(شبه الدولة) التى قصدها السيسى ودافع عن بقائها مصريون!
(1)
فى يومٍ ما تحدث الرئيس السيسى عن «شبه الدولة» التى كانت قائمة فى مصر، وحدد رؤيته فى وجوب خروج مصر من هذه المرحلة إلى مرحلة «الدولة». فهاجمه البعض، وسخر من عبارته البعض الآخر. ولم يكن الهجوم على الرجل أو السخرية من عبارته بريئا، وإنما كان ذلك تحديدًا دقيقًا لموقع وموقف كتل كثيرة من المصريين- فى السنوات التالية لتصريح الرئيس- من جهوده لتنفيذ رؤيته. لقد كان الهجوم عليه هو بدءُ دفاعٍ ضمنى مستتر أو سافر عن بقاء شبه الدولة.
«كلنا فاسدون..لا أستثنى أحدا!» مقولة الفنان أحمد زكى التى خلّدها فيلمُه «ضد الحكومة» أراها حاضرة بقوة فيما أنا بصدد الخوض فيه. فها أنا ذا- بصفتى أحد المشمولين بضمير «نا الفاعلِين» فى «كلنا»– أقوم بالتطوع بالإدلاء بشهادتى عن مشاركتنا جميعا فى تكوين «شبه الدولة» فى عصر مبارك، إما بالصناعة الفعلية لها- فى حالة صناع القرار بمختلف مواقعهم ومناصبهم - أو بالاستمراء والقبول والاستحسان والانتفاع فى حالة كثيرٍ من عوام المواطنين!
الفوارق بين الدولة وشبه الدولة شاسعة جدا، تتمدد فى كل المجالات والأركان من اقتصاد وسياسة وقوانين وفنون ورياضة، ولكل مجال منهم رجالٌ ومدافعون، بل ومقاتلون من أجل بقاء شبه الدولة، أو من أجل إقامة دولة حقيقية. لقد تدشنت شبه الدولة فى مصر بعد نصر أكتوبر بسنوات قليلة وتحديدا مع بدايات الثمانينات. وحتى نكون منصفين، يجب القول إن تدشينها الأول لم يكن مقصودًا أو متعمدًا فى بداياته الأولى، وإنما جاء عفويًا- وبصورة أقرب للإجبار - نتيجة اجتماع ظروف سياسية كثيرة، معظمها لم يكن محليا وإنما نتيجة لخروج مصر من جولات حروبها منهكة اقتصاديًا، وتواطؤ الأشقاء عليها بحملة المقاطعة العربية الظالمة الوقحة، واستهدافها غربيًا بنشر وتشجيع وتمويل الجماعات الإرهابية الدينية. ثم أضيف لكل ذلك ونتيجة له خروج مئات الآلاف من الكوادر المصرية المتعلمة للبحث عن فرص عمل خارج مصر ما أوجد حالة فراغ عقلى بجانب المحنة الاقتصادية والتحديات الخارجية. كان يلزم لمواجهة ذلك أن يتمتع الذين يقودون مصر برؤية عميقة وإرادة حديدية وطول نفس وأن يتمتع المواطنون بوعى شعبى بحقيقة المشهد وإرادة شعبية تتخلى عن الأنانية الفردية وتطمح لبناء وطن ولعدم السقوط فى الفخ. لكن لم تتوفر كل تلك الشروط مجتمعة فى ذلك التوقيت، فسقطوا جميعًا فى الفخ، أو لنقل سقطنا جميعًا فى الفخ، وأسقطنا مصر معنا أسيرة لشبه الدولة التى أقمناها صنعا أو استمراءً!
