رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسيلمة الكذاب.. لماذا يراوغ نتنياهو فى «صفقة الرهائن»؟

جريدة الدستور

حالة من الغضب والتوتر تسود إسرائيل، بعد اكتشاف جثث المحتجزين الستة فى القطاع، الأسبوع الماضى، ما دفع الإسرائيليين للخروج إلى الشوارع فى تظاهرات ضخمة، مطالبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بقبول صفقة وقف إطلاق النار فى أسرع وقت، لتحرير المحتجزين المتبقين فى القطاع. وحمّل المتظاهرون وأهالى المحتجزين نتنياهو مسئولية مقتل المحتجزين، بسبب تعنته فى المفاوضات وعمله على تعطيل أى اتفاق، خاصة مع إصراره غير المفهوم على السيطرة على محور صلاح الدين «ممر فيلادلفيا» الحدودى، بين قطاع غزة ومصر، الأمر الذى يطرح العديد من الأسئلة حول تخلى نتنياهو عن المحتجزين الإسرائيليين من أجل ضمان استمرار الحرب لتحقيق مكاسب سياسية خاصة، وهو ما نستعرضه فى السطور الآتية. 

 

رئيس وزراء الاحتلال يزعم: «حماس» تعطل المفاوضات.. والشارع: لا تكذب.. أنت المسئول 

عُثر فى قطاع غزة، الأسبوع الماضى، على جثث ستة محتجزين، بينهم أمريكى، فى نفق تحت مدينة رفح فى غزة، وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، دانيال هاجارى، إن حركة «حماس» الفلسطينية «قتلتهم على الأرجح قبل وقت قصير من وصول قوات الجيش الإسرائيلى إليهم فى رفح».

فى المقابل، ألقى المسئول فى «حماس» عزت الرشق، باللوم على إسرائيل وإدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن فى مقتل المحتجزين الستة، مؤكدًا أن إسرائيل غير راغبة فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، وأن الولايات المتحدة استمرت فى دعم حرب الإبادة الجماعية بسبب تحيز واشنطن لإسرائيل. 

وأضاف: «على الرئيس بايدن إذا كان حريصًا على إنقاذ أرواح المحتجزين أن يتوقف عن دعم هذا العدو بالمال والسلاح، وأن يضغط على الاحتلال لإنهاء عدوانه فورًا، ومن سيدفع ثمن هذه الجرائم الوحشية وحرب الإبادة ضد شعبنا منذ أحد عشر شهرًا هو بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، وكل الداعمين لهذا العدوان».

أما نتنياهو فزعم، فى فيديو يوم الأحد الماضى، أن «حماس» هى التى تعطل صفقة التهدئة، قائلًا: «منذ ديسمبر، ترفض حماس إجراء مفاوضات حقيقية، وقبل ثلاثة أشهر، فى ٢٧ مايو، وافقت إسرائيل على صفقة لإطلاق سراح المحتجزين بدعم كامل من الولايات المتحدة، لكن حماس رفضت ذلك، وحتى بعد أن قامت الولايات المتحدة بتحديث الخطوط العريضة للصفقة فى ١٦ أغسطس وافقنا، ورفضت حماس مرة أخرى هذه الأيام». فيما قال أهالى المحتجزين: «نطالب نتنياهو بالظهور علنًا وتحمّل المسئولية المباشرة عن التخلى عن المحتجزين، والعثور على الجثث هو نتيجة مباشرة لفشل نتنياهو، فالصفقات والتمسك بمحور فيلادلفيا (صلاح الدين) وزيادة الضغط العسكرى هى التى أدت إلى مقتل العديد من المحتجزين، على مدار الأشهر القليلة الماضية، وتم إنقاذ ثمانية محتجزين أحياء فى العمليات العسكرية، مقارنة بـ١٠٥ محتجزين تم إطلاق سراحهم فى الصفقة».

وأضافوا، فى بيان لهم: «لا تختبئوا وراء المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، أعطوا الجمهور رواية عن الفوضى التى لا تنتهى أبدًا».

