العائد.. كيف يتعامل ترامب مع إسرائيل؟
لطالما كان الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب لغزًا محاطًا بالغموض، فهو متقلب المزاج، ومن الصعب توقع ردات فعله، وفى نسخته لعام ٢٠٢٥، من المتوقع أن يقدم، على الأرجح، نموذجًا جديدًا من فترته الرئاسية الأولى، بلا كوابح أو ضوابط، يكاد يعمل فيه وحده ومن دون مستشارين حوله ممن يعتقدون أنهم قادرون على السيطرة عليه. ومع عودة «ترامب» إلى البيت الأبيض، بعد يومين، ستكون هناك إمكانية لإعادة ترتيب الأوراق فى الشرق الأوسط، وهذه الترتيبات ستكون إسرائيل فى مركزها بالتأكيد، ما قد يخلق تداعيات معقدة، بل ومتضاربة فى بعض جوانبها، الأمر الذى يستحق إلقاء الضوء عليه فى السطور المقبلة.
مساعدة تل أبيب فى التخلص من باقى أذرع طهران بالمنطقة وفرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران
رغم صعوبة توقع ردات فعل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلا أن هناك بعض الملفات التى يبدو ترامب خلالها واضحًا، ومن السهل معرفة ما يدور فى رأسه، وفقًا للمراقبين، ومنها موقفه من حركة «حماس» الفلسطينية و«حزب الله» اللبنانى.
ومن المرجح أن يقوم ترامب بمساعدة إسرائيل على ضرب ما تبقى من أذرع إيران فى المنطقة، مع وضع برنامج طهران النووى ضمن أهدافه، وربما على قائمتها، وكذلك مسائل مثل «اليوم التالى» لغزة والتطبيع بين إسرائيل والسعودية.
وفى موضوع إيران، يتوقع المراقبون أن يصعّد ترامب من خطاب البيت الأبيض حيال طهران، وأن يعيد فرض عقوبات اقتصادية كبيرة عليها، بالإضافة إلى إمكانية أن يأمر باستخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد شخصيات إيرانية متورطة فى عمليات فى شتى أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك ترى دراسة لمعهد الأمن القومى الإسرائيلى أن إدارة ترامب ستمتنع من العمل عسكريًا ضد القدرات النووية الإيرانية، خوفًا من تورط أمريكى فى حرب جديدة فى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن تأييد ترامب فى الأشهر الأولى عملية عسكرية إسرائيلية ضد طهران لن يكون فى صالح ولايته، لأن تداعيات هذه العملية يمكن أن تشكل تحديًا للولايات المتحدة. وفى ظل تضاؤل احتمالات شن عملية عسكرية أمريكية مباشرة ضد المشروع النووى الإيرانى، سيكون لدى ترامب، وفقًا للمراقبين، طرق أخرى فى التعامل مع إيران، أولاها فرض العقوبات الاقتصادية، التى تعد ذات فائدة محدودة فى كبح المشروع النووى، لكنها قد تؤدى لمفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق جديد.
وبناءً على ذلك، ورغم استخفاف ترامب العلنى بالنظام الإيرانى، فإنه من المحتمل، وفقًا لدراسة معهد الأمن القومى الإسرائيلى، أن يبدأ بالتفاوض مع طهران، الأمر الذى عبّر فى الماضى عن تأييد علنى له، بحجة أنه قادر على التوصل إلى اتفاق مع إيران أفضل من الاتفاق الذى توصلت إليه إدارة الرئيس باراك أوباما فى عام ٢٠١٥.
السماح بضم مناطق محتلة فى الضفة الغربية.. والضغط لتمرير صفقة التطبيع مع السعودية
على مستوى القضية الفلسطينية، فبحسب افتتاحية لصحيفة «هآرتس» العبرية، فإن هناك توقعات بأن يسمح ترامب لإسرائيل بضم المناطق المحتلة، وتدمير الحركة الوطنية الفلسطينية.