(2)
قرر النظام السياسى أن يدير مصر كموظف يريد فقط أن يستف أوراقه نظريًا حتى تنقضى سنوات وظيفته وتحين لحظة خروجه على المعاش أو إلى القبر! وبقراره الضمنى هذا قرر أن يضع بيده اللبنات الأولى لهذا الأخطبوط– شبه الدولة– وأن يمكنه من الالتفاف على جسد مصر. أصبحت الرشوة والفساد وإقامة اقتصاد دولة كبرى كمصر خارج المنظومات الرسمية من حقائق المشهد، وتزامن ذلك مع رشوة المواطنين بإطلاق العنان لهم «للتهليب»، كلٌ فى موقعه ومهنته خارج منظومات ضريبية منضبطة عادلة. المهم فقط أن يكون لديك عدة أوراق رسمية ممهورة بخاتم النسر! ملايين المصريين كانوا يمارسون التجارة دون أن يدفعوا أى مستحقات للدولة. عمليات بيع وشراء مهولة يوميًا لا علاقة للدولة بها بدءًا من الباعة الجائلين وصولًا إلى حيتان احتكار جميع السلع، مرورا بطبقات المنتفعين الوسطى الذين أثروا وكونوا ثرواتٍ طائلة لم تملك شبه الدولة أى آليات لسؤالهم عن مصدرها أو اقتطاع ما يتم اقتطاعه فى اقتصاديات الدول الحقيقية من مستحقات. لا فواتير «مسريلة»، وإنما ما تجود به عبقريات المحاسبين فى نهاية العام. أرباح مليونية، وقت أن كان سعر الدولار أقل من ثلاثة جنيهات. أصحاب المهن الحرة – وأنا منهم– كنا ننتظر نهاية كل عام تقديرًا عشوائيًا من هيئة الضرائب، ثم نقوم بالاعتراض عليها أكثر من مرة حتى يتم التوافق على دفع مبلغ معين ويكون الجميع راضيًا، الموظف الذى ستف أوراقه، والممول الذى يعلم يقينا أن ما دفعه ليس إلا مصاريف نثرية ولا ترقى قيمته إلى فكرة ضريبة! تشارك فى هذا كل أصحاب المهن الحرة ممن يمارسون نشاطًا تجاريًا مثل التجارة والطب والمحاماة والسياحة من إرشاد وشركات سياحة ونقل سياحى وكل أصحاب المشاريع متناهية الصغر أو متغولة التمدد ضخمة القيمة!
(3)
فى رحاب شبه الدولة كنتُ شاهدًا على مشاهد هزلية كبرى.. طبيب شهير كان يقدم إقراره الضريبى العشوائى الذى قرره الموظف بكشف واحد يوميًا. كان الطبيب يجادل فى ذلك جدلًا كبيرًا ويريد خصم أيام العطلات الأسبوعية، بينما كنت أعلم يقينا– لسابق ترددى على عيادته – أن عدد الكشوف يتجاوز يوميًا الأربعين كشفا على أقل تقدير منقسمة على فترتين! أتعاب محاماة كبرى ورسوم عيادات باهظة ودخول لشركات سياحة وشركات نقل وخدمات سياحية لا علاقة للدولة بها. هذا فيما يخص من لديهم سجلات تجارية بالفعل، أما من يمارسون أنشطتهم بدون أية أوراق إطلاقًا فحدث ولا حرج! يقابل كل شركة لها أوراق– حتى لو كانت أوراق هزلية عبثية– شركات موجودة تحقق مكاسب ولا أوراق لها أى لا وجود رسمى لها! فى مجالنا كانت هناك مصطلحات مثل شركات بتطلب البطاقة الضريبية وشركات لا تطلبها فى نفس الدولة! ومن هؤلاء المعلمون الذين قرروا القيام بإعارات محلية داخل مصر.. إعارات يومية يتنقلون فيها بين البيوت والشقق وأخيرا السناتر ولم ينافسهم فى أرقام أرباحهم فى أحد الأعوام إلا تجار المخدرات، وكلا النشاطين غير رسمى، وغير مشروع، ولا يقوم أى ممارس لأحدهما لا باستخراج سجل تجارى أو بطاقة ضريبية!
من تجليات شبه الدولة أنه كان يمكنك وضع العربة أمام الحصان! فى يومٍ ما قررت عمل مشروع تجارى عبارة عن محل، وفكرت بطريقة طبيعية أن أبدأ أولًا بالأوراق الرسمية. اكتشفتُ دهاليز شبه الدولة وكم كنتُ مغرقا فى السذاجة. ففى مصر وقتها كان الناس يبدأون نشاطهم ويحققون أرباحا لمدة قد تصل لسنوات، ثم يبدأون فى تستيف الأوراق عن طريق جيشٍ من منتفعى الموظفين الذين يملكون قدرات سحرية على منحك حافظة أوراق تثبت أنك على الصراط التجارى المستقيم! ورغم أن شبه الدولة كانت كريمة جدًا فى منح كهربتها لأصحاب الأنشطة التجارية بأسعار زهيدة، لكن هذا لم يكن كافيًا، فهناك دائمًا من يعرض عليك «تصفير العداد»– منزليًا أو تجاريًا- فى أية مرحلة حتى بعد سنوات استهلاك فيعود عدادُك الكهربائى كأنه رضيعٌ لم يفُطم بعد! وإن أغراك ضميرُك وزين لك الرفضَ ففجأة سوف تغلق أمامك الأبواب الطبيعية وسوف تدور فى تيه كبير فتصبر حتى تُرضى هذا الضمير أو تلعنه وتعلن ندمك على تمردك على قوانين شبه الدولة! خرجت من التجربة بتحقيق سبق تجارى فى بر مصر، أننى الوحيد الذى قمت ببيع محلٍ تجارى– بعد توقف السياحة بعد أحداث يناير– بأقل من ثمنه!
