ما بعد السنوار.. هل يُنهى رحيل أخطر رجل فى «حماس» حرب غزة؟
الرجل الذى بذلت إسرائيل الكثير من الأموال والموارد والاستخبارات، واستعانت بالأمريكيين من أجله، تمت تصفيته بشكل عادى تمامًا، دون عملية نوعية، ولا وحدة خاصة من الجيش الإسرائيلى، ولا عملية اغتيال ممنهجة، بل بدا الأمر كمواجهة روتينية تقليدية بين قوات الاحتلال الإسرائيلى وعناصر من حركة «حماس»، تم خلالها القضاء على يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسى للحركة.
رغم ذلك، فإن مشهد القضاء على العقل المدبر لأحداث ٧ أكتوبر ٢٠١٣ لم يكن بسيطًا فى مضمونه، بل هو حدث يمكن أن يغير من مسار الحرب الدائرة منذ أكثر من عام فى قطاع غزة. فمن المؤكد أن القضاء على «السنوار» له تداعيات كبيرة على ملف مفاوضات وقف إطلاق النار، وصفقة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع، المتوقفة منذ عدة أسابيع، بالإضافة إلى تأثيرها على مخططات «اليوم التالى» بعد انتهاء الحرب، وغيرها من التأثيرات الأخرى التى نستعرضها فى السطور التالية.
قُتل بقذيفة على مبنى يتحصن به بعد مطاردة استمرت لأكثر من عام
حسب تقارير الإعلام الإسرائيلى، تم القضاء على يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس»، واثنين من قادة الحركة كانا برفقته، وبحوزتهم حوالى ٤٠ ألف شيكل «ما يزيد على ١٠ آلاف دولار».
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلى أن «السنوار» ورفيقيه كانوا ملثمين، ويرتدون بذلات واقية من الرصاص، وبحوزتهم بطاقات هوية، إلى جانب العثور على قنابل يدوية ومتفجرات، فى المبنى الذى كانوا يقيمون فيه.
ووفقًا لهذه التقارير، بدأت القصة عندما رصدت طائرة دون طيار تحركات لـ٣ رجال داخل أحد المبانى، فقصفت قوات الاحتلال المبنى بقذيفة دبابة، ثم ذهبت قوة إسرائيلية للتحقق، ووجدوا رجلًا بدا أنه «السنوار»، فنقلوا الجثة إلى إسرائيل للتعرف عليها.
وأكدت تقارير الجيش الإسرائيلى أنه «فى المبنى الذى قتل فيه السنوار، لم يُعثر على أى علامات بشأن وجود محتجزين».
مسألة التأكد من هوية «السنوار» لم تستغرق وقتًا طويلًا، لأن لدى إسرائيل عينات من حمضه النووى، وبصمات الأصابع، وكل ما هو مطلوب عنه، بعدما ظل لمدة ١٧ عامًا فى سجن إسرائيلى، وعولج فى المستشفيات الإسرائيلية عندما كان يعانى من ورم فى المخ.
فالرجل البالغ ٦٢ عامًا كان أسيرًا فى إسرائيل لسنوات طويلة، وتم إطلاق سراحه فى صفقة الجندى جلعاد شاليط، بعدما سجن عام ١٩٨٨ عندما كان عمره ٢٦ عامًا، مع إدانته بقتل ٤ فلسطينيين اشتبه فى تعاونهم مع إسرائيل، عام ١٩٨٩. وتعلم «السنوار» العبرية أثناء وجوده فى السجون الإسرائيلية.
كانت ساعته اليدوية من بين العلامات الأخرى التى دلت عليه. ومن المعروف أن «السنوار» كان يتجول سرًا فى قطاع غزة طوال العام الماضى دون هاتف محمول أو أجهزة اتصال لاسلكية، لمنع إسرائيل من تعقبه.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى كلمة عقب تأكيد مقتل «السنوار»: «إسرائيل لديها حساب طويل مع السنوار»، معتبرًا أنه «لدينا فرصة عظيمة لوقف محور الشر الذى تقوده إيران، وخلق مستقبل مختلف».
هذا الحساب الطويل الذى قصده «نتنياهو» ازداد فى العام الأخير، ففى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، بدأت «حماس» هجومها المفاجئ على إسرائيل، الذى أسفر عن قتل أكثر من ١٢٠٠ إسرائيلى، واحتجاز ٢٥١ آخرين فى قطاع غزة، ما أطلق شرارة الحرب الإسرائيلية الوحشية على القطاع، المستمرة حتى الآن لأكثر من عام.
بالنسبة لإسرائيل، فإن «السنوار» هو المطلوب الأول، فهو من خطط ونفذ الهجوم الذى استغرقت علمية تحضيره عامين، حسب التقديرات.
وعلى مدار العام الماضى، نجح «السنوار» فى الإفلات من مطارديه، باستخدام شبكة الأنفاق الواسعة التى بنتها «حماس» فى جميع أنحاء قطاع غزة، مع عدم استخدام الوسائل الإلكترونية لتجنب اكتشاف مخابئه.
وفى ظل هذه الظروف، نجح الرجل فى التحول من زعيم «حماس» فى غزة إلى رئيس المكتب السياسى للحركة، أى زعيم الحركة برمتها، بعد اغتيال إسماعيل هنية فى طهران، خلال يوليو الماضى.
