رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس تحرير صحيفة «كاثيميرينى» اليونانية: مصر بوابة الشرق الأوسط وإفريقيا.. والعلاقات بين البلدين عميقة وقوية

رئيس تحرير صحيفة
رئيس تحرير صحيفة كاثيميرينى

فى منطقة «بيريوس» جنوب العاصمة اليونانية أثينا، وبالقرب من الموانئ الجميلة على بحر «إيجة»، وتحديدًا داخل مبنى ضخم وراقٍ، توجد جريدة «كاثيميرينى»، التى تعتبر من أهم الصحف اليونانية الصادرة باللغتين اليونانية والإنجليزية، ولديها انتشار واسع ومصداقية عالية بين اليونانيين، فلا يخلو متجر أو «كُشك» فى اليونان وقبرص من «كاثيميرينى». 

«الدستور» زارت الصحيفة اليونانية المرموقة، لنتعرف عن قرب على أسرار صناعة الصحافة فى اليونان، وخريطة الصحافة اليونانية، وأسلوب التغطيات الصحفية والأولويات بها، إلى جانب تفاعلها مع «السوشيال ميديا»، وأزمات الصحف المطبوعة، وغيرها من الموضوعات الأخرى التى ناقشناها مع رئيس تحرير «كاثيميرينى» فى نسختها الإنجليزية، أثناسيوس إليس.

 

■ كرئيس تحرير واحدة من أكبر الصحف اليونانية، كيف يمكن وصف تجربة «كاثيميرينى» الصحفية؟

- لا أقول هذا الكلام لأنى رئيس تحرير الجريدة، ولكن الجميع فى اليونان يتفق على أن «كاثيميرينى» تمثل «the paper of record» فى اليونان، أى الصحيفة المرجعية. أما أيديولوجيًا، فصحيفة «كاثيميرينى» تتبنى توجهات يمينية، لكننا فى الوقت نفسه ننشر مقالات لكل الأحزاب فى اليونان حتى لو اختلفنا معهم، فنحن نحترم كل الآراء. وكصحيفة سياسية أكاد أجزم أننا إذا نشرنا قصة كبيرة ستكون قضية اليونانيين لهذا اليوم، وستُنقل فى الراديو والتليفزيون.

نسعى جاهدين إلى تحقيق أقصى قدر من الاستقلالية، مع إدراكنا لتنوع آراء جمهورنا الواسع. ننشر تحليلات متعددة الأوجه، ونستهدف شريحة واسعة من القراء، بما فى ذلك الجاليات اليونانية فى الخارج، فى القاهرة والإسكندرية وإسطنبول وإزمير، والتى تؤثر فى الحياة الثقافية اليونانية عند عودتها إلى أرض الوطن.

■ ما الخريطة الصحفية فى اليونان من حيث الانتماءات الأيديولوجية؟

- تتمتع الصحافة اليونانية باستقلالية وتنوع آراء وتوجهات، فإلى جانب الصحف الكبرى، توجد صحف أصغر حجمًا تمثل طيفًا واسعًا من الأيديولوجيات، من اليسار والشيوعية وحتى اليمين.

التعددية الحزبية والسياسية فى اليونان تسهم فى الحفاظ على مناخ من النقد والتقييم المستقل. ونحن، رغم عدم انتمائنا إلى أى حزب سياسى، نحتفظ بحقنا فى التعبير عن رأينا بحرية.

■ هل للصحيفة أولويات معينة فى التغطية؟

- نحن نغطى أخبار أوروبا ربما أكثر من أى صحيفة يونانية أخرى، ونهتم كذلك بالصين والهند وفرنسا، والقوى العظمى التى تؤثر على اقتصادنا وحياتنا، لكن لا يمكننى أن أقول إننى مهتم بذات الدرجة بكل أخبار العالم.