النشاط الأوحد الذى رأى المصريون أن عليهم التأكد من إبلاغ الدولة به بكل أمانة وتجرد هو النشاط الإنجابى. يلهثون من اليوم الأول للتأكد من سلامة كل الأوراق حتى يحصل الرضيع تلو الرضيع على حقوقه المجانية كاملة، ويحاولون الحصول على أقصى ما يستطيعون باسم هذا الرضيع حتى أن بعضهم حاول الحصول على شقق سكنية مدعمة لأبنائهم الرضع، بينما كان شبابهم يعانون أزمة سكن! يخفون كل أرباحهم الحقيقية ويمارسون أنشطة لا تعلم عنها الدولة شيئًا، لكنهم فيما يتعلق ببيانات المواليد لا ينطق أى لسان بأى كذب!
(4)
كانت «شبه الدولة» كريمة مع الجميع..مع التجار والمواطنين بمختلف مهنهم، وأيضًا مع رجال الدين. فكما أتاحت للمواطنين القيام بأنشطتهم التجارية والمهنية خارج دفاترها وأوراقها نظير الصمت، فقد أتاحت لرجال الدين التمتع بمساحات حرية غير مسبوقة فى استغلال دور العبادة فى نشر ما يريدون من أفكار متطرفة وضعت من هذه الدولة هدفا دائما للهجوم والتكفير أحيانا. الكل مرضِى! النظام لا يكترث لا بمكانة مصر ولا مستقبلها، والمواطنون يستمرأون هذا وأصبحوا منتفعين من وجود شبه الدولة، ورجال الدين يمارسون نفوذهم على العامة وساهموا فى خلق ظهير شعبى كاسح رأيناه يصوت للجماعة الإرهابية الأم. غض رجال الدين الطرف عن دورهم الأساسى فى تهذيب أخلاقيات المواطنين، ولم يمثل ذلك أولوية لهم مقارنة بممارسة نشر الفكر الدينى السياسى.
الغريب أن أركان شبه الدولة قامت على الفساد المجتمعى الجماعى المتشارك به رجال الحكم والمواطنون فى نفس العقود التى كان لرجال الدين كل هذا النفوذ الشعبى. والأكثر غرابة أن ذلك لم يلفت نظر الباحثين ويجلعهم مثلًا يقومون بدراسات تقييمية لدور رجال الدين فى تلك العقود من الناحية المجتمعية الأخلاقية ومدى فشلهم أو تقاعسهم من الأساس عن التصدى لهذا الدور. هل فشلوا أم تقاعسوا؟ لو كان فشلًا فلماذا حدث ذلك الفشل مع التمتع بكل هذه المساحات من حرية الحركة والسيطرة على الميكروفونات والمساجد والجمعيات والتواجد؟ أنا أعتقد أنهم قد تقاعسوا وجعلوا الاهتمام بالقضايا الأخلاقية والضميرية فى ذيل اهتماماتهم، وأن ذلك كان تواطوأ ضمنيا مع المواطنين. لقد خشوا مواجهة الناس فى القضايا الأخلاقية الضميرية والممارسات الاجتماعية، ورأوا أن منافقة الناس أسهل بكثير. اختصروا الأفكار الأخلاقية فى الهجوم على المرأة وفى تحريم الفنون!
