القنبلة المقبلة.. لماذا تخطط حكومة نتنياهو لضم الضفة الغربية الآن؟
دون مقدمات، أعلن وزير المالية الإسرائيلى المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن عام ٢٠٢٥ هو العام الذى سيتم فيه تطبيق السيادة على الضفة الغربية، فى إصرار واضح أن يحول رؤيته المجنونة إلى واقع أكثر جنونًا فى العام الجديد، عبر السيطرة على أكثر من ٥ ملايين فلسطينى داخل «إسرائيل الموسعة».
كانت معارضة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لـ«حل الدولتين» كأساس لإنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى مصدرًا للتوتر العميق مع إدارة الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جو بايدن، التى تتمسك بالدولة الفلسطينية على أساس خطوط ما قبل عام ١٩٦٧، ولكن بعد فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذى يبدو- وفقًا للمراقبين- لا يبالى بـ«حل الدولتين»، ومع التعيينات التى أعلنها فى إدارته الجديدة، فإن مسألة ضم إسرائيل للضفة الغربية قد أصبحت أقرب من أى وقت مضى، الأمر الذى يستدعى مناقشته فى السطور التالية.
الاستفادة من اختيار مؤيدين لإسرائيل فى إدارة ترامب للاستيلاء على الأرض دون معوقات
سلسلة التعيينات التى أعلن عنها الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب مؤخرًا تشير إلى أن مشاريع إسرائيل الاستيطانية لن تتم معارضتها من قبل الإدارة الجديدة، مع السماح لها بضم المناطق بشكل غير قانونى، رغم أن محكمة العدل الدولية قد أشارت هذا العام إلى أن المستوطنات فى الضفة الغربية غير قانونية.
كان «نتنياهو» قد ألمح بالفعل إلى رغبته فى ضم الضفة، وهو ما ظهر فى الإعلان عن أن يحيئيل ليتر، وهو أحد سكان مستوطنة إيلى فى الضفة الغربية، سيكون السفير القادم لإسرائيل بالولايات المتحدة، بمجرد عودة ترامب إلى البيت الأبيض فى ٢٠ يناير.
ونظرًا لوضعه السكنى وتاريخه، كان لا يمكن قبول «ليتر» فى واشنطن إلا أن أصبحت ترى أن المستوطنات فى الضفة الغربية شرعية من الناحية القانونية، بدلًا من التمسك بوجهة نظر إدارة بايدن بأنها غير قانونية.
وأسهم إعلان ترامب عن تعيين حاكم أركنساس السابق مايك هاكابى سفيرًا للولايات المتحدة فى إسرائيل، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو وزيرًا للخارجية، فى تعزيز القناعة الإسرائيلية.
ويُكن السفير الأمريكى المستقبلى مايك هاكابى، بصفته قسًا من الطائفة المعمدانية الجنوبية، الذى قاد العديد من الجولات المسيحية إلى إسرائيل، احترامًا عميقًا للتراث اليهودى المسيحى المشترك «الموجود بالضفة الغربية».
ويعد «هاكابى» صريحًا للغاية بشأن اعتقاده بأن الضفة يجب أن تكون متضمنة فى الحدود السيادية لإسرائيل، لدرجة أنه أقام حملة لجمع التبرعات لحملته الانتخابية للبيت الأبيض فى عام ٢٠١٥ فى الحديقة الأثرية خارج مستوطنة شيلوه.
وقال فى ذلك الوقت: «أنا أعترف بأن يهودا والسامرة جزء من إسرائيل»، مضيفًا أنها «جزء مهم من أمن إسرائيل».
فى عام ٢٠١٥، نشر موقع «BuzzFeed» مقطع فيديو، تم التقاطه أثناء ترشح «هاكابى» للرئاسة عام ٢٠٠٨، قال خلاله: «لا يوجد حقًا شىء اسمه فلسطين»، مضيفًا «أن الدولة الفلسطينية قد يكون من الأفضل أن تقام على أراضٍ فى مصر أو سوريا أو الأردن، وليس على أرض إسرائيل التوراتية».
وخلال زيارة قام بها إلى إسرائيل، رفض «هاكابى» أيضًا الصيغة التى «تسمح لإسرائيل التخلى عن أجزاء من الوطن مقابل السلام»، وقال: «كمواطن أمريكى، لا أشعر بأن الإسرائيليين ملزمون أو مطالبون بالتنازل عن الأرض من أجل إحلال السلام».
وفى مقابلة له مؤخرًا، أشار «هاكابى» إلى أن تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة ممكن بالتأكيد خلال فترة ولاية ترامب الثانية.
وفى الإطار نفسه، تم اختيار ماركو روبيو وزيرًا للخارجية فى عهد إدارة ترامب المقبلة، وهو شخص يُنظر إليه أيضًا على أنه مؤيد قوى لإسرائيل، كما أنه يؤيد أيضًا «حل الدولتين» للصراع، فى حين يدعم حقوق إسرائيل فى «أجزاء من الضفة الغربية».
وعارض «روبيو» سابقًا سياسة إدارة بايدن، المتمثلة فى فرض عقوبات على الإسرائيليين المتطرفين، واتهمها بــ«تقويض الدولة اليهودية بسياسات انفصامية».
وأيد «روبيو»، أيضًا، فرض العقوبات على السلطة الفلسطينية بسبب «الرواتب التى تقدمها للفلسطينيين المسجونين بسبب نشاطهم الإرهابى، بما فى ذلك الحوادث التى قُتل فيها مدنيون».
وعارض بشدة إعادة فتح القنصلية العامة الأمريكية فى القدس، والتى كانت تقدم خدمات قنصلية للفلسطينيين.
