رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على حافة الحرب الإقليمية.. كيف تفكر إسرائيل فى «حرب الشمال» مع حزب الله؟

حرب إسرائيل وحزب
حرب إسرائيل وحزب الله

شهد الأسبوع الماضى تغييرات كبيرة فى قواعد الاشتباك بين إسرائيل و«حزب الله» وإيران، فبعد عام من سياسة الاحتواء، التى اتبعها جميع الأطراف، عبر الاكتفاء بالضربات المُركزة والمحدودة، والامتناع عن فتح مواجهة شاملة، فإن الوضع تغير الآن، مع التحول إلى الهجمات المباشرة والضربات المركزة، خاصة من الجانب الإسرائيلى. 

ومع تحول الوضع فى الشرق الأوسط إلى حافة الحرب الشاملة، يستعد جميع الأطراف فى المنطقة إلى سيناريوهات مختلفة، وسط صعوبة التنبؤ بمستقبل الصراع، الأمر الذى يستحق التركيز على معالجة سؤال رئيسى هو كيف تفكر إسرائيل فى حرب الشمال؟ وما الذى يمكن أن تسفر عنه تداعيات هذه الحرب؟ وهو ما تحاول «الدستور» الإجابة عنه فى السطور التالية.

تغيير قواعد اللعب بالتحول من سياسة الاحتواء إلى الهجوم المكثف

اتبعت إسرائيل مع الجبهة اللبنانية فى الشمال سياسة الاحتواء منذ السابع من أكتوبر الماضى، قبل أن يتغير كل شىء بعد التحركات الإسرائيلية الأخيرة، التى بدأت بعملية تفجير أجهزة الـ«بيجر»، ثم اغتيال حسن نصرالله، زعيم «حزب الله» اللبنانى، ثم تنفيذ عملية برية فى جنوب لبنان، ومن ثم الهجوم الإيرانى على إسرائيل بـ١٨٠ صاروخًا، مع تعهد إسرائيل برد قوى على الهجوم. 

كل ما سبق يشير بوضوح إلى أن إسرائيل تضع الآن نصب أعينها حزب الله ولبنان كجبهة جديدة، وبدلًا من اتباع سياسة الاحتواء والامتناع عن الانجرار إلى حرب إقليمية شاملة، فإن إسرائيل قررت أن تضرب بقوة، حتى لو اندلعت هذه الحرب الشاملة، وحتى لو رفضت الولايات المتحدة؛ لأنه- وكما يبدو- لم يعد أحد قادرًا على لجم جموح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.

جاءت الانعطافة فى الاستراتيجية الإسرائيلية بعد عام من الحرب على غزة، والذى أطلق خلاله «حزب الله» نحو ٨٠٠٠ صاروخ من الشمال، فى محاولة لردع الدولة العبرية عن القضاء على حركة حماس الفلسطينية فى غزة. 

وأدى هذا إلى نزوح أكثر من ٧٠ ألف إسرائيلى، معظمهم من البلدات الحدودية بالقرب من الجنوب اللبنانى، مع تزايد الضغوط الداخلية من قبل النازحين على القيام بعملية إسرائيلية لإبعاد «حزب الله» عن نهر الليطانى، ما يمكنهم من العودة إلى منازلهم.

وأوضحت استطلاعات الرأى أن ثلثى الإسرائيليين يؤيدون بدء عملية عسكرية ضد «حزب الله».

فى الوقت نفسه، حاولت الولايات المتحدة إقناع «حزب الله» بوقف هجماته على إسرائيل من خلال القنوات الدبلوماسية، وقام المبعوث الأمريكى عاموس هوكشتاين بزيارات عديدة إلى لبنان فى محاولة للضغط على «حزب الله»، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل.

وقبل ٣ أسابيع، بدأت إسرائيل فى تبنى سياسة مبادرة وهجومية، واخترقت قواعد اللعبة التقليدية لحرب الاستنزاف مع «حزب الله» وإيران، وكما يبدو أن الهدف الأساسى هو ترميم قوة الردع الخاصة بها أمام «حزب الله» والمنطقة برمتها، وهذه الخطوة تشكل نقطة تحول مهمة فى الاستراتيجية الإسرائيلية، وتطرح أسئلة ضرورية بشأن استمرار القتال وإسقاطاته الإقليمية.

