كرة النار.. هل تشتعل حرب إقليمية بسبب إيران وإسرائيل؟
طوال الـ١٠ أشهر الماضية تعيش دول الشرق الأوسط تحت خطر اشتعال حرب إقليمية تشعل المنطقة برمتها، وهو ما ازدادت فرضيته قوة خلال الأيام الماضية، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس» الفلسطينية، إسماعيل هنية، فى العاصمة الإيرانية طهران، إلى جانب اغتيال المسئول العسكرى البارز فى «حزب الله»، فؤاد شكر.
وتنتظر كل الأطراف الرد الإيرانى المنتظر على عملية اغتيال «هنية»، بمساعدة الجماعات المسلحة الموالية لها، على رأسها «حزب الله» فى لبنان، و«جماعة الحوثيين» فى اليمن، إلى جانب الجماعات الشيعية فى العراق وسوريا.
إلى أين وصلت هذه التوترات فى الوقت الحالى؟ وهل يمكن أن تصل بنا إلى «حرب إقليمية شاملة» قريبًا؟ وكيف تستعد إسرائيل لكل ذلك؟... أسئلة نحاول الإجابة عنها فى السطور التالية.
تل أبيب تستعد لـ«الرد الانتقامى» بدعم أمريكى.. و«اتفاق غزة» الخاسر الأكبر
غيرت إسرائيل قواعد اللعب فى الشرق الأوسط بحملة الاغتيالات الأخيرة، التى طالت إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس» الفلسطينية، والقيادى العسكرى فى «حزب الله» اللبنانى، فؤاد شكر. وتعهد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله على خامنئى، بالانتقام لمقتل «هنية»، خاصة أنه وقع فى العاصمة طهران، وبعد مشاركة قائد «حماس» فى تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد.
وبطبيعة الحال يرغب «حزب الله»، أيضًا، فى الانتقام من مقتل «شكر». كما أن «الحوثيين» فى اليمن سيشاركون فى أى انتقام تخطط له إيران، وهو ما تسير عليه الجماعات المسلحة الموالية لطهران فى العراق وسوريا.
وبدأ التنسيق بين هذه الجماعات بالفعل منذ منتصف عام ٢٠٢٣ على الأقل، تحت رعاية الحرس الثورى الإيرانى، قبل أن توفر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فرصة أكبر لتعزيز هذا التنسيق والتعاون.
أما «حماس» فتحتاج إلى بعض الوقت لإعادة تجميع صفوفها، بعد مقتل قائدها الأول إسماعيل هنية، لكن فى الوقت نفسه لن تغير الحركة كثيرًا من سياساتها أو نشاطها، خاصة بعد تنصيب يحيى السنوار قائدًا لها، لأنه الرجل الذى كان يديرها فى الأساس منذ بداية الحرب الأخيرة.
فى المقابل، لا تزال إسرائيل تستعد لرد إيران و«حزب الله». ورغم أن التقارير تؤكد عدم إبلاغ واشنطن بخطة قتل «هنية»، رغم أن الرئيس الأمريكى جو بايدن استضاف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى البيت الأبيض قبل أيام قليلة من الاغتيال، فإن هذا لن يؤثر على الدعم الأمريكى المعتاد لتل أبيب، خاصة لإحباط الهجوم الإيرانى المرتقب.
ويظهر ذلك فى توجيه «بايدن» بإرسال المزيد من السفن الحربية والطائرات إلى المنطقة، مع تعاون الضباط العسكريين الأمريكيين مع نظرائهم الإسرائيليين لمواجهة مثل هذه الضربة، تمامًا كما فعلوا فى أبريل الماضى، عندما أسقطوا قرابة ٣٠٠ صاروخ وطائرة دون طيار أطلقتها إيران على إسرائيل.
فى ظل هذه التوترات على كل الجبهات، لا يبدو أن هناك شكًا فى تأثير عمليات الاغتيال الأخيرة على صفقة وقف إطلاق النار، التى تحاول كل من مصر وقطر والولايات المتحدة التوصل إليها بين إسرائيل و«حماس».