وفيما يتصل بالأمم المتحدة، فقد أدان «روبيو» النشاط الفلسطينى هناك ضد إسرائيل، وتحدث عن أهمية دعم إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالتصويت، فضلًا عن دعمها أمام الإجراءات القانونية التى تسعى إلى اتخاذها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ضدها، والأهم من ذلك، أنه دعم الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس فى قطاع غزة.
ومهما كانت طبيعة اتخاذ القرار فى الإدارة الأمريكية المقبلة، حتى لو كانت القرارات سيتخذها ترامب وحده، فإن خياراته تعتبر أيضًا إشارات مهمة فيما يتصل بالسياسات التى ستتبعها إدارته.
إرضاء المتطرفين بضم مزيدٍ من أراضى «المنطقة ج» للإبقاء على الائتلاف الحاكم
فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية يعنى علميًا تحويل إسرائيل إلى دولة فصل عنصرى «أبرتهايد» بشكل كامل، وهذا الجنون لن يتوقف عند الضفة، بل إن هناك حديثًا داخل اليمين الإسرائيلى نحو التطلع إلى السيطرة على قطاع غزة، مع وجود آراء أخرى، تفترض أنه ستكون هناك مساومة بين وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مقابل عدم ضم الضفة الغربية.
أما فيما يتعلق بالحرب على لبنان، فإن الأيديولوجية اليمينية فى إسرائيل لا تريد التوسع اليهودى فى الجنوب اللبنانى.
وحسب المعتقدات اليمينية الإسرائيلية، فإن المكانة الأيديولوجية لقطاعى غزة ولبنان أقل أهميةً بكثير من الضفة الغربية، والأساس الاستراتيجى الصهيونى ينص على أنه «حيثما يوجد يهود.. يجب أن يوجد الجيش الذى يدافع عن أمن الدولة»، وأن «أىّ تنازُل عن ذلك يشكل تهديدًا حقيقيًا للدولة ومواطنيها».
وتقترح «خطة الحسم» كما سماها «سموتريتش»- بالنسبة إلى العرب الذين سيختارون البقاء فى الضفة- بعد ضمها، أن عليهم أن يحددوا نموذجًا للإقامة يتضمن إدارة ذاتية، بالإضافة إلى الحقوق والواجبات الفردية، حيث سيتعين على العرب فى الضفة إدارة حياتهم اليومية فى البداية بأنفسهم بواسطة إدارات بلدية محلية لا تحمل أىّ طابع قومى، ولاحقًا، ومع تقدُّم العملية واستيعابها، يمكن أن تقدم إسرائيل نماذج للإقامة أو الجنسية- تمامًا مثلما جرى مع «عرب ٤٨».
ورأى الكاتب الإسرائيلى يائير أسولين أن ضم الضفة ليس سوى نموذج لا يمكن إنكار أنه «قائم فعليًا»، قائلًا «إن المناطق المحتلة فى اللا وعى الإسرائيلى ليست فقط جزءًا من أرض إسرائيل، إنما أيضًا من دولة إسرائيل، على الرغم من أن هذا غير صحيح قانونيًا».
وأضاف: «لا يمكن أيضًا إنكار أنه على مدار السنين تحت حُكم حكومات إسرائيل جميعها، قمنا بتطوير الكذب على النفس بشأن الضفة الغربية»، مشيرًا إلى أن هذا المزيج الفاسد بين الدين والدولة هو ما سيدفع اليهودية نفسها إلى دفع ثمن ثقيل جدًا، أشك فيما إذا كانت تستطيع تحمّله.
وكان الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، فى نهاية ولايته الأولى، قد سمح لإسرائيل بضم ٣٠٪ من الضفة الغربية، وهذه المنطقة التى يجرى النظر فى السيادة عليها تشكل نصف ما يعرف بـ«المنطقة ج»، وتشمل معظم المستوطنات القائمة فى الضفة الغربية. وكان هذا هو العرض الأكثر شمولًا الذى قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل فيما يتصل بتعزيز سيطرتها الإقليمية على أجزاء من الضفة الغربية.
وأدى هذا العرض فعليًا إلى محو أهمية خطوط ما قبل عام ١٩٦٧ بالنسبة للخطوط النهائية لـ«حل الدولتين» للصراع، لكن تم تعليق الخطة بموافقة إسرائيل، مقابل «اتفاقيات إبراهيم»، التى خلقت إطارًا تقوم الدولة اليهودية بموجبه بتطبيع العلاقات مع جيرانها العرب.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلى الاستفادة من الوضع الجديد لتعزيز مكانته السياسية.
ولأن نتنياهو- حتى الآن- لا يستطيع تلبية طلب المتدينين، الذى يتمثل بإعفاء شامل ودون عقوبات من التجنيد فى الجيش، فإن انتخاب ترامب واختياراته فى إدارته المؤيدة للاستيطان تفتح أمام رئيس وزراء الاحتلال احتمالات جديدة لحل الأزمة، أو على الأقل تساعده على كسب مزيد من الوقت.
وسيحاول نتنياهو، خلال الفترة المقبلة، أن يحصل من ترامب على «شيك كبير بقدر الإمكان من الهدايا وبادرات حسن النية للمستوطنين»، وعلى رأسها وعود بضم أجزاء من «المنطقة ج».
ويمكن أن يقرب انتخاب ترامب أيضًا إنهاء الحرب بشكل كبير، ففى عهد الإدارة الديمقراطية المنتهية ولايتها عرض نتنياهو على قاعدته اليمينية حربًا طويلة لا نهاية لها مع أهداف متنوعة، والآن تبدو احتمالاته متنوعة أكثر، ليس فقط لأن الولايات المتحدة لم تعد تلاحق المستوطنين، بل لأنها تستطيع تزويدهم أيضًا بوعود لضم أراضى الضفة.