وبدأت العملية البرية للجيش الإسرائيلى فى جنوب لبنان، ليلة الإثنين الماضى، بدخول سرى، تحت غطاء هجمات مكثفة استمرت طوال الليل من سلاح الجو والمدفعية من قوات الفرقة ٩٨، ومن ثلاثة ألوية من الفرق القتالية التى قاتلت معًا فى قطاع غزة، حيث دخلت لبنان وسيطرت على أراض، فيما وصف الجيش الإسرائيلى العملية بأنها «عملية برية مركزة» فى جنوب لبنان.

فى هذه الأثناء، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو خطط لعملية برية أكثر شمولًا، لكن الإدارة الأمريكية «تمكنت من إقناعه بأن يتم تصميم العملية الإسرائيلية كعملية برية محدودة».

إخلاء الجنوب اللبنانى من البنية العسكرية قبل استهداف إيران

العملية الإسرائيلية فى لبنان- وكما يبدو- لم تتأثر بالهجوم الإيرانى أو حتى بالرد عليه، فإسرائيل تعمل الآن على جبهات مختلفة، وكل جبهة لديها حساباتها وميزان الرد بها، وإن كان هناك خيط يربطها جميعًا معًا.

أهداف إسرائيل من العملية فى لبنان تتعلق بشكل رئيسى بضرب «حزب الله» والقضاء على بنيته التحتية، مستغلة فترة التخبط التى يعانى منها التنظيم عقب اغتيال زعيمه حسن نصرالله، وعلى اعتبار أن الوقت الحالى يمثل الفرصة المناسبة التى لن تتكرر بسهولة مرة أخرى.

كما أن فكرة عودة النازحين الإسرائيليين إلى البلدات الشمالية تمثل أزمة كبيرة داخل إسرائيل، تضغط بشكل واضح على نتنياهو، وفى حين أن عودتهم مستحيلة مع نشاط «قوة الرضوان»، التابعة لـ«حزب الله» على الحدود اللبنانية، فإن العملية تستهدف إبعاد هذه القوة إلى عمق لبنان، أى إلى الجانب البعيد من نهر الليطانى، ما يسمح بعودة الإسرائيليين وتقليل الضغط الداخلى الموجه لنتنياهو.

الأهداف السابقة ليست سرية، بل أعلنت عنها القيادات الإسرائيلية، لكن هناك مجموعة أهداف أخرى يمكن رصدها تكشف عنها الاستراتيجية الإسرائيلية فى الشمال.

وبينما لدى إسرائيل مصلحة استراتيجية طويلة المدى وضرورية فى إبادة «حماس» كليًا، على الصعيدين العسكرى والحكومى، إلا أن هدفها مع «حزب الله» مختلف، فهو فقط يتعلق بإبعاد «حزب الله» عن الحدود، وتفكيك قدراته الهجومية بالصواريخ والقذائف، فضلًا عن أن تفكيك ترسانة صواريخه هى أيضًا مصلحة عليا، من أجل إيقاف قدرة إيران على ردع إسرائيل حال ضرب مشروعها النووى، ويمكن اعتبار هذا هو الهدف الرئيسى من العملية فى لبنان.

ومع حقيقة أن إيران استثمرت الكثير فى «حزب الله» لتهديد إسرائيل إذا هاجمت منشآتها النووية، خاصة عندما تحصل على القنبلة الأولى، فسيكون من الصعب جدًا أن تتعامل إسرائيل مع هذا التهديد، لذا فإن تل أبيب تريد معالجة الوضع قبل أن يضع نظام الملالى يده على القنبلة.

فى هذا السياق، قال رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلى الجنرال هيرتسى هليفى: «نحن فى حاجة إلى مواصلة مهاجمة حزب الله، فقد كنا ننتظر هذه الفرصة منذ سنوات».