لا أذكر أننى سمعت يومًا– فى تلك العقود – خطبة جمعة مثلا عن سرقة المال العام أو الكهرباء أو الرشوة أو تحريم دخول الدروس الخاصة أو تحريم التهرب من الضرائب، ولم يقم رجال الدين مثلا بحملات مواجهة لتعاطى المخدرات. بل على العكس تبنوا أحيانًا حملات مضادة لضرب محاولات الدولة اليائسة والبائسة وقتها للسيطرة على الانفجار السكانى. تبنوا حملات أو رؤى أو توجهات لتحريم فنون كان يمكنها أن تمثل توازنًا أخلاقيًا مع قيم شبه الدولة المنهارة المتداعية أخلاقيًا! فترقيق المشاعر بالفنون يرتقى بالضمير والأخلاق كما أثبتت العلوم الحديثة. من تداعيات ونتائج تهافت شبه الدولة أمام تغول نفوذ رجال الدين وسيطرتهم المجتمعية أن حمل المصريون جماعةً إرهابية لحكم مصر فكان لذلك ثمنًا باهظًا.. ثم بعد أن استفاق بعضهم وأرادوا الخلاص من خطيئتهم كان لهذا الخلاص أيضًا ثمنًا باهظًا، وفى كلتا الحالتين كان عليهم بصفتهم مواطنين أن يساهموا فى دفع الثمن من أسعار ما يأكلون ويشربون ويلبسون!
(5)
طبقة الموظفين فى شبه الدولة مرت بعدة تحولات أخلاقية. وجدوا أنفسهم فجأة خارج منظومة الربح الكبرى التى منحتها شبه الدولة لباقى مواطنيها. ومع تدنى مرتباتهم واشتراكهم فى صفات كثرة الإنجاب بدأ التحول التدريجى على استحياء، ثم ما لبث أن جعلهم بعد سنوات قليلة – نهاية التسعينيات – يشكلون ركنًا أصيلًا وقويًا من أركان شبه الدولة. رأى بعضهم أنه من تمام العدل أن يخلقوا لأنفسهم موارد توازى ما كان يحصل عليه باقى أصحاب المهن الأخرى وهم لا يستطيعون الحصول عليها بسبب قيود الوظائف الحكومية. بعضهم– وبشكل جدى حقيقى– لم يكن يرى أن ما يحصل عليه من المواطنين حرامٌ إطلاقًا وإنما هو من باب الإكراميات المتعارف عليها فى القطاعات الخاصة الأخرى. أحدهم أخبرنى سألنى يوما ألا تقوم بدفع إكرامية حين تجلس على مقهى؟! ما نحصل عليه هو كذلك! وآخر فى نهاية التسعينيات قال لى إنه يحصل على حقه من المنبع– حين كنتُ أحاول إقناعه بأن سرقة تذاكر بعض المواقع الأثرية حرام!
برزت عبقرية الموظفين فى قدراتهم على تفسير مواد القوانين ولوائحها التنفيذية بالشىء وعكسه! فالموظف يمكنه أن يجعل من أى قانون إدارى عقبة كبرى أو أن يجعله كخيوط العنكبوت! ولقد كان لى تجاربى الخاصة عبر السنوات التى جعلتنى أحيانًا أنبهر بهذه القدرات العبقرية حتى لو كانت شرا وفسادا خالصَين! موظفون أصبحوا من الأثرياء فى سنواتٍ قليلة وما أسهل أن تكون الثروة باسم الابن أو الابنة أو الزوجة. اتفق الجميع أن «الحرامى وشيلته» وأومأت شبه الدولة برأسها استحسانًا لذلك المبدأ. فمن يسقط سوف تعلق فى رقبته كل الأجراس، ومن تحميه عبقريته نجا من إدانة الحياة الأولى! بلغت عبقرية موظفى شبه الدولة أنهم استطاعوا التحكم فى الحاسب الآلى فى بدء ظهوره فى بعض المصالح. فكانت مثلًا قٌرعة توزيع الأراضى أو الشقق السكنية عن طريق شبه الدولة- والتى تداخل فيها الحاسب الآلى وقتها- خير شاهدٍ على تلك العبقرية! الفكرة كانت بسيطة.. تغذيته بمعلومات مغلوطة تقود إلى نتائج معينة. حتى قررت شبه الدولة على غير عادتها فى إحدى المرات أن تقوم بلعبة خشنة مع الجميع، وبعد أن تم توزيع الغنيمة بالحاسب الآلى على المواطنين حسبما تمت تغذيته من معلومات أعلنت إحدى المحافظات عن استبعاد مئات المواطنين من هذه الشقق وقامت بما يشبه فضيحة بنشر قوائم الاستبعاد بالأسماء وأسباب الاستبعاد على أبواب ديوان المحافظة! من تجليات قوة هذا الركن من أركان شبه الدولة هو غرس الآف العمارات السكنية الشاهقة المخالفة فى كل محافظات مصر على مسمع ومرأى من كل القيادات المحلية، وبعض تلك الأبنية لا يبعد أمتار عن مقار تلك القيادات! ثم يُفتح الصنبور ببدء المساومات على ما تمت إقامته من منشآت مخالفة! كانت بعض عمليات الإزالة النادرة إعلانًا عن فشل المساومات أو من باب إعلان النفوذ!
