«الدستور» تفتح الملف الصعب: كيف نوقف نزيف حوادث حافلات نقل الطلاب؟
فى مأساة مروعة، تعرضت حافلة تابعة لمدرسة خاصة بمدينة ٦ أكتوبر، كانت تُقل طلابًا فى طريقهم إلى مدرستهم، لحادث صعب، صباح أمس الأول، انقلبت على إثره عدة مرات.
الحادث الذى وقع أعلى طريق الواحات القادم من الفيوم باتجاه السويس، أسفر عن إصابة ٤ أشخاص تم نقلهم على الفور إلى المستشفى لتلقى العلاج اللازم، ووفقًا لشهود عيان، فقد السائق السيطرة على المركبة، ما أدى إلى انقلابها وسط الطريق، ما أثار حالة من الذعر بين الركاب والمارة.
هذا الحادث المأساوى يُعيد طرح تساؤلات حول إجراءات السلامة فى وسائل النقل المدرسية ومدى التزام السائقين بالمعايير اللازمة لضمان سلامة الطلاب، وهى قضية تثير ذعر ومخاوف أولياء الأمور بشكل دائم.
والأكثر خطورة فى الأزمة أنها لم تعد مقتصرة على المدارس، بل انتقلت إلى الجامعات، فمنذ أقل من شهر فُجع المصريون بحادث أتوبيس «جامعة الجلالة» الذى تسبب فيه السائق والذى كان يقود تحت تأثير المخدرات، ليؤدى إلى وفاة ١٣ طالبًا وطالبة وإصابة ٢٨ آخرين.
ودفعت صعوبة الحادث وتفاصيله المروعة إلى تسريع محاكمة ذلك السائق، حيث حكم عليه بالسجن لمدة ١٥ عامًا بتهمة التسبب فى الحادث، وأكدت المحكمة فى حيثيات حكمها عزمها تطبيق أقصى العقوبات على من يستهتر بحياة الأبرياء.
كما أصدرت النيابة العامة خلال تحقيقاتها فى القضية، بيانًا واضحًا دعت فيه المؤسسات التعليمية وشركات النقل إلى وضع ضوابط صارمة لفحص السائقين بانتظام، مؤكدة أن تجاهل هذه الضوابط يعرض حياة الطلاب للخطر.
«الدستور» تُعيد فتح ملف كوارث «النقل المدرسى» لمعرفة الإجراءات والضوابط التى تم تطبيقها لتجنب مثل هذه الحوادث، مستمعة كذلك إلى آراء عدد من أولياء الأمور حول الأزمة ومتطلباتهم لحلها.
تكليف جهة حكومية للإشراف على تسعير الخدمة منعًا للاستغلال
كشفت سلمى عامر، ولية أمر طالبين بمدرسة عمر بن عبدالعزيز التجريبية فى البساتين «روان ونادر»، عن أن تكاليف الاشتراك فى الباص المدرسى أصبحت منفصلة عن المصاريف الدراسية، حيث تدفع ١٠٠٠ جنيه للاشتراك لكل طفل. ورأت أنه من الضرورى تكليف جهة حكومية للإشراف على تسعير خدمات النقل المدرسى بشكل يُحد من الاستغلال الذى يحدث مع ارتفاع أسعار السولار. وأوضحت أن رحلة الباص تستغرق ما بين ساعة وساعة ونصف الساعة من المنزل إلى المدرسة، مشيرة إلى أنها تشعر بأن استخدام باص المدرسة أكثر أمانًا لأطفالها. ونصحت أولياء أمور الطلاب الجدد، خاصة من يسكنون بعيدًا عن المدرسة، باستخدام الباص المدرسى رغم التكلفة العالية والزيادات المحتملة للباص الخاص، لافتة إلى أنهم فى النهاية سيكونون مضطرين لدفعها لضمان سلامة أطفالهم.
واقترحت أن يتعاون بعض الأهالى الذين يمتلكون سيارات ولديهم وقت لنقل مجموعة من الأطفال، بمن فيهم أطفالهم، حيث سيكونون أكثر حرصًا على سلامتهم.
واختتمت حديثها قائلة: «بالنسبة لى، اشتراك الباص أضمن، ففى مدرسة أولادى يُعتبر رخيصًا مقارنة بمدارس أخرى، لأن الأسعار تختلف حسب مستوى المدرسة».
الركوب لا يتطلب إثبات الهوية وتهور السائقين أكبر المشكلات
أكد محمد الشريف، الطالب بجامعة بدر، استياءه الكبير من زيادة رسوم الباصات هذا العام بنسبة ٥٪ مقارنة بالسنة الماضية، بعد أن ارتفعت لتصل إلى ١٤٠٠ جنيه فى الفصل الدراسى الواحد، رغم أن النقل يتم لمسافة لا تتجاوز كيلومترين فقط، أى أن الرحلة تستغرق نحو ٥ دقائق، فيما تتقاضى الشركات الخارجية مبلغ ٤٥٠٠ جنيه فى الترم نفسه، لأنها تغطى مناطق أبعد. وأوضح «محمد»، فى حديثه مع «الدستور»، أن الاشتراك فى الباصات يكون لكل فصل دراسى، لكن فى الوقت نفسه لا يوجد أى مشرف يرافق الطلبة فى الحافلة، بل يكون السائق هو المسئول الوحيد، الأمر الذى يثير القلق والمخاوف على سلامة الطلاب.
وقال: «هناك اختلاف كبير فى سلوك السائقين، فبعضهم يتصف بالاحترام والالتزام، بينما يتسم آخرون، خاصة من الشباب، بالتهور والقيادة بسرعة مفرطة، وسبق أن وقع حادث بسبب السرعات الزائدة، لذا فإن معظم الطلاب يفضلون ركوب الحافلات التى يقودها سائقون من كبار السن، لأن السائقين الشباب غالبًا ما يقودون بسرعة غير محسوبة».
وتابع: «لدينا ما بين ٢٠ و٣٠ حافلة، وفى السنوات السابقة كان الطلاب يجلسون على المقاعد، أما الآن، ومع ازدياد الأعداد، فباتوا يقفون فى ممرات الحافلات بسبب عدم توافر المقاعد الكافية، ورغم هذه الظروف فهم نادرًا ما يشكون، خوفًا من ردود الأفعال المحتملة من الجامعة، مع خشية التعرض لعقوبات مثل الفصل أو تخفيض الدرجات». واختتم حديثه بالتعبير عن ندمه لدفع رسوم الحافلة الجامعية لهذا الفصل الدراسى، خاصة أن أحدًا لم يُطلب منه بطاقة الهوية ولو لمرة واحدة خلال استخدامه الحافلة.
ولية أمر: ارتفاع الاشتراك لـ9500 جنيه دفعنى للبحث عن وسيلة أخرى
روت منى السداوى، ولية أمر طفلين «زيدان وعبدالرحمن»، فى مدرسة «ليسيه الحرية» فى باب اللوق، تجربتها مع خدمات النقل المدرسى.
وقالت: «على مدار ثلاث سنوات، كنت أستخدم باص المدرسة، لكن هذا العام انتقلت إلى سيارة خاصة، فسابقًا كان الاشتراك السنوى للباص ٥٥٠٠ جنيه للطفل، أما هذا العام فقد ارتفع إلى ٩٥٠٠ جنيه، ما دفعنى للخروج من النظام والاعتماد على وسيلة نقل أخرى».
وأشارت إلى أن السائق الذى تستعين به الآن يتقاضى ١٣٠٠ جنيه شهريًا عن كل طفل، لكنها تشعر بمخاطر فى كلتا الحالتين سواء الباص المدرسى أو السيارة الخاصة، مضيفة: «الباص قد يبدو أكثر تنظيمًا، لكنه يفتقر للإشراف الكافى، ففى إحدى المرات، نسوا ابنى فى المدرسة، وعندما اتصلت بهم للبحث عنه، أخبرونى بأنهم سيعودون بعد توصيل بقية الطلاب».
وأكدت أهمية التأكد من اختيار سائق موثوق للنقل الخاص، وتنفيذ فحص دقيق لخلفية وسجل السائق لضمان سلامة الأطفال.
فرض الرقابة والإشراف على خدمات النقل المدرسى
قالت منار مصطفى، أخت لطالب فى مدرسة البترول الخاصة بكرداسة، إن تكاليف المواصلات أصبحت تمثل عبئًا كبيرًا على العائلة، التى تضطر لدفع ١٥٠٠ جنيه شهريًا لنقل شقيقها من وإلى المدرسة، مع ترقب زيادة هذه التكلفة مع الزيادة المستمرة فى أسعار النقل. وأوضحت أن شقيقها يضطر يوميًا للخروج من المنزل فى السادسة صباحًا للوصول إلى المدرسة فى التاسعة، ثم يعود فى وقت متأخر بسبب الازدحام.
