الفرصة الأخيرة.. هل ينجح المقترح الأمريكى «المُحدّث» فى وقف إطلاق النار بغزة؟
تُجرى الولايات المتحدة اتصالات مكثفة بكل الأطراف بشأن مقترح الوساطة، الذى ستطرحه إدارة جو بايدن قريبًا، الذى يبدو كفرصة أخيرة لوقف الحرب فى غزة، وسط استياء الوسطاء فى مصر وقطر من تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو.
ويواجه المقترح الأمريكى المحدّث، المقرر طرحه خلال الأيام القليلة المقبلة، بعض العقبات حول قضايا الخلاف الرئيسية، وأهمها رغبة دولة الاحتلال فى السيطرة على ممر فيلادلفيا «محور صلاح الدين» الحدودى بين قطاع غزة ومصر، والتحكم فى معبر رفح، وسط تساؤلات حول الكيفية التى سيتعامل بها نتنياهو مع المقترح، بعد أن تعمد وضع العراقيل أمام كل المفاوضات السابقة وإجهاض أى فرص لوقف إطلاق النار، وهو ما نعرضه فى السطور التالية.
30 محتجزًا مقابل 800 أسير فى المرحلة الأولى وخلافات حول محور فيلادلفيا ومعبر رفح
يعكس الانطباع السائد أن المقترح الأمريكى الجديد لوقف إطلاق النار فى غزة سيقدم على شكل رزمة يمكن قبولها كاملة أو رفضها كاملة، إلا أن المقصود عمليًا هو أنه سيتم تقديم نسخة محدّثة ومتفق عليها من إسرائيل والدول الوسيطة للمقترح الذى سبق أن تقدم به الرئيس الأمريكى جو بايدن بتاريخ ٣١ مايو الماضى، والذى وافق عليه مجلس الأمن الدولى. وحسب تصريحات مسئول فى البيت الأبيض، فإن المرحلة الأولى من مقترح الوساطة الأمريكى تتضمن إطلاق سراح ٣٠ محتجزًا إسرائيليًا فى قطاع غزة، على أن تقوم إسرائيل، فى المقابل، بإطلاق سراح نحو ٨٠٠ أسير أمنى فلسطينى.
وتتعلق بنود المقترح بعدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيُطلق سراحهم، وحق النقض الإسرائيلى «الفيتو» على إطلاق سراح أسرى تعتبرهم «خطيرين جدًا»، بالإضافة إلى مسألة المكان الذى سيُطلق سراح هؤلاء إليه، بمعنى «هل سيعودون إلى مكان سكنهم الأصلى أم سيتم إبعادهم، وإلى أين؟».
كما تتعلق البنود، وفقًا للمسئول الأمريكى، بعدد المحتجزين الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم أحياء، وشروط إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين من المفترض أن تطلق إسرائيل سراحهم فى المقابل.
ويتضمن المقترح كذلك بنودًا تتعلق بموعد بدء وقف إطلاق النار، الذى من المتوقع أن يسود بين المرحلتين الأولى والثانية فى الصفقة، ويعتبر هذا الموضوع تقنيًا، فى وجهة النظر الأمريكية، وذلك بسبب وجود قرار بشأنه صادر، أصلًا، عن مجلس الأمن.
ولذا، يبدو أن موضوع فرض وقف إطلاق النار بين المرحلتين الأولى والثانية قابل للحل بسهولة نسبية، على الرغم من أنه يُعتبر الأهم من وجهة نظر حركة «حماس» الفلسطينية، التى ترغب فى ضمان وقف إسرائيل الحرب منذ بداية المرحلة الثانية، مع الانسحاب من جميع أراضى القطاع. وحسب التقارير، فإن المقترح يواجه عدة مشكلات، أهمها ما يتعلق بمحور فيلادلفيا «ممر صلاح الدين»، الذى أصبح نقطة مركزية فى المفاوضات.