وحسب التقديرات فى إسرائيل، لا توجد حتى الآن أى تقارير تشير إلى أن «السنوار» قتل أى محتجزين أثناء محاصرته من قبل قوات جيش الاحتلال، وهو أمر مفاجئ لتل أبيب، لأن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تفترض دائمًا أنه أحاط نفسه بمحتجزين إسرائيليين طوال مدة الحرب، وسط مزاعم بأن إسرائيل كانت تعرف فى بعض الأحيان مكان وجوده، لكنها امتنعت عن قتله لأن المحتجزين كانوا يحيطون به.
وقال كثيرون إن هذا هو السبب الذى جعله وحده يبقى على قيد الحياة لفترة طويلة، بينما قُتل جميع قادته الكبار تقريبًا.
وترددت أنباء عدة مرات خلال الحرب عن انقطاع الاتصال بـ«السنوار»، وعلى هذه الخلفية نشأت أسئلة كثيرة حول مصيره.
فى الآونة الأخيرة، زُعم أنه ربما قُتل فى إحدى غارات سلاح الجو الإسرائيلى. وفى مناقشة الشهر الماضى حضرها رئيس الأركان الإسرائيلى، هرتسى هاليفى، شوهدت صورته بجوار علامة استفهام. لكن فى الأسبوع الماضى، علمت إسرائيل أنه اتصل بقطر بعد فترة سكوت طويلة.
موته منح نتنياهو «صورة المنتصر».. وقد يعيد الحياة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار مرة أخرى
طوال الحرب الإسرائيلية التى استمرت لعام كامل، كان يحيى السنوار يدرك أن أيامه معدودة، حتى إنه- حسب وصف الصحف العبرية- كان «رجلًا ميتًا يمشى على الأرض».
وتشير التقديرات فى إسرائيل إلى أن «السنوار» قضى أيامه الأخيرة فى انتظار حرب شاملة، بعد دخول قوات الجيش الإسرائيلى إلى لبنان وإطلاق إيران هجومًا صاروخيًا باليستيًا على إسرائيل، ووسط هذا الانتظار، كان يريد ضمانًا بوقف الحرب على غزة بعد إتمام صفقة تحرير المحتجزين. وحسب مصادر أمريكية، فإنه على الرغم من أن نتنياهو أضاف شروطًا لوقف الحرب، وعقّد المفاوضات حول الصفقة، فإن «السنوار» أيضًا كان عائقًا أمام الاتفاق، خاصة أن «حماس» لم تبد، فى الأسابيع الأخيرة، أى رغبة على الإطلاق المشاركة فى محادثات قد تؤدى إلى استئناف المفاوضات، التى تم تجميدها بعد مقتل المحتجزين الإسرائيلية الستة فى أحد الأنفاق برفح.
ويرى مسئولون كبار فى إسرائيل أن القضاء على «السنوار» هو «حدث مهم للغاية»، لأنه «قد يسمح لقيادة حماس فى الخارج الدفع نحو التوصل إلى اتفاق».
ومن ناحية أخرى، يعتبرون القضاء على «السنوار» بمثابة تحقيق صورة النصر التى يريدها نتنياهو، وتمثل رمزيًا القضاء على حركة «حماس». ويعتقد كثيرون فى إسرائيل أن القضاء على «السنوار» يمكن أن يشجع على صفقة المحتجزين، وأنه من الممكن أن تتشكل فرصة نادرة توافق فيها قيادة «حماس» على الاستسلام، أو النفى، وهذا حسب تقرير فى «يديعوت أحرونوت».
فى حين يرى آخرون أن مسألة القضاء على «السنوار» قد تسبب حالة من الارتباك فى حركة حماس، وقد تدفع بعض عناصر الحركة إلى «قتل محتجزين انتقامًا لمقتل رئيسهم».
وبشكل عام، يرى كثيرون أن المسار الآن يتم تحديده لوقف الحرب فى غزة، وأن السؤال الأهم فى هذا السياق هو ما إذا كانت الحركة من دون «السنوار» ستستمر فى الحفاظ على العلاقة الوثيقة مع طهران، خاصة أن الاحتمال النظرى لاستئناف مفاوضات وقف الحرب فى غزة قد يؤثر على منظومة الاعتبارات فى إسرائيل فيما يتعلق بتوجيه ضربة انتقامية إلى إيران.
ولكن، من خلال التجربة، يمكن التقدير أنه حتى يتم العثور على بديل لـ«السنوار»، وتفتح المفاوضات مرة أخرى، وتلوح الصفقة فى الأفق مرة أخرى، فإن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا.
وعن تأثير ذلك على الحكم فى القطاع بعد انتهاء الحرب، يرى كثيرون أنه يمكن حاليًا أن تجرى مفاوضات بين السلطة الفلسطينية وقيادة الحركة فى الخارج بشأن إمكانية تشكيل حكومة مدنية فى قطاع غزة، بديلًا لإدارة «حماس».
وأكد رئيس حركة حماس فى غزة، خليل الحية، أن المحتجزين الإسرائيليين لن يعودوا إلا بوقف العدوان على غزة، والانسحاب منها وخروج الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الاسرائيلى. وقال إن «حركة حماس ماضية على عهد القادة المؤسسين والشهداء حتى تحقيق تطلّعات الشعب الفلسطينى فى التحرير الشامل، والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطنى الفلسطينى وعاصمتها القدس».