أول انتصارات ترامب!
ضغوط، من كل شكل ولون، تعرضت لها حكومة بنيامين نتنياهو، من الأمم المتحدة، ودول كبرى، إضافة للضغوط الداخلية، من المعارضة أو من أسر المحتجزين. ومع كل ذلك، يرى كثيرون، من بينهم الصحفى البريطانى تيم ستانلى، أن سبب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة هو أن الجانبين يعرفان إلى أى مدى يمكن أن يكون الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب «شريرًا وعشوائيًا»!
التوصل للاتفاق قبل أداء ترامب اليمين الدستورية بعد غدٍ، الإثنين، «ليس مجرد حظ سعيد، بل تأكيد لنظرية الرجل المجنون فى العلاقات الدولية»، وفقًا لما كتبه «ستانلى»، Tim Stanley، فى جريدة «التليجراف» البريطانية، الذى أشار فيه إلى أن تلك النظرية قد يكون لها دور فى تحريك السياسة الدولية بطريقة لم ينجح فيها الرئيس الحالى جو بايدن، كما أكد أن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، لعب دورًا «رائعًا للغاية وبذل قصارى جهده لإجبار نتنياهو على قبول الاتفاق»، ونقل عن مسئولين عرب أن «ويتكوف» حقق فى اجتماع واحد مع نتنياهو ما عجزت عنه إدارة بايدن خلال سنة.
لعلك تتذكر أن ترامب كان قد تعهَّد، خلال حملته الانتخابية، بالعمل على إحلال السلام فى منطقة الشرق الأوسط، وأبدى استعداده للعمل مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس و«الأطراف المعنية فى المنطقة والعالم» من أجل «صنع السلام». كما أكد للرئيس عبدالفتاح السيسى، فى اتصال تليفونى، اعتزازه بعلاقات الشراكة الاستراتيجية الأمريكية المصرية، وحرصه على تعزيزها وتطويرها، سواء على المستوى الثنائى، أو على صعيد حفظ السلم والأمن الإقليميين. وكنا قد أوضحنا أن الرئيس الأمريكى المنتخب لديه فرصة كبيرة لترجمة كلامه عن وقف الحروب والصراعات الدولية إلى أفعال، بعد أن استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ، ومع استمرار سيطرتهم على مجلس النواب.
المهم، هو أن «نظرية الرجل المجنون» ارتبطت بالسياسة الخارجية للرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون، الذى حاول، بمساعدة هنرى كيسنجر، مستشاره للأمن القومى ووزير خارجيته، أن يجعل زعماء دول الكتلة الشرقية يعتقدون أنه غير عقلانى ومتقلب، حتى يتجنبوا ردود أفعاله غير المتوقعة. غير أن النظرية سبقت «نيكسون» بمئات السنوات، إذ أشار نيقولا ميكيافيللى، مثلًا، فى كتابه «محادثات عن ليفى»، الصادر سنة ١٥٣١، إلى أن «التظاهر بالجنون يكون من الحكمة أحيانًا»، موضحًا أن القادة يمكنهم استغلال هذا النهج لإرباك خصومهم وتحقيق مكاسب استراتيجية ضخمة.
أيضًا، فى السنوات الأولى من الحرب الباردة، تحدث توماس شيلينج، أستاذ الاقتصاد فى جامعة هارفارد، عن المكاسب المحتملة لادعاء الجنون فى المساومات القسرية، وأوضح فى كتاب عنوانه «استراتيجية الصراع»، الصادر سنة ١٩٦٠، أن اعتقاد الآخرين بأنّهم أمام مفاوض مجنون، قد يفعل أى شىء إذا لم يحقّق ما يريد، قد يدفعهم إلى تقديم المزيد من التنازلات، لافتًا إلى أن استراتيجيات النزاعات بين الدول المتحاربة لا تختلف كثيرًا عن المساومات والمنافسات فى الأسواق الاقتصادية.
النظرية نفسها، The Madman Theory، كانت عنوانًا لكتاب تناول فيه جيم سكيوتو، سنة ٢٠٢٠، كبير مراسلى الأمن القومى فى شبكة «سى إن إن»، سياسة ترامب الخارجية، خلال ولايته الأولى. وتحت عنوان «هل نظرية الرجل المجنون فعالة فعلًا؟»، نشرت مجلة «فورين بوليسى»، منذ أيام، مقالًا كتبه دانيال دبليو دريزنر، أستاذ السياسة الدولية فى كلية «فليتشر» للقانون والدبلوماسية، أكد فيه أن هناك أسبابًا كثيرة تدعو إلى الشك فى قدرة ترامب على أداء دور الرجل المجنون بفاعلية خلال ولايته الثانية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن «ترامب» قام، مؤخرًا، بمشاركة مقطع فيديو، فى حسابه على منصته «تروث سوشيال»، يتضمن شتائم وانتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلى، ما رآه البعض دليلًا على أن العلاقة بين الرئيس الأمريكى المنتخب و«نتنياهو» لا تزال متوترة بسبب اعتراف الأخير بفوز بايدن فى انتخابات ٢٠٢٠، كما سبق أن توقعت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، للسبب ذاته، أن تشهد ولاية ترامب الثانية «تحولًا كبيرًا» فى السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط.