الدور المصرى.. والدعاية المفقودة
لا شك عندى أن الدور المصرى كان مؤثرًا وحيويًا فى الوصول إلى وقف إطلاق النار فى غزة والوصول للتفاهمات المهمة مع إسرائيل، وضمنها تنفيذ صفقة تبادل الأسرى والانسحاب التدريجى لقوات الاحتلال الإسرائيلى من القطاع.
ومن بين مواقف الوسطاء الثلاثة، المصريين والقطريين والأمريكيين، فإن المصريين، وفقًا للمراقبين، كانوا أكثر احتكاكًا وتفهمًا وحرصًا على الواقع الذى يعيشه الفلسطينيون فى غزة من مأساة على مدار الشهور الماضية. مصر ظلت حريصة على إدخال المساعدات الدولية والمحلية، رغمًا عن الأخطار والتهديدات الإسرائيلية، وأصرت على ضمان الانسحاب من محور صلاح الدين، إلا أنها أبدت مرونة فائقة فى الوقت المناسب لتفويت الفرصة على المتطرفين فى إسرائيل، وعلى رأسهم نتنياهو، بإفساد الاتفاق.
الأطياف الفلسطينية أكدت، خلال الساعات الماضية، ثقتها فى الدور المصرى وأنه نابع من الثوابت التاريخية للتأكيد على حقوق الشعب الفلسطينى وإفشال مؤامرات تصفية القضية وتهجير أهل غزة. وللمفاوض المصرى خبرة عظيمة وناجحة فى التفاوض مع الإسرائيليين، وهو يمتلك علاقات قوية ومتينة مع جميع الأطياف الفلسطينية، ومع قادة حركة حماس تحديدًا. بالفعل، القيادات الذين ينتمون للجهاز السيادى الذين تولوا ملف العلاقات مع إسرائيل وفلسطين لديهم خبرة تراكمية هائلة فى التعامل مع الطرفين بطريقة سليمة.
وقد حظوا بثقة الجهتين فى كثير من جولات المواجهات المسلحة أو السياسية. والمهم هنا أن القيادات وهم يسلمون الراية لمن يأتى بعدهم ينقلون إليهم أيضًا سجلًا من الإنجاز والوصايا المهمة حول التعامل الناجح مع الطرفين.
أعود لفكرتى حول ثقتنا فى أن الجهد المصرى كان مؤثرًا، وهو الفيصل فى إنجاح المفاوضات.. لأن الباقين قد ينشغلون بقضايا ومسائل أخرى لكن مصر باقية إلى جوار غزة، وأى تصعيد أو حدوث مأساة جديدة ستؤثر عليها وعلى حدودها فى مجالات عديدة.
ورغم هذا الأداء الجيد على مدار الشهور الماضية، والذى توج باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، الأحد الماضى، فإن الحديث عن الدور المصرى فى الإعلام غير المصرى هو الأقل على الإطلاق.
الأسباب والمبررات وراء ذلك عديدة من وجهة نظرى. وقد تكون هناك رغبة من القيادات العليا بعدم الدعاية لدورهم، باعتبار مصر دولة كبرى وقد قدمت على ذلك انطلاقًا من مسئولياتها التاريخية.
الدبلوماسية الهادئة والرزينة منهج جيد للغاية، لكن ظنى أنه فى قضية عظيمة مثل هذه، وهى تحظى باهتمام هائل عالميًا، ومع الدعايات التى تخرج من إسرائيل والعواصم الرئيسية فى القضية، كان ينبغى أن تكون هناك بيانات مصرية دورية حول ما قمنا به.. أو ما زلنا نقدمه.
لاحظت أن وزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطى، والمتحدث الرسمى للوزارة، يتحدثان عن المفاوضات ووقف إطلاق النار فى غزة أكثر من الفترات السابقة، لكن ما زالت هناك فجوة فى التواجد الإعلامى على الساحة.
وظنى أن السبب الرئيسى فى ذلك راجع لأمرين، أولهما غياب «المصدر المطلع» والمتحدث الإعلامى الذى يتفاعل مع المستجدات أولًا بأول ويقدمها للإعلام، أو يتفاعل مع ما ينشر أو يصوب الأخطاء، أو يواجه الدعايات السلبية، وما أكثرها فى هذه القضية بالتحديد. فى فترات سابقة، كان هناك تنظيم أفضل لهذه المسألة، وكان هناك شخص أو شخصيات قادرة على ملء هذا الفراغ.
السبب الثانى متعلق بضرورة تشجيع وجود مجموعة من الخبراء الاستراتيجيين، الذين يتمتعون بالكفاءة والخبرة والاعتماد، لكى يظهروا فى وسائل الإعلام، خاصة الفضائيات غير المصرية، للحديث بمعلومات وتحليلات صحيحة ومقنعة عن الدور المصرى.
كانت هناك قوائم بالخبراء المتميزين، وكان يتم تجديدها سنويًا، بحيث تدخلها كفاءات جديدة.. ويتركها من فقد لياقته أو أصبحت معلوماته قديمة.
الخبراء المصريون غائبون عن الإعلام غير المصرى فى السنوات الأخيرة، بينما حل مكانهم خبراء من دول أخرى، وهم فى غالبهم أقل كفاءة.. ومع هذا الوضع غاب الحديث بشكل إيجابى ومنصف عن الأدوار المصرية فى قضايا عديدة.
أتمنى أن تتم معالجة هذه المسألة بشكل عملى. نعلم أن هناك جهات سيادية تفضل العمل فى صمت، واختارت أن تظل قياداتها فى الظل، حتى مفاوضوها الذين عملوا تحت ضغوط هائلة من كل الأطراف غير معروفين للرأى العام، لكن الأمر متعلق بتقديم دعاية إيجابية لمصر كلها، وهى تستحقها فى هذه المرحلة، خاصة أنها قد تعرضت لسيل من الأكاذيب المغرضة والمنظمة منذ أن بدأ الاجتياح الإسرائيلى للقطاع.