وحسب مقال المحلل العسكرى روى بن يشاى، فى موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن أزمة محور «فيلادلفيا» تتعلق أولًا بالمساحة الفاصلة بين البحر ومعبر رفح، والتى تدّعى واشنطن أن إسرائيل التزمت بالانسحاب منها، بموجب مقترحها والمقترح الأصلى الصادر عن الرئيس بايدن، لأن هذه المنطقة ذات كثافة سكانية فلسطينية، ولأن إسرائيل التزمت بأن «يخلى الجيش الإسرائيلى المناطق المكتظة بالسكان فى القطاع». وأضاف «بن يشاى» أن الأمريكيين يقترحون تركيب منظومة تقنية، تراقبها كل من مصر والولايات المتحدة، وتحول دون عمليات التهريب فوق الأرض وتحتها، لكن إنشاء مثل هذه المنظومة سيتطلب وقتًا، وحسب الادعاء الإسرائيلى، فهى لن توفّر حلًا لموضوع التهريب، إذا خرج الجيش الإسرائيلى من المحور أثناء المرحلة الأولى من صفقة التبادل.
أما نقطة الخلاف الثانية، حسب «بن يشاى»، فهى مسألة إعادة فتح معبر رفح، التى تُعتبر مصيرية بالنسبة إلى مرور البضائع ووسائل الإنتاج والبشر، مع إشارة المقال إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق مع الوسطاء الأمريكيين، وتم إيجاد حل لها.
ونوه بأن التحقيقات أثبتت أن أغلبية البضائع «ثنائية الاستخدام»، وهى التى استخدمتها «حماس» فى السابق من أجل إنتاج السلاح، مرّت عبر معبر رفح، على الأقل خلال السنوات الماضية، وليس عبر الأنفاق الواقعة تحت الأرض.
أما النقطة الثالثة، التى يوجد اتفاق بشأنها بين إسرائيل والأمريكيين والوسطاء الآخرين، حسب مقال «بن يشاى»، فتتعلق بالمنطقة الواقعة بين معبر رفح وكرم أبوسالم، إذ يشير الأمريكيون إلى أن هذه المنطقة «غير مكتظة بالسكان»، وبالتالى لا يتعين على إسرائيل الانسحاب منها فى المرحلة الأولى، ويمكنها الاحتفاظ بعدد من المواقع هناك.
وخلص الكاتب الإسرائيلى فى مقاله إلى أن الخلاف الوحيد المتبقى بين إسرائيل والولايات المتحدة هو طلب نتنياهو الإبقاء على وجود الجيش الإسرائيلى فى بعض نقاط المراقبة بين شاطئ البحر ومعبر رفح، والذى تم فعلًا التوصل إلى حل له.
وأوضح أن هذا كله يتعلق بالمرحلة الأولى من الاتفاق المقترح، أمّا فيما يتعلق بالمرحلة الثانية فإن إسرائيل مستعدة لإخلاء محور فيلادلفيا بالكامل إذا تمكنت الولايات المتحدة ومصر من توفير «قوة بديلة» تسيطر على المنطقة، بينما ترى واشنطن أنه من غير الضرورى وجود قوة عسكرية بديلة، مع الاكتفاء بالوسائل التقنية التى ستديرها كل من الولايات المتحدة ومصر معًا، لمنع التهريب عبر الأنفاق تحت المحور.
وبناءً على ذلك، أبلغت إسرائيل الأمريكيين بأنها لن تصرّ على الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا فى المرحلة الثانية، إذا وصلت إلى تنفيذ هذه المرحلة، وفق المحلل العسكرى الإسرائيلى.
مخاوف من مماطلة نتنياهو حتى الانتخابات الأمريكية
اهتمت الصحف الإسرائيلية بالحديث عن موقف رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من المقترح الأمريكى المزمع تقديمه قريبًا، وسط تجدد الحديث عن كيفية إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وقال المحلل حاييم رامون، فى مقاله بصحيفة «معاريف»، إن الصفقة المقترحة حاليًا هى بمثابة «كارثة»، لكن ليس لدى السياسيين الجرأة على أن يقولوا للجمهور إن السبيل الوحيد لإعادة المحتجزين فى القطاع هو إبرام صفقة من «مرحلة واحدة»، تُنهى فيها إسرائيل الحرب بصورة رسمية، وتعيد «حماس» كل المحتجزين دفعة واحدة، خاصة أن الأغلبية فى مجلس الحرب الإسرائيلى المصغر تدفع فى اتجاه صفقة من «مرحلة واحدة»، لكن نتنياهو هو وحده من يريد عقد صفقة على مراحل.