(6)
رجال الأعمال قطعًا كان لهم نصيب الأسد فى هذا الكيان الأكبر- شبه الدولة- وشكلوا خاصة فى العقد الأخير من حكم مبارك قوة اقتصادية هائلة رأت فى نفسها فى مرات كثيرة القدرة على ابتزاز هذا الكيان. ولقد نجحت بالفعل فى ابتزازه وحصلت- أحيانًا رغمًا عنه- على صفقاتٍ كبرى أشبه بالهبرات لا بالعمل الاقتصادى المشروع! برزت فجأة قائمة منهم شكلت شلة الطفل المعجزة والذين سيطروا فجأة على المشهد الاقتصادى. آلاف الكيلومترات من أراضى الدولة الساحلية تم منحها تقريبًا بالمجان لبعض أفراد هذه الشلة. وبعضهم استولوا على شركات ومصانع القطاع العام بعد إعلان خسائرها وأنها مشاريع غير منتجة. بعض رجال الأعمال عادوا لمصر فى مشاهد علنية معروفة السيناريو، وبعضهم عاد فى مشاهد غامضة. لكن المصريين رأوهم فجأة. من هؤلاء كان رجل الأعمال الأشهر وبعض إخوته. رجل الأعمال هذا فى السنوات الأخيرة عرف عنه محاولة استعراض خفة ظله عبر منصات بعينها. يطل علينا من وقتٍ لآخر للتعريض بقرار من قرارات الدولة. حاول فى سنوات ما بعد ثورة يونيو أن يرسم لنفسه صورة رجل الأعمال راعى الفنون والأدب وأسبغ كرمه على بعضهم بمنحهم الجوائز والألقاب الفنية والأدبية. ويحب أن يقدم نفسه كرجل أعمال وطنى و«ابن بلد». رحلة ثراء العائلة معروفة فى معظم حلقاتها عدا حلقة واحدة غامضة وهى مرحلة ما بعد الخروج من ليبيا! كيف أصبحت الأسرة فى بلاد العم سام بهذا الثراء؟ على الأقل عوام الناس فى مصر لا يعرفون الإجابة! تم اتهام واحدة من شركاته فى فترة الضباب السياسى بعد أحداث يناير باتهامات غير تقليدية على علاقة بالدولة اللقيطة. بعض المصريين يحبون تلقيبه بميكى ماوس ردًا على تغريداته خفيفة الظل!
هذا الرجل يمثل نموذجًا مثاليًا لأركان شبه الدولة فى نظام مبارك. حصل على عقود احتكارية لمدة سنوات لتقديم خدمات اتصالات غير مسبوقة فى مصر بأسعار احتكارية منفردًا فى السوق المصرى. وحصل مثل غيره على تسهيلات غير محدودة فى أسعار الخدمات المقدمة له من شبه الدولة. ونصيبه من دفع الضرائب لم يكن يتناسب مع حجم ما جناه من أرباح ومكاسب فى مصر.
(7)
الفن لم يكن غائبًا بالقطع عن شبه الدولة. لقد قامت صناعة السينما بالتخديم على دور كل ركن من أركان شبه الدولة بطريقة ترضى الجميع. كومة من الأفلام لمشاهير النجوم صبت جميعها فى اتجاه تدشين فكرة واحدة..البطل شخصية تافهة أو حرفيا «صايع وعاطل» يصب غضبه على الدولة الظالمة الفاسدة ويستبيح لنفسه كل شىء. تدشين دور الضحية لأى مواطن كسول لا يمتلك أى مؤهلات حقيقية للحصول على فرصة عمل حقيقية. فاشل فى التعليم ولم يتعلم أى مهارات يدوية يحصل على شهادة ورقية بحصوله على مؤهل عالٍ لا يحتاجه سوق العمل ثم يبدأ فى تقمص دور العالم النابغة الذى لا تقدره مصر حق قدره! وتصبح قمة طموحه الحصول على عقد عمل للسخرة فى دول البترول. أو لا بأس من النهايات السعيدة بأن تقع فى غرامه فتاة غنية متعلمة جميلة ابنة رجل أعمال من هؤلاء الذين لا يتوقف البطل التافه عن الحقد عليهم طوال الفيلم! من أسوأ الأفلام التى جسدت ذلك بشكلٍ فظ هو الإرهاب والكباب الذى جعل فجأة كل المتواطئين من أركان شبه الدولة ضحايا، وجعل عاهرة تستبيح لنفسها أن تلقى بأنبوبة بوتاجاز مشتعلة فوق جنود شرطة أتوا لتحرير مواطنين مصريين من قبضة مسلحين فى مجمع التحرير! هذا الفيلم هو النموذج الأمثل لتخديم الفن على فكرة فاسدة منافقة للمشاعر الغوغائية الكاذبة. الموظفون الفاسدون الذين جعلوا من المواطن إرهابيًا فى لحظة يتحولون فجأة إلى ضحايا للدولة! لقد تورط بكل أسف معظم النجوم فى هذا السقوط وقدموا أعمالًا نجحت جماهيريًا لكنها ساقطة فكريًا وأخلاقيًا وضميريًا.