وأشارت إلى غياب الإشراف على الباص المدرسى، الذى لا يوجد به سوى السائق فقط، ما يزيد من صعوبة الأمر، خاصة أن الطالب إذا تأخر عن موعده فإن السائق يتركه ببساطة ويغادر.
وأضافت: «على المدرسة أن توفر سكنًا معتمدًا قريبًا للطلاب، خاصة فى سنواتهم الأولى، لتخفيف العبء المادى والجهد الكبير عن الطلبة وعائلاتهم».
وأكدت أهمية الرقابة والإشراف على خدمات النقل المدرسى، داعية إلى توفير حلول بديلة، مثل تعاون الأهالى مع سائقين موثوقين، ما سيكون أكثر أمانًا لأبنائهم.
الشركات الخاصة تستغل طلاب الجامعات مع غياب إجراءات السلامة
أعرب زين عادل، الطالب بجامعة الجلالة، عن استيائه الكبير من أسعار الباصات الجامعية، التى تضاعفت بشكل غير منطقى، مقارنة بوسائل النقل العامة.
وأوضح «زين»، أن تكلفة الرحلة بالمواصلات العامة من مدينة القاهرة إلى الجلالة تتراوح بين ٦٥ و٧٥ جنيهًا، لكن باص الجامعة يطلب ٢٠٠ جنيه يوميًا، رغم أن مدة الرحلة لا تتجاوز ساعتين.
وقال: «شركات النقل الخاصة تستغل الطلاب بشكل كبير، خاصة مع عدم وجود رقابة فعالة على الباصات الجامعية، سواء من حيث الأسعار أو إجراءات السلامة، والحوادث المتكررة على الطريق لأسباب مختلفة تزيد من قلق الطلاب».
وأضاف: «هناك حادثة وقعت مؤخرًا، كان السبب فيها هو تعطل الفرامل على طريق غير مناسب لهذه المركبات، ما أدى إلى تساؤلات حول المسئولية والرقابة». واقترح «زين» وجود جهة رقابية للإشراف على الباصات الجامعية والسائقين، مشددًا على أهمية مراقبة السرعة وصيانة المركبات بشكل دورى، لضمان سلامة الطلاب، مع المراجعة الفورية للأسعار الحالية للباصات الجامعية، التى تمثل عبئًا كبيرًا على الطلاب.
رخصة قيادة أولى وكشف طبى وتدريب تربوى شروط اختيار السائقين
كشف المستشار بدوى علام، رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة، عن المعايير التى يجب أن تعتمدها المدارس فى اختيار سائقى حافلاتها، لضمان سلامة الطلاب خلال رحلاتهم اليومية.
ورأى «علام» أن أول شرط يجب توافره فى السائقين هو امتلاكه رخصة قيادة درجة أولى، خاصة إذا كانوا يقودون حافلات مدرسية كبيرة، مشيرًا إلى أن المدارس تجرى كشفًا طبيًا شاملًا على السائقين، يتضمن اختبارات دورية للكشف عن تعاطى المخدرات، حيث تُجرى هذه الاختبارات كل أسبوع أو أسبوعين لضمان عدم وقوع أى مخالفات من هذا النوع. وفيما يتعلق بتدريب السائقين على التعامل مع الطلاب، أوضح أن السائق لا يتولى أى مسئولية مباشرة تجاه الأطفال، حيث يتم تعيين مشرفين فى الحافلات لتولى هذه المهام، بينما يقتصر دور السائق على القيادة فقط. وعن كيفية التعامل مع السلوكيات غير المرغوبة أو الحوادث التى قد تقع، شدد على ضرورة أن يحافظ السائق على الحافلة وأن يلتزم بمواعيد منتظمة، مضيفًا أن على المشرفين متابعة سلوك السائقين، وإذا تم رصد أى تجاوزات أو مشكلات، يتم إبلاغ المدرسة لاتخاذ الإجراء المناسب والذى قد يصل إلى استبدال السائق.
واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية تعاون السائقين مع أولياء الأمور وتقديم خدمة آمنة ومنظمة لضمان راحة الجميع.