ورأى «رامون» أن هناك فرصة لدى نتنياهو، وهى أن يعلن قبول الصفقة التى تنهى فيها إسرائيل الحرب بصورة رسمية، وتحرّر «حماس» كل المحتجزين دفعة واحدة خلال وقت قصير، وإذا لم توافق الحركة عليها فإن هذا الأمر سيعيد الوحدة الداخلية لإسرائيل، وسيُظهر لعائلات المحتجزين، وحتى لمعارضى نتنياهو، أن «حماس» هى المتهمة بإفشال الصفقة.
وأضاف أن مثل هذا الاقتراح من نتنياهو سيحسّن من شرعية إسرائيل على الساحة الدولية، وكذلك، فإن رفض «حماس» له سيمنح تل أبيب اعتمادًا مفتوحًا لمواصلة الحرب فى غزة.
فيما أوضح ألوف بن، فى مقاله بجريدة «هآرتس»، أن نتنياهو يركز الآن على الانتخابات الأمريكية، بعد أن سهّل عليه مقتل المحتجزين الستة فى القطاع أن يقف أمام ضغوط إدارة بايدن من أجل التوصل إلى صفقة، خاصة أنه يدعم المرشح الجمهورى دونالد ترامب كليًا، لذا، فهو لن يمنح المرشحة المنافسة ونائبة الرئيس كامالا هاريس إنجازًا يتمثل فى وقف إطلاق النار فى قطاع غزة.
من جانبه، رأى الكاتب يوآف هيلر، فى مقاله بصحيفة «إسرائيل اليوم»، أن قضية محور فيلادلفيا توضح المعضلة، فإمّا الإصرار على المحور أو زيادة فرص تحرير المحتجزين، موضحًا أنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تكون شفافة، وأن تتوقف عن القول إنه يمكن السير فى الأمرين معًا.
ونصح «هيلر» الحكومة الإسرائيلية بقبول الصفقة الأمريكية المقترحة، قائلًا: «ما دام هناك محتجزون فلا يمكننا الانتصار على (حماس) انتصارًا مطلقًا، لأننا نحن نخوض قتالًا ويدنا مكبلة وراء ظهرنا».
وأشار إلى أنه قد يكون على إسرائيل القتال أعوامًا طويلة فى غزة، مضيفًا: «سنكون أيضًا مُجبرين على العودة إليها، إلى أن يتم القضاء على (حماس)، وسنضطر إلى وضع خريطة طريق واضحة، وحتى لو توصلنا إلى صفقة فيجب ألّا نعتبر ذلك الوضع النهائى فى غزة».
أما الكاتبة آنا برسكى فقالت، فى مقالها بصحيفة «معاريف»، إن نتنياهو يلعب لعبة جديدة ضد «حماس»، والحديث يدور عن تبنى خطة «البديل المدنى» للسلطة فى غزة، التى سبق أن نشرها وروّج لها وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، بتأييد من جهاز الأمن، قبل نحو ٦ أشهر. وأوضحت أن الخطة تقوم على نقل السيطرة فى المجال العام إلى عشائر محلية بدلًا من «حماس»، لافتة إلى أن الفكرة فشلت فى حينه لأن نتنياهو لم يكن مستعدًا لتبنيها، كما أن «حماس» أوضحت لكل الجهات المحلية أن كل من يتعاون مع إسرائيل ضدها سيكون هدفًا للحركة.
وأضافت: «اليوم، تغير الوضع فى غزة، صحيح أن (حماس) لم تختف، لكن قوتها ضعفت جدًا بما يكفى لأن يشعر كبار رجالات العشائر بثقة كافية لأجل استئناف المشروع»، مدعية أن نتنياهو يرغب حاليًا فى تبنى الخطة الأصلية لجهاز الأمن ووزير الدفاع، كما أن رجال العشائر ينتظرون أن يروا كيف تنتهى المفاوضات.
ونوهت بأن مسئولين كبارًا فى الحكومة الإسرائيلية يرون أنه فى حالة نضوج الصفقة، وفق المقترح الأمريكى، فإن نتنياهو سيطرحها للتصويت، لا فى مجلس الحرب المصغر بل فى الحكومة، ومن المتوقع أن تحظى الصفقة بالأغلبية، رغم معارضة المتدينين والمتطرفين.