هذه الحقيقة عبّر عنها رئيس الوزراء القطرى، محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، عندما كتب على موقع «X»، بعد وقت قصير من اغتيال «هنية»، أنه «من المستحيل التفاوض على وقف إطلاق النار إذا كان أحد الطرفين يغتال مفاوضى الطرف الآخر».
رغم ذلك، من الصعب اعتبار أن اغتيال «هنية» وحده هو ما عطل الصفقة، فبينما يشدد قادة الاحتلال على أن جميع قيادات «حماس» بمثابة «أموات يمشون على الأرض» بالنسبة لهم، وأن الصفقة المرتقبة لن تثنيهم عن اغتيال هؤلاء القادة فى لحظة ظهورهم، عجز المفاوضون فى المقابل عن إقناع «حماس» بالموافقة على وقف إطلاق النار، على مدار أشهر عديدة من المفاوضات.
والواقع أن ما أثير حول مقتل القائد العسكرى لـ«حماس»، محمد الضيف، قبل نفيه بعد ذلك، إلى جانب مقتل «هنية» بطبيعة الحال، يؤكد أن الإسرائيليين جادون فيما يهددون به، وأنهم عازمون على الانتقام من قادة «حماس»، بصرف النظر عن أى مفاوضات.
يتزامن هذا الموقف الصارم من الطرفين مع وجود نقاط خلاف عديدة فى الاتفاق المرتقب لوقف إطلاق النار، فالمرحلة الأولى من الصفقة المكونة من ٣ مراحل تدعو «حماس» إلى تسليم ٣٣ رهينة، مقابل إطلاق إسرائيل سراح عدد من الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، خلال فترة توقف للعمليات العسكرية لمدة ٤٢ يومًا.
لكن «نتنياهو» يصر على عدم احتساب رفات الرهائن الذين ماتوا فى غزة، ضمن إجمالى عدد الأسرى المقرر إعادتهم. كما أنه يصر على احتفاظ إسرائيل بحق «النقض» ضد نحو ١٠٠ فلسطينى يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد، ولن يكونوا مؤهلين للإفراج عنهم، مع إمكانية أن تشترط تل أبيب ذهاب نحو ٥٠ آخرين إلى المنفى، بدلًا من العودة إلى غزة.
ولا تزال إسرائيل تصر على الاحتفاظ بالسيطرة على «ممر فيلادلفيا»، بداعى «منع الأسلحة والمسلحين من دخول غزة»، إلى جانب مطالبتها بـ«آلية لمنع مقاتلى حماس من السفر من جنوب إلى شمال القطاع»، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا يعنى وجود نقاط تفتيش من عدمه.
وبينما ستنسحب القوات الإسرائيلية إلى محيط غزة بموجب خطة وقف إطلاق النار، قال مسئول إسرائيلى إن «إسرائيل تعتبر رفح جزءًا من هذا المحيط، وهو ما يعنى أن قواتها ستبقى هناك».
وتشدد إسرائيل كذلك على أنه «فى حين يتفاوض الجانبان خلال المرحلة النهائية من وقف إطلاق النار، تستطيع أن تختار الانسحاب من المحادثات، إذا لم يُحرز تقدم نحو حل دائم، وبالتالى استئناف الحرب»، وفق تقارير صحفية عبرية.
طهران تخطط لـ«الحلقة النارية».. وخطة بديلة لتأمين المنشآت النووية من الهجمات المحتملة
الخطوة التالية التى قد تتخذها إيران قد تكون حاسمة فى تحديد ما إذا كان الشرق الأوسط سينزلق إلى فوضى وحرب شاملة من عدمه، خاصة بعد الظهور التدريجى لإيران كقوة بارزة فى المنطقة عقب «هجوم ٧ أكتوبر».
فمنذ ذلك الوقت، أصبح ما يسمى «محور المقاومة» الإيرانى، المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، والذى يضم جماعات عسكرية فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتدعمه كل من الصين وروسيا- يتحرك بشكل علنى على نحو متزايد، ويشكل المزيد من التهديد لإسرائيل والغرب. ورغم ظهور العديد من الجبهات المحتملة والقريبة من الاشتعال، تعد جبهة «الرد الإيرانى على اغتيال هنية فى طهران» هى الأكثر إثارة لاهتمام إسرائيل، وفقًا لتقارير صحفية عبرية.