وفى الإطار، ولأول مرة منذ شهرين، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مؤتمرًا صحفيًا، الإثنين الماضى، على خلفية الانتقادات الحادة الموجهة إلى الحكومة، بعد القرار الذى اتخذه بشأن البقاء فى «محور فيلادلفيا»، وخصص نتنياهو ١٥ دقيقة للحديث عن أهمية المحور، محاولًا إقناع الإسرائيليين بموقفه.

وادّعى نتنياهو، فى حديثه بالمؤتمر، أنه قبل ٢٠ عامًا، وخلال فترة الانفصال عن غزة، شدد أمام رئيس الحكومة، آنذاك، آرييل شارون، على ضرورة سيطرة إسرائيل على كل المعابر فى القطاع من أجل منع تعاظُم الإرهاب، على حد قوله. 

وأضاف: «نحن فى ذروة حرب وجودية فى مواجهة محور الشر»، وتابع: «إن الشرط الأول للانتصار فى الحرب هو وحدتنا.. يجب أن نبقى موحدين كرجل واحد فى مواجهة عدو وحشى يريد القضاء علينا كلنا».

وقال إنه تحدث مع عدد من العائلات التى انتُشلت جثث أبنائها من القطاع، مضيفًا: «قلت للعائلات، وأقول لكم هذا المساء أيضًا، إننى أطلب المغفرة لأننا لم ننجح فى إعادتهم وهم على قيد الحياة، لقد كنا قريبين جدًا من ذلك، لكننا لم ننجح».

وأردف: «وضعنا ٤ أهداف للقضاء على حماس وإعادة كل المحتجزين، وأن نضمن ألا تشكل غزة تهديدًا فى المستقبل، ومن أجل إعادة السكان إلى منازلهم على الحدود فى الشمال، وعرض خطة للنقب الغربى وقطاع غزة»، مدعيًا أن «٣ من أهداف الحرب تمر من خلال مكان واحد هو ممر فيلادلفيا، لأنه أنبوب الأكسجين والسلاح لحماس»، على حد ادعاءاته.

واستطرد: «أصبحت غزة تشكل تهديدًا كبيرًا لإسرائيل، لأنه لم يكن هناك حاجز، وتسألوننى عمّا إذا كان هذا سيئًا لهذه الدرجة ولماذا لم نحتل غزة؟، والجواب هو أننا حاربنا فى غزة ٣ مرات، لكن لم نحصل على موافقة دولية، أو وطنية، على الدخول إلى غزة واحتلالها والسيطرة على رفح».

قادة الجيش والاستخبارات يكشفون «ألاعيب بيبى» وأسبابه الواهية لنسف أى اتفاق 

منذ شهر مايو الماضى، كان وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، ورئيس «الموساد» ديفيد برنياع، وقيادة الجيش الإسرائيلى بأكملها، يضغطون على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإبرام صفقة لإعادة ما بين ١٨ و٣٠ محتجزًا أحياء من بين حوالى ٥٠ محتجزًا على قيد الحياة، ولا يزال أكثر من ١٠٠ محتجز فى القطاع، بما فى ذلك العديد من المحتجزين الذين ماتوا بالفعل.

وقال نتنياهو إن «حماس» ليست مستعدة لإبرام صفقة، ولكن وفقًا لجالانت وبرنياع والجيش الإسرائيلى، فإن «حماس» ربما كانت مستعدة لإبرام صفقة لو قبل نتنياهو بالانسحاب الكامل من ممر فيلادلفيا وممر نتساريم، شمال وجنوب غزة.

وفى الرابع من يوليو تلقت إسرائيل رد «حماس» على المقترح الأمريكى، وكان هناك تفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق فى غضون أسابيع، ولكن بعد أيام قليلة، تشدد نتنياهو فى مواقفه ووضع شروطًا جديدة.

وأشار مسئول إسرائيلى مطلع على تفاصيل المفاوضات إلى أن ثلاثة من المحتجزين الستة الذين وجدت جثثهم مؤخرًا كانوا على القائمة التى وافقت حماس على إعادتهم، فيما قال مسئول كبير فى الحكومة: «من الواضح كالنهار أن نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق حتى لا تنهار الحكومة، وفى غضون شهر لن يبقى أى محتجز على قيد الحياة».

