عاجل.. ألسنة الشيطان.. كيف تتحرك الكتائب الإلكترونية لنشر الشائعات ضد الدولة؟
فى سياق محاولات التأثير على استقرار الدولة المصرية، تتواصل جهود جماعة الإخوان الإرهابية منذ أكثر من عقد كامل لنشر الفوضى، عبر حملات إعلامية تعتمد على نشر الشائعات والمعلومات المضللة، واعتماد وسائل متعددة لإيصال نفس الرسائل بنفس التوقيت، مع توجيه الخطاب إلى فئات مختلفة من المجتمع، بهدف زعزعة الثقة بين الشعب ومؤسساته الرسمية، خاصةً فى الأوقات التى تشتد فيها التحديات السياسية والاقتصادية.
ومع الوقت، تطورت أساليب الجماعة الإرهابية، لتنتقل من الأنشطة العلنية والدعاية المباشرة إلى الاعتماد بشكل أكبر على مواقع التواصل الاجتماعى والتقنيات الرقمية، لتوسيع نطاق التأثير، وجعل التصدى لأنشطتها أكثر تعقيدًا، مع التركيز على القضايا المثيرة للرأى العام، والعمل على تضخيمها، ونشر معلومات غير دقيقة أو مبالغ فيها، الأمر الذى يتطلب مزيدًا من التضامن الشعبى، والوعى للتصدى لتلك الحملات المضللة، حتى يتمكن المواطن من التمييز بين الحقائق والأخبار المفبركة.
استخدام التقنيات الحديثة و«الديب ويب» لإخفاء الهوية ونشر المحتوى المُفبرك
قال الدكتور محمد محسن رمضان، مستشار الأمن السيبرانى ومكافحة الجرائم الإلكترونية، إن الجماعات الإرهابية أصبحت تتقن استغلال التقنيات الحديثة بشكل كبير وفعّال لإخفاء مصادر الشائعات وتوسيع نطاق تأثيرها عبر وسائل التواصل الاجتماعى، موضحًا أن هذه الجماعات تستفيد من الطبيعة اللا مركزية للإنترنت، لترويج وعى زائف بين المستخدمين، بما يُعقّد الجهود الرامية لمكافحتها.
وأشار «رمضان»، فى حديثه مع «الدستور»، إلى عدة وسائل تكنولوجية متقدمة تعتمد عليها تلك الجماعات فى حملاتها؛ إذ تستخدم شبكات «الديب ويب» مثل VPN وTor لإخفاء الهوية، ما يجعل من الصعب على الجهات الرقابية تتبع مصادر الشائعات، كما تلجأ إلى إنشاء حسابات وهمية بأسماء مستعارة على منصات التواصل، وتستخدم أدوات خاصة لإخفاء نشاطاتها.
وأضاف: «الجماعات تستغل الحسابات الآلية (البوتات) فى تكوين شبكات من الحسابات المزيفة، التى تعمل بتناغم لنشر الأخبار الزائفة على نطاق واسع فى أوقات محددة، مما يخلق انطباعًا بوجود دعم شعبى واسع لأفكارها، مع استخدام تقنيات مثل (التزييف العميق Deepfakes) لفبركة الفيديوهات والصور، بهدف التشويش على المتابعين، ما يجعل التفريق بين الحقيقة والتزييف أمرًا صعبًا».
وأوضح أن منصات التراسل المشفرة مثل «تليجرام» و«سيجنال» وغيرهما، توفر لتلك الجماعات درجة عالية من الخصوصية، إذ تلجأ إليها لتبادل رسائلها بشكل سرى، ما يحول دون رقابة السلطات عليها، وتستفيد الجماعات فيها أيضًا من فهمها لخوارزميات المنصات الكبرى، مثل «يوتيوب» و«فيسبوك»؛ حيث تُسخّر تقنيات تحسين محركات البحث «SEO» لجذب المتابعين، مما يضمن انتشار المحتوى بسرعة ويزيد من احتمالات التفاعل.