(8)
من أهم أركان شبه الدولة هو هذه الترسانة من القوانين غير المنطقية وغير العادلة. كل قانون معه ما يمكن أن ينزع فاعليته، أو أن يجعل منه سيفًا باترًا. من القوانين الغريبة فى مصر - الدولة التى تعانى انفجارًا سكانيًا يقابله عجزٌ فى عدد المعينيين من المعلمين والأطباء- أن هناك مواطنين يجمعون بين وظيفتين، إحداهما حالية شرعية فى وقتها، بينما الأخرى مثل المحظية يطأها كلما عنّ له ذلك! مواطنون يحتفظون بوظائف شاغرة يعودون إليها وقتما شاءوا! لقد فوجئت بهذه الظاهرة فى المجال السياحى. موظفون يحصلون على إجازة بدون مرتب لمدة معينة لكى يعملوا بمهنة الإرشاد السياحى مثلًا، ثم يعودون وقتما شاءوا لتلك الوظائف التى يُحرم من شغلها عاطلون، أو يتم الاستغناء عنها والتخفيف عن كاهل الدولة هذه الأعباء. مرشد سياحى مثلا قطع إجازته من الوظيفة الحكومية وقت أزمة وباء كورونا بينما بقى المرشدون السياحيون بلا عمل. أى منطقٍ عبثى هذا فى وطن يعانى من تخمة وظائف حكومية حتى أنه يعجز عن تعيين أطباء ومعلمين يحتاج إليهم بالفعل؟! هذه قوانين فاسدة يجب أن يتم تغييرها ويجب أن يسقط حق أى مواطن فى شغل أى منصب حكومى حين يعمل بمهنة أخرى بشكلٍ منتظم. هذه الدرجات الوظيفية لا حاجة لمصر بها- بدليل غياب شاغلها عنها لمدة سنة أو سنوات- والأولى أن يتم توجيهها إلى مجالات تحتاجها مصر بالفعل مثلما ذكرت عن المعلمين والأطباء والممرضين.
من جملة قوانين شبه الدولة هذا العبث فى قوانين القتل الخطأ فى حوادث السير والتى ألحقت بمصر عارًا أخلاقيًا بوضعها فى الدول الأكثر خسائر فى الأرواح نتيجة تلك الحوادث. أليس الذى يتخذ قرارًا بالقيادة مخمورا وبأقصى سرعته وفى اتجاه مخالف مثلًا هو بالفعل قاتل متعمد محتمل؟!
قوانين من أين لك هذا التى تم تجميدها طوال عصر شبه الدولة أليست أولى بالتفعيل الآن؟
قوانين التصالح على جثة أراضى مصر الخضراء هى قوانين قاتلة ساهمت فى وأد أعز ما تملكه مصر وهو واديها ودلتاها الخضراوَيَن!