على سبيل المثال، نحن نركز على أخبار الحرب فى أوكرانيا، وكذلك الحرب فى غزة، أى ما يحدث فى منطقتنا والمنطقة المحيطة بنا، التى تؤثر علينا بشكل أكثر أهمية، والأماكن ذات الأهمية لنا هى الشرق الأوسط وتركيا وليبيا ودول البلقان.

فى الطبعة اليونانية نهتم باليونان والمنطقة والعالم، لأن القارئ الذى يقرأ باليونانية يريد منا أن نقدم له كل شىء، لكن فى الطبعة الإنجليزية نهتم باليونان بدرجة أكبر، إلى جانب المنطقة المحيطة، لأن جمهورها، الذين أغلبهم فى المهجر، يريدون أن يعرفوا أخبار اليونان، ويريدون أن يفهموا تأثير أخبار المنطقة علينا. أما أخبار العالم فبإمكانه متابعتها من الصحف العالمية.

■ كيف تغطى الصحيفة الحروب والأوضاع فى الشرق الوسط؟

- من الصعب أن تكون محايدًا للغاية عند تغطية الأحداث فى الشرق الأوسط، كنا نتفهم فى تغطيتنا هجوم ٧ أكتوبر على إسرائيل، ثم ما تسببت فيه الحرب من قتل أكثر من ٤٠ ألف فلسطينى فى غزة.

كان هناك المزيد من الانتقادات لإسرائيل فى جريدتنا. لكن فى الوقت نفسه، نحن نؤمن بحق إسرائيل فى الوجود والأمن. رئيس وزرائنا قريب للغاية من إسرائيل، والأحزاب اليسارية فى اليونان لديها أيضًا علاقات قوية مع إسرائيل.

نحن لسنا مثل تركيا التى تتخذ جانبًا محددًا من الحرب، فنحن ننتقد إسرائيل فى جانب، لكننا قريبون منها من جانب آخر، ونحاول الموازنة بين الجانبين. نحن نريد أن نكون واضحين وصريحين وأمناء حيال تغطية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

وطالما احترمت اليونان تداخل الثقافات. نحن نحترم العالم العربى والإسلامى، ولدى اليونان اهتمام بالغ بمحورين، المحور الأول يعتمد على القرب الجغرافى ويشمل مصر وقبرص، ومن ناحية أخرى هناك محور قبرص وإسرائيل، واليونان تحاول الموازنة بين المحورين بما يدفع الاستقرار فى المنطقة.

■ كيف ترى التحديات التى تواجه الصحف المطبوعة؟

- الواقع أن الصحف المطبوعة تصبح أكثر فأكثر من «الجيل القديم». نحن نحاول أن نتكيف، فلا يزال عدد يوم الأحد يتضمن العديد من الأقسام والتغطيات، الحوارات الطويلة والمقالات التحليلية، أكثر من الطبعة اليومية، وأعتقد أننا فى القريب لن نصبح جريدة يومية. فى اليونان لدينا الآن ٥ صحف يومية بدلًا من ٢٠ صحيفة فى السابق.

لكننى أعتقد أيضًا أن طبعة يوم الأحد ستستمر لوقت آخر من الزمن. وبالتوازى نحن بدأنا الاهتمام بالصحافة الإلكترونية، والإعلانات بدأت تنتقل ببطء أيضًا نحو الموقع الإلكترونى، لكن لا يزال بعض المعلنين يفضلون النسخة المطبوعة من عدد الأحد، وتعجبهم رؤية- على سبيل المثال- صورة السيارة المُعلن عنها مرسومة على صفحة كاملة. لكن بشكل عام فإن الصحافة تنتقل إلى الصحافة الإلكترونية بكل تأكيد.