وأكد أن مواجهة تلك التهديدات تتطلب تكاتفًا دوليًا وتطويرًا لأدوات تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعى، لتحليل البيانات الرقمية وكشف التلاعبات، بالإضافة إلى رفع الوعى بين المستخدمين، لمساعدتهم فى التمييز بين المحتوى الحقيقى والمزيف.
وواصل: «مكافحة الشائعات الإلكترونية تتطلب توظيف تقنيات متطورة وتعاونًا دوليًا فعالًا، ومن أبرز آليات المكافحة: تحليل البيانات الضخمة، حيث تُستخدم أدوات متقدمة لاستخلاص المعلومات وتتبع الشائعات على منصات التواصل لتحديد مصدرها، وأيضًا توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعى لتحديد الشائعات عبر تحليل الأنماط والمحتوى المشبوه بسرعة ودقة، كما يسهم التحقيق الرقمى فى تتبع الأجهزة وسجلات الإنترنت لجمع الأدلة الضرورية وتوثيقها قانونيًا».
وتابع: «يجب أيضًا أن تتكاتف الحكومات ومنصات التكنولوجيا، مثل (فيسبوك) و(إكس) وغيرهما لتتبع المحتوى المتطرف وإيقاف الحسابات المزيفة، إلى جانب تعزيز وعى الجمهور لمساعدتهم فى تمييز الأخبار الصحيحة من الكاذبة»، مؤكدًا أن دمج هذه الاستراتيجيات يُسهم فى الحد من الشائعات وتعزيز الأمان الرقمى.
استهداف الحياة اليومية للمواطن لضرب الثقة فى مؤسسات الدولة
رأى الدكتور أحمد مجدى حجازى، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة، أن تزايد الشائعات فى الآونة الأخيرة يعود للانتشار الواسع للإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعى، مع ضعف الثقة فى المعلومات التى تُقدم عبر وسائل الإعلام التقليدى.
وقال «حجازى» إن كل رسالة مرسلة من جهة إعلامية أو مرسلة لمعلومة معينة تعبر عن مصالح مؤسسات أو فئات محددة، الأمر الذى يؤدى أحيانًا إلى نشر معلومات مغلوطة، تصب فى صالح فئة أو مؤسسة اجتماعية معينة، أو حتى الترويج لسلعة أو إعلان.
وأشار إلى أن الأمر تفاقم فى الآونة الأخيرة بسبب صعوبة فرض رقابة شاملة على وسائل التواصل الاجتماعى، الأمر الذى سمح بتمدد الشائعات، التى أصبحت تلامس حياة الناس اليومية، مثل نشر شائعة تقول إن «الطعام سيختفى الشهر المقبل، بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا»، دون الاعتماد على أى مصدر حقيقى.
وأضاف: «مثل تلك الشائعات تؤثر على الفئات البسيطة، وتؤدى إلى حالة من الفوضى وفقدان الثقة فى المؤسسات الحكومية والاجتماعية، وقد تثير موجات من الغضب والانحراف السلوكى، مما يجعلها تهديدًا خطيرًا».
وتابع: «فى ظل المتغيرات العالمية الحالية تزايد الاعتماد على حروب الشائعات والمعلومات المغلوطة، التى أصبحت سلاحًا مؤثرًا، خاصة أن وسائل الإعلام اليوم تختلف عن السابق، حين كان المرسل يعتمد على مصادره الأصلية قبل نشر أى معلومة، بينما نجد حاليًا سيولة فى الإعلام وتدفقًا للمعلومات دون ضمان دقتها أو مصداقيتها، ما يعزز من تأثير الشائعات فى هدم استقرار المجتمعات».