ورأت الصحيفة العبرية أن ترامب، فى ولايته السابقة، قطع شوطًا طويلًا نحو هذا الهدف، من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية، والاعتراف بضم الجولان السورى المحتل، مع دعم قانونية المستوطنات، وإن كان قد أوقف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قبل لحظة من الضم الرسمى لأجزاء من الضفة الغربية.
وأشارت «هآرتس» إلى أن نتنياهو، وائتلافه اليمينى، يأملان فى أن يدعم ترامب خطة «النصر المطلق»، أى طرد الفلسطينيين من شمال القطاع وإقامة مستوطنات هناك، مع ضم المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، بل وإقامة منطقة أمنية فى لبنان، وربما مهاجمة الولايات المتحدة للمنشآت النووية فى إيران.
ولفتت إلى أن الدور الكبير الذى سيلعبه ترامب لمساعدة إسرائيل سيكون على المستوى الدولى، إذ من المتوقع أن يوقف الرئيس الأمريكى التمويل الدولى لوكالات الأمم المتحدة المناهضة لإسرائيل، مع كبح أعمال المحاكم الدولية ضد إسرائيل وقادتها، مثلما جرى فى ولايته الأولى، حين هدد بوقف تمويل المنظمات الدولية التى تعامل إسرائيل بطريقة سيئة، حتى إنه أخرج الولايات المتحدة من منظمة «اليونسكو».
وبحسب تقديرات المحلل آرئيل بولشتاين، فى صحيفة «إسرائيل اليوم»، فإن نتنياهو وحلفاءه يأملون فى أن يقضى ترامب على فكرة «الدولة الفلسطينية»، سواء بسبب دعمه لإسرائيل أو بسبب طبيعته المناهضة للتفكير من داخل الصندوق.
وأشار «بولشتاين» إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أن ترامب مثلما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبضمها لهضبة الجولان، ومثلما قضى بأنه لا يجب تسمية الضفة الغربية أرضًا محتلة، فإنه يمكنه أن يساعد نتنياهو على تحرير إسرائيل من «الطوق الخانق المتمثل بالدولة الفلسطينية».
ولفت المحلل الإسرائيلى إلى أن ترامب يريد تحقيق إنجازات تاريخية يمكن أن تغير الشرق الأوسط، مثل توسيع اتفاقات إبراهيم، والتطبيع مع السعودية، وتقوية التحالف الداعم لأمريكا، إلى جانب عزل إيران، ما سيمنح إسرائيل أفضلية كبيرة جدًا، ولكن بثمن محتمل، هو عملية سياسية حيال الفلسطينيين.
وأوضح، فى هذا السياق، أهمية تذكر أن «صفقة القرن»، الخاصة برؤية إدارة ترامب السابقة لحل القضية، قد تضمنت رؤية «حل الدولتين»، ما يعنى أن هامش الحركة لدى نتنياهو مع ترامب سيكون محدودًا، مقارنة بما كان عليه الحال خلال ولاية الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، كما يبدو أن المساعدات العسكرية لإسرائيل ستواجه تحديات مع إدارة ترامب، لأن الرئيس الجديد رجل أعمال مخضرم، وسيطالب بدفع ثمن هذه المساعدات بالكامل.
وفى الإطار نفسه، أشارت دراسة معهد الأمن القومى الإسرائيلى، بهذا الخصوص، إلى أن ثمة شكًا فى أن يفرض ترامب قيودًا على المساعدات العسكرية لإسرائيل من أجل لجمها.
وقالت: «إذا أخذنا فى الاعتبار دعم ترامب (اتفاقات إبراهيم) و(صفقة القرن) مع الفلسطينيين فى عام ٢٠٢٠، فثمة احتمال بأن تدعم إدارته صيغة ما لـ(حل الدولتين) ربما تلك التى تشمل ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية».
وأضافت الدراسة الإسرائيلية: «إذا وافقت السعودية على ذلك، فمن المحتمل بلورة تأييد سعودى عربى واسع النطاق من أجل إعادة إعمار قطاع غزة، والإصلاحات فى السلطة الفلسطينية، وتوقيع اتفاق دفاعى بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية».