■ وماذا عن مواقع التواصل الاجتماعى.. كيف ترى أنها تؤثر على صناعة الصحافة؟

- ستظل الصحافة والصحف، سواء أحببتها أو لا، مؤسسات موثوقة ومصدرًا موثوقًا للمعلومات. فى عصر «السوشيال ميديا» أصبحت هناك مساحة أكبر للمعلومات المغلوطة، وازدادت المنطقة الرمادية، لأنه مع «السوشيال ميديا» لا يوجد أحد لتحاسبه. لكن الصحف لديها رئيس تحرير ومسئولون ومحررون يمكن محاسبتهم عند نشر خبر خاطئ، لكن فى «السوشيال ميديا» من سيُحاسب؟ 

■ كيف يتعامل اليونانيون مع مواقع التواصل الاجتماعى؟

- الأجيال الأصغر سنًا فى اليونان مهتمة بـ«السوشيال ميديا»، الأغلب يهتم بـ«إنستجرام»، وكذلك «التيك توك» و«إكس». أما عن استخدام صحيفة «كاثيميرينى» لـ«السوشيال ميديا»، فنحن لدينا حسابات على «إكس» و«فيسبوك».

■ هل تتابع الصحيفة «الترند» على «السوشيال ميديا» وتصنع منه قصصًا؟ وهل أصبح هذا الأمر يحدد أجندة الصحف؟

- لا شك أنه فى بعض الأوقات تهتم الصحف بما ينشر على «السوشيال ميديا». نحن نعمل على تقصى الحقائق المنشورة فى «السوشيال ميديا»، ولا نتابع كل شخص. هناك تمادى فى بعض الأوقات، وأصبح كل فرد لديه القدرة على النشر عبر «السوشيال ميديا»، أعتقد أنها مشكلة، لكنها ليست كبيرة. نحن نعمل على تقصى الحقائق، وستظل الصحف هى المصادر الموثوقة للأخبار.

■ وماذا عن التوازن فى التغطيات الصحفية.. هل تعملون مثل المدرسة الغربية؟ 

- أحاول أن أكون متوازنًا فى جريدتى. أغلب الجمهور يتفق على أن أكثر تغطية متوازنة ومحايدة فى اليونان هى «كاثيميرينى». نحن مختلفون عن الصحف من أقصى اليسار ومن أقصى اليمين، ونمنح أصواتًا للجميع، من أعضاء البرلمان ومختلف التيارات. أتذكر مناقشة بين النخبة، قالوا خلالها إنه إذا نشرت «كاثيميرينى» القصة، هذا يعنى أن هناك أزمة أو مشكلة ما.

■ ما رأيك فيما يتردد أن الأجيال الأصغر سنًا فى اليونان يزدادون تأثرًا بالثقافة الغربية ما يؤثر على الهوية اليونانية؟

- هذا صحيح.. الأجيال الجديدة فى اليونان أصبحوا أكثر تأثرًا بالثقافة الغربية، وأعتقد أن هذا يحدث فى بلاد كثيرة وليس اليونان فقط. اليونانيون فخورون بثقافتهم وجذورهم وتراثهم، وبأننا من قدم أفكار الديمقراطية والقيم الأخرى فى التاريخ. لكن الشباب هنا مهتمون بالغرب، ويذهبون للتعلم فى الولايات المتحدة وإنجلترا، وأصبحوا متقدمين ومتطورين أكثر وأكثر.

فى المقابل، هناك من الشباب لا يزال يراهن على البقاء فى اليونان. على سبيل المثال، إذا كان مقابل العمل فى الخارج أكبر قليلًا، يفضل الشباب اليونانى البقاء فى اليونان. لكن إذا كان الفرق كبيرًا، مثل ١٠ أضعاف الأجر فى اليونان، يختار اليونانيون الذهاب إلى العمل لبضع سنوات ثم يعودون. فى عام ١٩٨٠، كان اليونانيون يفضلون الهجرة. وفى التسعينيات كانوا يفضلون الهجرة للتعليم ثم العودة. وفى عام ٢٠٠٤، تحسنت الأمور، كان لدينا الأوليمبياد، أنشأنا المترو، وأصبحت هناك مؤشرات على التحسن الاقتصادى فى البلد. منذ عام ٢٠١٠ بدأت الأزمة الاقتصادية مرة أخرى، حتى ٢٠٢٠ و«كورونا». خلال الفترة الأخيرة بدأت الأمور فى التحسن على مستوى الوضع الاقتصادى، وأعتقد أن هناك من يفكر فى العودة، لأن الأمور أصبحت أفضل فى اليونان.