وقال: «هذه السيولة فى المعلومات، التى تشمل أحيانًا أخبارًا بلا مصادر حقيقية، تضعف المجتمعات وتجعلها عرضة للتفكك، وهذا هو هدف الحروب الحديثة، خاصة حروب الجيلين الرابع والخامس، التى لم تعد تعتمد على المواجهات العسكرية المباشرة مع عدو خارجى واضح، بل أصبحت تقوم على الشائعات لهدم المجتمعات من الداخل.
الاقتصاد أبرز القطاعات المستهدفة
ذكر تقرير للمركز الإعلامى لمجلس الوزراء أن السنوات الأخيرة شهدت تزايدًا كبيرًا فى معدلات انتشار الشائعات. وأوضح أن نسبة الشائعات إلى الأخبار الصحيحة بلغت عام ٢٠٢٣ نحو ١٨.٨٪، وفى ٢٠٢٢ نحو ١٦.٧٪، وفى ٢٠٢١ نحو ١٥.٢٪، وكانت القطاعات الأبرز التى استهدفتها الشائعات فى عام ٢٠٢٣، هى الاقتصاد، والتموين، والتعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية.
إعادة تدوير الشائعات وتحريف التصريحات لإثارة البلبلة
أكد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الجماعات الإرهابية تعتمد على إعادة تدوير الأفكار والشائعات، بهدف تضليل الرأى العام فى أوقات معينة، خاصة الأوقات المرتبطة بأحداث سياسية أو أزمات اقتصادية، تمر بها مصر، مع محاولة الاستفادة من بعض التصريحات التى تصدر عن مسئولين أو شخصيات عامة، تفتقر أحيانًا إلى الخبرة والدقة، ليتم تداولها بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، لإثارة البلبلة.
وأوضح «فهمى»، لـ«الدستور»، أن إعادة تدوير الأفكار تعمل على قلب الرأى العام، واستثمار الأحداث الخاصة، لإثارة الفرقة فى المجتمع، مع الاعتماد فى ذلك على شخصيات تعمل فى قنوات معارضة بالخارج، مثل قنوات «الشرق» و«وطن» وغيرهما من الوسائل التى تسعى لاستغلال الأحداث عبر بث موضوعات وحوارات تهدف لزعزعة الاستقرار.
وأضاف: «التصدى لتلك الحملات يتطلب قدرة استباقية وسرعة فى الرد، مع ضرورة تفعيل دور المتحدثين الرسميين فى الوزارات والهيئات الحكومية للرد المباشر على الشائعات»، مشددًا على أنه «يجب أن يخرج المتحدثون الرسميون عن صمتهم للرد الفورى على كل ما يستدعى التوضيح، وهناك أهمية كبيرة لتواصل رئيس الحكومة مع الرأى العام، خلال اجتماعاته الأسبوعية، لتفنيد الشائعات الأكثر انتشارًا، لا سيما تلك التى تؤثر على الملفات الاقتصادية الشائكة».
وتابع: «فى علم المعلومات، هناك مفهوم (تمدد الشائعة)، أى أنها تنتشر وتؤثر على قطاع واسع من الناس، لذا ينبغى التصدى لها بسرعة وحزم، ولا بد من الشفافية والوضوح فى التعامل مع الشائعات التى تستهدف ملفات الاقتصاد بشكل خاص، مثل قضايا التعويم والمفاوضات مع صندوق النقد الدولى، لأن الجماعات الإرهابية تسعى لبث الإحباط بين المواطنين عبر استغلال تلك الأحداث وإيهام المواطن بعدم جدوى السياسات الحكومية».
واختتم: «لدينا تحدٍ آخر يتمثل فى عدم ثقة بعض المواطنين بتصريحات بعض المسئولين، الأمر الذى يتطلب وجود متحدثين رسميين على قدرٍ عالٍ من الكفاءة لتمثيل الدولة فى الرد على الشائعات، إلى جانب تكليف جهات محددة ذات صلة مباشرة بالتعاطى مع الشائعات وتفنيدها بشكل سريع ومؤثر».