تضحية محتملة بـ«نتنياهو» لاستكمال «اتفاقات إبراهيم»
حول العلاقة الأمريكية الخاصة بالسياسة الإسرائيلية الداخلية، رأى مراقبون أن معارضة إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن للتعديلات القضائية فى إسرائيل، التى حاول نتنياهو إقرارها، كانت من العوامل التى كبحت مساعى الحكومة الإسرائيلية لإعادة صياغة الدستور، منوهين إلى أنه، وفى المقابل، من المتوقع أن يكون ترامب أكثر تأييدًا من بايدن للخطوات التى تريد الحكومة الإسرائيلية القيام بها فى هذا الإطار.
أما بالنسبة للعلاقة بين ترامب ونتنياهو، فأوضح المراقبون أن رئيس الحكومة الإسرائيلية مقتنع بأنه قادر على «تجنيد ترامب لتحقيق أهدافه»، مثلما جرى سابقًا، مع التذكير بأن مايك بومبيو ونيكى هيلى، وهما شخصيتان بارزتان فى إدارة ترامب السابقة، وتربطهما بنتنياهو علاقة صداقة، لن يكونا جزءًا من إدارة ترامب الجديدة.
وأشار المراقبون إلى أن الإدارة الجديدة لترامب ستشهد وجود كثير من الشخصيات التى تؤمن بالحاجة إلى تقليص التدخل العسكرى الأمريكى، خاصة بعد أن حصلت إسرائيل من الولايات المتحدة على ١٨ مليار دولار كمساعدات أمنية فى السنة الأخيرة.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإنه من الضرورى إدراك أن ترامب لا يريد استثمار الأموال الأمريكية، سواء فى أوكرانيا أو فى إسرائيل، ولا يرغب فى استمرار دعم الجنون بالشرق الأوسط.
ولفتت الصحيفة إلى أنه، ومن جهة أخرى، فإن عددًا من مستشارى ترامب، وأيضًا الحكومة الإسرائيلية نفسها، لا يعتبرون أن حل النزاع الإسرائيلى- الفلسطينى هو مفتاح الاستقرار الإقليمى، ما يعنى أن ترامب سيمتنع من الربط بين التقدم نحو «حل الدولتين» وبين توسيع «اتفاقات إبراهيم».
وأشارت إلى أن ترامب يريد اتفاقًا مع السعودية، لأن هذا سيثريه هو وعائلته بشكل شخصى، كما حدث فى اتفاقات «إبراهيم».
ولفتت إلى أنه، وفى المقابل، فإن السعودية تصر على أن تتضمن عملية التطبيع مع إسرائيل التزامًا إسرائيليًا بشأن تقديم أفق سياسى للفلسطينيين، ما يعنى أن رفض إسرائيل لذلك يمكن أن يعرقل المساعى للدفع نحو اتفاق إقليمى جديد، بسبب نتنياهو وشركائه فى الحكومة اليمينية، الذين يعارضون إقامة الدولة الفلسطينية، ما يدفع نحو سؤال مهم، من وجهة نظر الصحيفة العبرية هو: «هل سيضحى ترامب برأس نتنياهو (السياسى) لتمرير أجندته؟».
وذكّرت «هآرتس» بأن ترامب متحرر الآن من الاعتبارات الانتخابية، لأنها لا أهمية لها، خاصة أنه لا يمكن انتخابه لولاية ثالثة، لذا من المحتمل أن يقدم على التخلص من نتنياهو، عبر إحدى طريقين، أولهما إرسال رسالة إلى الأحزاب فى إسرائيل، وفى المقام الأول الأحزاب الدينية المتشددة «الحريديم»، حول أن نتنياهو «أنهى حياته السياسية»، والثانية هى استخدام الضغط المالى على نتنياهو وحزبه «الليكود»، ومراكز نفوذ أخرى، لاستبداله، حتى لا يكون عائقًا أمام تنفيذ مشروع الإدارة الأمريكية فى الشرق الأوسط.