وفى اليوم التالى لرد «حماس» على اقتراح الصفقة، وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إرسال الوفد المفاوض بخصوص المحتجزين، ثم بعد ثلاثة أيام، شدد مواقفه فى المفاوضات، وأعلن عن مبادئ لن تتخلى عنها إسرائيل فى إطار المحادثات، وهى رفض أى صفقة لا تسمح لإسرائيل بالعودة والقتال حتى تحقيق أهداف الحرب؛ وأنه لن يسمح بـ«تهريب الأسلحة إلى حماس من الحدود»، وأيضًا لن يسمح بـ«عودة آلاف الإرهابيين المسلحين إلى شمال قطاع غزة»، على حد قوله.

وكان البند الثالث غير موجود فى الصياغة الأصلية للاتفاق، وكان يعنى، عمليًا، أن الجيش الإسرائيلى هو الذى سيشرف على عودة سكان غزة إلى شمال القطاع، من خلال السيطرة على «ممر نتساريم»، الذى يفصل الشمال عن باقى القطاع، وهو ما أثار اندهاش كثيرين فى المستويين السياسى والعسكرى.

كما أصر نتنياهو على الاحتفاظ بالمنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة، والمعروفة بممر فيلادلفيا «محور صلاح الدين»، وهى نقطة حرجة وشائكة تسببت فى تعطل الصفقة.

وحسب مصدر أمنى إسرائيلى رفيع المستوى، فإن الإصرار على السيطرة على محور صلاح الدين وغيره من البنود التى أُدخلت على المفاوضات كانت بهدف نسفها، مع استمرار «المناورة البرية» وتقويض البنية القيادية لـ«حماس»، بما يعرض حياة العديد من المحتجزين للخطر.

وأوضح المصدر الأمنى، حسب تقرير لمحلل الاستخبارات الإسرائيلى رونين بيرجمان فى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «المناورة البرية» تعرض حياة المحتجزين للخطر كل يوم وكل ساعة، موضحًا أنه من المحتمل أن تكون التعليمات قد صدرت فى «حماس» بقتل أى محتجز إذا جاءت القوات الإسرائيلية لإنقاذه، على حد مزاعم التقرير.

وأضاف: «نحن جميعًا، كل المؤسسة الأمنية وقادة الجيش والمخابرات، نقول إنه لا توجد مشكلة فى الانسحاب من ممر فيلادلفيا، ويجب أن نوقع على صفقة المحتجزين فورًا، لأنه قريبًا لن يكون أى محتجز على قيد الحياة، فى حين أن نتنياهو يدعى أنه لا ينبغى أن ينسحب من محور فيلادلفيا لسبب يسميه (سياسيًا)، من دون أن يشرح جوهر ذلك بشكل حقيقى».

وتابع: «فى تقدير أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، فإن الواقع الذى نشأ قبل قرار مجلس الوزراء، بل وأكثر من ذلك بعده، يحمل معنى حادًا وواضحًا وقاتلًا، وهو عدم الاكتراث لحياة عشرات المحتجزين الذين ما زالوا على قيد الحياة فى غزة».

واستطرد: «فى إسرائيل، هناك تقدير بأن الجيش الإسرائيلى الذى انسحب من غزة فى شهرى يناير وفبراير الماضيين ثم عاد عدة مرات بدءًا من شهر مارس، ثم مرارًا وتكرارًا منذ شهر مايو، بإمكانه أن يخرج من ممر فيلادلفيا (محور صلاح الدين) ثم يعود لاحقًا، ورغم هذه الحقائق، يزعم نتنياهو أن إسرائيل ستجد مكسبًا سياسيًا برفض الانسحاب من الممر».

ووفقًا للتقرير، فإن السؤال الذى يدور فى إسرائيل الآن هو ما إذا كان موقف نتنياهو التفاوضى الأكثر صرامة يستحق ذلك؟، فيما لا يزال مؤيدوه يرون أن إطار العمل فى غزة حاليًا يضمن عدم عودة «حماس».