(9)
ما سبق كان وصفًا سريعًا من أرض واقع مصر فى عقود تدشين شبه الدولة. تكونت بالفعل كتلٌ من أصحاب المصالح والمنتفعين منا نحن جميعا كمصريين. كنا نلعن نظام مبارك وفساده، ونحن جميعا منتفعين من هذا الفساد. كل الذين عاصروا تلك العقود تنطبق عليهم مقولة أحمد زكى.. كلنا فاسدون ومن أركان شبه الدولة، صنعًا أو صمتًا وتواطأ وانتفاعًا! أطلق الرئيسُ السيسى عبارته التى كان قطعا يدركها جيدا ويعرف عما يتحدث، فانطلقت حملات الهجوم عليه من كثيرين. لن أتحدث عن قطعان ولجان الجماعة المارقة لأنها من المتوقع أن تكون حاضرة بقوة فى أى مشاهد تسىء لمن قهر إرهابها. لكن هناك فئاتًا كثيرة من المصريين لا ينتمون للإخوان، بل وبعضهم يكرههم بشكل حقيقى، لكنهم اتخذوا نفس موقف الجماعة. تجلس مع أحدهم فيكون حديثه منطقيًا فى معارضة أى فكر إرهابى ويؤيد مدنية الدولة، لكنه يبدأ الانتقاد من نقطة واحدة وهى الأسعار والاقتصاد. سرعان ما ينزلق الحديث إلى أن إدارة السيسى مسئولة عن الأسعار وهبوط قيمة الجنيه ومعاناة المواطنين ويستعرض ما تتعرض له هذه الفئة أو تلك من مصاعب. دعونا نتفق أن هناك معاناة اقتصادية شعبية. هذه حقيقة لا ينكرها ذو عقل. لكننا نختلف على تفسير خلفياتها وعلى تحديد المسئولين الحقيقيين عنها.
وأحيانًا أختلف مع بعضهم على تفسير كلمة معاناة، وهل كلها معاناة حقيقية أم أن بعضها مستحقاتٌ عادلة استمرأنا عدم القيام بها، فلما أتى مَن يلزمنا بها تململنا وأضفناها لقائمة المتاعب والمعاناة؟! فلننحى أى جدل عن وجود معاناة من عدمه لأننا نتفق على وجودها. ولنعرج بالحديث عن الذين قاوموا دعوة الرئيس لإقامة دولة تحت زعم أن إجراءات هذا التحول هو ظلم دولة لشعبها، ولكى أكون واضحًا، فإننى لا أبرؤ نفسى أو أستبعدها من عبارة أحمد زكى! فى شهادتى أقول، أننا كأصحاب مهن حرة- مثل آخرين- أصبحنا بالفعل من أصحاب المصلحة ومن المنتفعين بوجود شبه الدولة. وأن بعضنا وقف ضد إجراءات وخطوات تحويل مصر إلى دولة حقيقية. كنا نصرخ ونتململ مع كل خطوة رقمنة تقوم بها الدولة فى سبيل نقل الاقتصاد المصرى من خانة الاقتصاد الموازى وأحيانًا التهليب إلى خانة الشفافية الاقتصادية حيث ترى الدولة عبر منظومتها الضريبية دخول مواطنيها الحقيقية أو حتى الأقرب للحقيقية وتلزمهم بسداد الضرائب مثل باقى الدول! كل فئة من أصحاب المهن الحرة تريد استثناء نفسها من أى إجراء ضريبى جديد! مؤسسات وشركات تحايلت لأطول فترة ممكنة دون الانصياع لتلك القرارات الضريبية. أروقة المحاكم بدرجاتها المختلفة شهدت قضايا كلها تصب فى اتجاه أحقية كل فئة- حسبما يعتقد أهلها- فى الاستثناء مما هو متفق عليه ومن المسلمات فى الدول الأخرى! كل مشاهد الضجر ضد هذه الخطوات والواردة من صفوف فئات مهنية عديدة كانت فى الحقيقة كأنها مواجهة بين شبه الدولة التى قصدها الرئيس وبين الدولة التى نشد إقامتها على أرض مصر. كل مشاهد الرفض الهادئة أو الصارخة كانت فى الحقيقة- وربما دون أن يقصد أصحابها - دفاعا من تكتلات مصرية كبرى عن بقاء شبه الدولة ودفاعا عن مكتسبات غير عادلة وأوضاعا شاذة لا تستقيم مع حديث نفس الرافضين عن آمالهم لبلادهم! وكانت تخليا فعليا عن مساندة الرئيس فى تنفيذ رؤيته بإقامة دولة حقيقية فى مصر.
(10)
استنفر الموظفون قرائحهم لابتكار دهاليز أخرى تُجهض بعض محاولات الرقمنة، بل وتمت من جانب البعض مضاعفة قيم الرشاوى وكأنهم يريدون تحقيق أكبر قدر من الأرباح قبل أن يستكمل الرئيس تنفيذ رؤيته ويحسم المعركة كاملة بانتصاره على شبه الدولة!