ورغم أن بعض الإسرائيليين يأملون فى أن «تكون إيران قد استخلصت العِبَر من هجومها بالصواريخ والمسيّرات على إسرائيل، فى ١٤ أبريل الماضى، بعدما اعترضه بالكامل تقريبًا تحالف إسرائيلى أمريكى»، إلا أن البعض الآخر يقول إن هجوم إيران هذا كان لإظهار قوتها فقط، وليس لإلحاق «الأذى الحقيقى» بإسرائيل، مشيرين إلى أن قادة إيران يتحدثون حاليًا عن «رد حقيقى على اغتيال هنية».
ويرى محللون إسرائيليون أن تصريحات الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، فى جنازة فؤاد شكر، الذى كان يملك العديد من المعلومات الحساسة والمهمة للغاية- تعكس تخطيط إيران لهجوم مشترك مع جميع عناصر «محور المقاومة»، الذى يشمل «الحوثيين» فى اليمن، والميليشيات الشيعية «الحشد الشعبى» فى العراق، والميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية الموجودة فى سوريا، وعناصر «الحرس الثورى» المتمركزة فى سوريا، وربما أيضًا «حزب الله».
وحسب ما قاله هؤلاء المحللون، يتمثل هدف إيران فى مهاجمة إسرائيل من عدة اتجاهات، من ٣٦٠ درجة محيطة بها، مع الاهتمام فى الوقت ذاته بإغراق أنظمة الإنذار التابعة للدفاع الجوى الإسرائيلى والتحالف الأمريكى بعدد كبير جدًا من الصواريخ والطائرات من دون طيار، القادمة من جميع اتجاهات «الحلقة النارية» التى سيشكلها الإيرانيون عبر أذرعها حول إسرائيل.
وفيما يتعلق بـ«حزب الله» تحديدًا، يفترض الإسرائيليون أن إيران لا تريد أن يطلق التنظيم اللبنانى صواريخه الثقيلة فى اتجاه إسرائيل، وربما هذا السبب وراء انتشار أنباء حول أن «حزب الله» سيتأخر فى الرد. ويأتى ذلك التوجه لإدراك إيران أن الصواريخ الباليستية الثقيلة ذات الرءوس الحربية، التى يبلغ وزنها نصف طن وأكثر من المتفجرات، وتبلغ مداها المئات من الكيلو مترات، ستؤدى إلى ردة فعل إسرائيلية قوية وشاملة ضد جميع الأراضى اللبنانية، وهذا ما لا يريده الإيرانيون.
ووفقًا لوجهة النظر الإسرائيلية تلك، ترغب إيران فى أن يحتفظ «حزب الله» بترسانته من الصواريخ والطائرات من دون طيار الثقيلة والرئيسية، من أجل مواجهة ممكنة مع إسرائيل، إذا هاجمت الأخيرة المنشآت النووية فى طهران. لذا، من الممكن أن يشارك «حزب الله» فى الضربة التى سينفذها «محور المقاومة» ضد إسرائيل، لكن ليس بكل قوته، وليس خارج شمال إسرائيل.
وفيما يتعلق بأسباب تأخر الرد، ترى وجهة النظر الإسرائيلية أن ضربة مشتركة كهذه من جانب إيران وأذرعها تتطلب تخطيطًا وتحضيرًا دقيقَين، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا لتوزيع الأهداف، وتحديد أنواع الصواريخ والطائرات من دون طيار، خاصة أن «أذرع إيران» متباعدة عن بعضها بمئات الكيلومترات.
ويتزامن ذلك مع تدخل أطراف كثيرة فى المنطقة للضغط على إيران لمنع الرد المرتقب، وإنهاء الحرب بين إسرائيل و«حماس»، ومحاولة تجنب تصعيد الصراع الإقليمى الدائر، وسط تكهنات قوية بفشل هذه الجهود، فى ظل تمسك طهران بالانتقام، ومواجهة إسرائيل لذلك بالتحدى.