وأضاف: «نحن نعمل باستمرار على تحقيق الإنجازات، وتصفية المزيد من كبار القادة والمسئولين فى هذا الحزب، وإحباط نقل الأسلحة، وتقويض القوة النارية فى جميع أنحاء لبنان».

استغلال القدرة القتالية والرهان على القوة لفرض أساس جديد للتفاوض فى غزة ولبنان

فى الجيش الإسرائيلى، يعتقدون أنه يجب مواصلة العمليات فى لبنان، ويؤيدون مناورة برّية يرون أنها «ستعيد سكان المستوطنات فى الشمال إلى منازلهم».

وفى رأى جيش الاحتلال، فإنه إذا توقف القتال فى هذه المرحلة، فإنه فى إمكان إيران ترميم قدرات «حزب الله»، التى تضررت بصورة كبيرة فى الأسابيع الأخيرة.

فيما ترى المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن هناك «نافذة» و«فرصة محدودة من الزمن» للقيام بتوغل برى، ويمكن أن تضيع إذا نجح «حزب الله» فى التعافى وترميم قواه من الضربات التى تلقاها.

كما يشير الجيش الإسرائيلى إلى أن القوات البرّية راكمت خبرة قتالية كبيرة خلال ١١ شهرًا من القتال فى قطاع غزة، ولديها ثقة بقدراتها، ويمكنها إثبات ذلك فى لبنان. بينما توضح المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن المعلومات الاستخبارية التى جُمعت عن لبنان فى السنوات الأخيرة من نوعية عالية جدًا، مقارنةً بالمعلومات التى جمعتها عن «حماس» فى القطاع، ما يسمح بتدمير البنى العسكرية لـ«حزب الله».

ومن ناحيتهم، يرى المراقبون فى تل أبيب أنه يمكن للعملية فى لبنان أن تؤثر على استمرار القتال فى القطاع، لأن اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» يمكن أن يضغط على زعيم «حماس» يحيى السنوار للعودة إلى المفاوضات وإتمام صفقة تحرير المحتجزين.

وهناك فرضية أخرى، ترى أن «العملية البرية» فى لبنان ستكون جزءًا لا يتجزأ من خطة سياسية تضعها الحكومة الإسرائيلية لإنهاء الحرب، وتشكل أساسًا لمفاوضات وقف إطلاق نار طويل الأمد مع «حزب الله»، ويمكن ربطه بالاتفاق مع «حماس».

فى المقابل، ينطوى شن «عملية برية» إسرائيلية فى لبنان على عدة رهانات وتحديات، منها احتمالية اندلاع مواجهة شاملة، خاصة بعد الهجوم الإيرانى بحوالى ١٨٠ صاروخًا على إسرائيل، والتوقعات برد إسرائيلى عنيف، مع عدم استبعاد أن تقوم إسرائيل بضرب المنشآت النووية أو المنشآت النفطية الإيرانية. من الناحية الدبلوماسية، فإن «العملية البرية» الإسرائيلية فى جنوب لبنان ستضع الدولة العبرية فى مرمى انتقادات العالم مجددًا، فى ظل تدمير قرى شيعية، ومنع عودة السكان إلى قراهم، وضم المنطقة اللبنانية حتى نهر الليطانى، كما أن المدنيين سيصبحون معرضين لإطلاق النار فى حال أى غزو، بالإضافة إلى أنه، حتى الآن، تم إجلاء مليون مدنى لبنانى من مناطق مختلفة فى البلاد، بما فيها الجنوب وسهل البقاع وأجزاء من بيروت، بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية. وفى الوقت عينه، فإن إعادة تطبيق القرار الأممى رقم ١٧٠١، الذى دعا إلى إبعاد «حزب الله» عن الحدود فى نهاية حرب لبنان الثانية، لا يثير حماسة كبيرة لدى الوسطاء، بعد الفشل فى تطبيقه لسنوات كثيرة، وميل إسرائيل لاستخدام القوة لفرض أهدافها قبل السماح بعودة المفاوضات الدبلوماسية.