رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جاءنا اليوم التالى

مع وقف إطلاق النار.. توقفت الحرب.. الحرب الأبشع والأشد قسوة فى غزة.. بل فى فلسطين كلها إلى حد ما.. ولذلك فمن الضرورة بمكان أن نعيد قراءة المشهد والأحداث وما جرى منذ هجوم حماس يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.. بعقل محايد وقلب منحاز للقضية ولأهلنا فى فلسطين.. ماذا كسبت القضية الفلسطينية وماذا خسرت؟

تبدلت المشاعر كثيرًا منذ بدء الحرب عقب هجوم حماس وحتى الآن.. الكثيرون فرحوا بهجوم حماس وشعروا بالفخر وقاموا بالتهليل، والبعض تحفظ، وبعد المجازر بحق الأبرياء وآلاف الشهداء والمشردين كان هناك مَن لعن طوفان الأقصى من الفريق المتحمس لهجوم حماس، لا أقول إن المتحفظين أو المتحمسين مَن منهما أكثر فراسة، لأن مشاعر الفرح بالهجوم على عدونا التاريخى مُبررة.. والخوف من ضبابية المشهد ودفع ضريبة الهجوم أيضًا مبررة.

وبالفعل بعض الفرحين تغيرت نظرتهم للأمر، بعد مشاهدة المجازر بحق شعب أعزل لا حول له ولا قوة، كانت المجزرة تلو الأخرى تُرى صوتًا وصورة، بدا انتقام إسرائيل من الفلسطينيين وكأنه أبدى، بقسوة شديدة وحقد وجنون، لم يسلم أحد من سكان غزة، أطلقت إسرائيل قنابلها ونيرانها على المستشفيات والبيوت والخيام، أحرقت الأخضر واليابس، كان كل شخص مرشحًا للموت فى أى لحظة.. الأطفال والنساء كانوا أكثر الضحايا.

ولم تكتفِ دولة العدو بذلك، بل تعنتت ومنعت المساعدات من الوصول للبقية الناجية، فمَن لم يمت من النيران مات من الجوع والعطش والبرد، كان أهل غزة فريسة ضائعة لا تجد مَن ينجدها فى مواجهة عدو محتل ومختل تسانده دول كبرى، لتتبدل الفرحة بالحسرة، والحماس بالخيبة والعجز، وبين مَن رأى هجوم حماس ضرورة، ومن اكتشف أنه كارثة.. أصبح طوفان الأقصى طوفان الدم، هكذا اعتبره البعض ممن تعاطفوا مع الضحايا أكثر من سرورهم بهجوم حماس، مَن كان ولا يزال يرى أن هجوم حماس كان ضروريًا، مبرراته منطقية.. وهى أن ما فعلته حماس أعاد القضية من جديد إلى دائرة الضوء، حيث أصبحت حديث العالم والخبر الأول فى نشرات الأخبار ووكالات الأنباء العالمية، بعد فترة من النسيان لا بأس بها، حيث تبين أن الأجيال العربية الحديثة لا تدرك قضية فلسطين.

ومن المبررات أيضًا أن المقاومة هى المقاومة، لأنها تناضل ضد الاحتلال على مر التاريخ، وأن العدوان على إسرائيل تحديدًا واجب مقدس، كما أن الهجوم عطل قطار التطبيع، بين العرب والمحتل، الذى كاد يصل إلى محطة خطيرة، وتوقف التوسع فى بناء المستوطنات والتى كانت تستهدف فى النهاية طرد الفلسطينيين بخبث صهيونى قديم.

ولكن كل هذا جعل الفريق الآخر يتساءل: هل كل ذلك كان يستحق هذه التضحيات الكبيرة؟، يستحق القتل والدمار والتشرد والنزوح لشعب كامل؟ 

كل ذلك كان على حساب الشعب الفلسطينى، دفع الثمن وحده، كان مهددًا بنكبة أخرى بعدما استغل الاحتلال الموقف والظرف، ليدفع ويطالب بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والتهجير لم يحدث فى الحقيقة بسبب مصر فقط وموقفها القوى ضد فكرة التهجير، وليس لأن حماس قاومته، فقد كانت حماس تتصرف كما لو أنها لا يشغلها ما يحل بالأهالى، وربما بدا للبعض أن الحركة ضحت بهم فعلًا وجعلتهم يواجهون النيران والدمار بمفردهم وهم عُزل.

بموضوعية شديدة.. من حق المقاومة أن تكافح من أجل التحرر، وأن تحرك المياه الراكدة تجاه قضيتها، ليس فى فلسطين فقط بل أى وطن محتل فى العالم.. والتاريخ يروى بطولات كثيرة عن مقاومة المحتل.. ولكن ليس من حقها التضحية بالناس بهذا الشكل، صحيح أن النضال ضد العدو له ضحايا، ولكن الضحايا هنا بلد وشعب احترقا.

وإذا كانت حماس تعتقد أنها كسبت جولة بهجومها المفاجئ على إسرائيل، فإن إسرائيل كسبت أمامها معارك، فقد استطاعت أن تقهر وتقضى على داعمى حماس، حزب الله فى إيران، وتم التخلص من بشار الأسد فى سوريا، وتم اصطياد زعماء حماس وقتلهم واحدًا تلو الآخر مما أضعف الحركة بالطبع، كما استطاعت دولة العدو احتلال أراضٍ سورية جديدة والقضاء على كل دفاعات وأسلحة سوريا.

ولكن مشهد النهاية يقول إنه لا منتصر ولا مهزوم فى هذه الحرب.. صحيح أن إسرائيل أضعفت حماس ولكنها لم تستطع القضاء عليها أو إنهاء حكمها وسيطرتها على قطاع غزة.. ولم تُصفِ القضية الفلسطينية.. ولم تستعد الأسرى بالقوة ولم تدمر كل الأنفاق.

وكذلك حماس لم تهزم إسرائيل ولم تبعدها عن أراضيها، بل إن العدو لم يخسر شبرًا واحدًا من الأرض التى احتلها.. ليبقى الوضع على ما هو عليه.. والشىء الوحيد المتبقى هو عودة النازحين لبيوتهم التى تحولت إلى أنقاض، ومدينتهم التى أصبحت ركامًا.