيز لإعادة المستوطنات إلى هناك بعد ٢٠ عامًا من الانفصال.