■ حول الهوية اليونانية أيضًا.. كيف رأيت الهجوم على مسلسل «كليوباترا» والأفكار المقدمة فيه؟

هذا موضوع مثير للجدل، أنا متفتح، وأعتقد أن الفن هو الفن، وأن المؤلف والمخرج لديهما الحق فى اختيار طريقة التقديم. فى بعض الأحيان لا يعرف الجمهور التفاصيل الدقيقة عما حدث فى الواقع، لذا ليس من الضرورى اعتبار أى رؤية تُقدم أنها بغرض التلاعب. هذا رأيى الشخصى، لكن بالنسبة لليونانيين عمومًا، تم النظر فى الأمر بشكل مختلف. هناك من رأى أن الأعمال التى تناولت حياة كليوباترا والإسكندر الأكبر تؤثر على الهوية القومية. 

ولا أعرف إذا كان أغلبية اليونانيين يهتمون كثيرًا بمسلسلات «نتفليكس» إلى هذا الحد، وهل من الصواب أن يتم النظر إليها كأفكار ذات أهداف لإعادة كتابة التاريخ؟ من وجهة نظرى، الأفضل هو النظر إليها على أنها مجرد فيلم أو مسلسل.

■ أخيرًا.. كيف ترى العلاقات بين مصر واليونان؟

- لا أقول هذا لأنك مصرية، لكن العلاقات بين مصر واليونان عميقة وقوية. اليونان تهتم بموقعها ومكانتها كبوابة لأوروبا من ناحية، وكدولة قريبة من الشرق الأوسط من ناحية أخرى، وبالنسبة لليونان، مصر بمكانتها الجغرافية وموقعها تعتبر على قائمة الأجندة. فكما يُنظر إلى اليونان كبوابة للاتحاد الأوروبى، فإن مصر هى بوابة الشرق الأوسط وإفريقيا، وهناك تأثير قوى متبادل بين الدولتين والاتحاد الأوروبى، وكذلك العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب العديد من المشاريع الاقتصادية. وفى منطقة مضطربة، فإن اليونان كبوابة أوروبا، ومصر كبوابة العالم العربى، يلعبان دورًا مهمًا جدًا فى استقرار المنطقة. هناك كذلك جالية مصرية كبيرة فى اليونان، وكنت أتحدث مع السفير المصرى فى اليونان حول اتفاقية العمالة الموسمية التى تأتى بشكل قانونى من مصر للعمل فى اليونان. هناك الكثير من التعاون بين مصر واليونان، نوع من الاحترام للمبادئ التى تدعمها مصر واليونانيون فى مصر. أثناء الحرب العالمية الثانية، كان اليونانيون يهربون من النازيين إلى مصر، فمصر لدينا مكان آمن، ودولة مهمة فى الشرق الأوسط. مصر صديقة حقيقية لليونان، وهذا لا ينطبق على كل الدول بذات الدرجة.

إلى أى مدى الصحيفة منفتحة على الأديان الأخرى؟

- اليونانيون أغلبهم مسيحيون أرثوذكس. لكنّ لدينا أعدادًا قليلة من الكنائس الأخرى، وأقليات مسلمة ويهودية. نحن بالفعل نغطى قضايا متعلقة بالكنائس والأديان الأخرى. على المستوى المعرفى، اليونانيون مهتمون بمعرفة الأخبار المتنوعة. لدينا بالطبع مهاجرون مسلمون يزداد أعدادهم ببطء، ومن الضرورى تغطية أخبارهم. نحو ١٠٪ من سكان اليونان مهاجرون، وأغلبهم من المسلمين، ولهذا التغطيات يجب أن تتناول مناقشات بعض المشكلات التى يواجهها المسلمون هنا. 

الزميلة سارة شريف مع رئيس تحرير «كاثيميرينى»