سخّر بعض رجال الأعمال- فى السنوات الأولى من ولاية السيسى وبمجرد أن أعلن رؤيته وهويته الوطنية والإدارية الطموحة- بعض لجانهم لشن حملات تشويه ضد الرجل والتسفيه من رؤيته والإلحاح على الظلم المجتمعى الذى سيقع على المصريين جراء برامج الإصلاح الاقتصادى والرقمنة للقضاء على الفساد الوظيفى. لجأ «ميكى ماوس» مثلًا إلى محاولات ابتزاز علنية معرِّضا بنشاط القوات المسلحة ومتهما إياها بمنع شركات القطاع الخاص من الاستثمار الحقيقى مما اضطر قيادة عليا للرد عليه وكشف حجم استثمارات مجموعاته فى نفس العام الذى كان يتحدث عنه! فى نفس العام شاهدت حوارًا تليفزيونيًا لشقيق ميكى ماوس من دولة عربية وهو يسبح بحمد تلك الدولة ويشيد بحكمة قيادتها وتشجيعها للاستثمار ويعرض بموقف مصر، وذلك بعد أن كشفت الصحف حجم مديونيات شركاتهم للضرائب المصرية، وبعض إصرار الدولة المصرية على تقديم الخدمات بسعرها الحقيقى التجارى للشركات والمصانع والأنشطة التجارية!
لم يكن رجال الدين فى رد فعلهم مختلفين عمن سواهم فيما يخص دعوة الرئيس لإنهاء عصر شبه الدولة فى مصر. فكما قلت، كان رجال الدين ركنًا مهمًا من أركان شبه الدولة هذه، بل لا أجدنى مبالغًا حين أقول أنهم ربما قاموا بأهم وأخطر الأدوار، وكانوا عاملًا مشتركًا فى كثيرٍ من القضايا المجتمعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية. لذلك لم يكن متوقعا أن تتجاهل رؤية الرئيس- للقضاء على شبه الدولة- فئة رجال الدين أو دورهم بشكل مؤسسى أو فردى. كان الرئيس واضحا ومحددا فى تحديد مسؤليتهم فى العقود السابقة وأنهم قاموا بأدوار تحتاج إلى تصويب. أطلق دعوته لتصويب الخطاب الدينى فى إطار الرؤية الشاملة للانتقال بمصر لمرحلة دولة مدنية حديثة حقيقية. وكما دافع كل المنتفعين عن شبه الدولة واستمرأوا وتمنوا بقاءها لما كانت تحققه لهم من مكاسب، فلقد دافع ضمنًا بعضُ رجال الدين عن موقعهم فى شبه الدولة بتململهم من دعوة الرئيس لتجديد وتصويب الخطاب الدينى، فكانت المشاهد التى نتذكرها جميعا على فترات متباعدة، حتى استطاعت مصر بتصميم قيادتها السياسية أن تحقق بعض النجاح بتأييد بعض ذوى الوعى من العلماء، وأذكر منهم د.مختار جمعة تحديدًا وبعض الكوادر الشابة التى انتقاها وأعدها بعناية واقتدار، وبقيت بعض العمامات الكبرى تتململ من وقتٍ لآخر وتحاول الإبقاء على شبه الدولة بممارسة بعض المواقف السياسية التى تبدو وكأنها تناطح موقف الدولة الرسمى!
(11)
هذه هى بعض حقائق ما حدث على أرض مصر. لقد قامت وتأسست شبه دولة وغرست أركانها بقوة فى تربة مصر وكونت لها مدافعين ورجالًا ومنتفعين من عوام الناس. ألقمتهم الطعم فالتقموه حتى التخمة ووجدوا أنفسهم فى النهاية فى خندقٍ واحد يدافعون عنها وعن بقائها، ويصفون دفاعهم هذا بمسميات غير حقيقية عن تجبر دولة السيسى، وكيف تحولت لدولة جباية! بعضهم كان لا يدرك أنه يدافع عنها حين كان يدافع عما يعتقد أنها من حقوقه فى عدم الالتزام مثلًا بالعمل فى إطار منظومة قانونية رسمية ويقدم تفصيلًا حقيقيًا لدخله. بعضهم يندهش من فكرة أن يكون للدولة أى حق فيما يحققه من مكاسب حين يقوم مثلًا بعمل نشاط تجارى أو سياحى «أونلاين» وهو لا يدرك بذلك أنه- وطبقا لقوانين كل الدول- يقترف مخالفة قانونية لأنه لا شىء بالمجان فى العالم. كم استمعت إلى مناقشات صاخبة تسب وتلعن فى ظلم وجور «دولة السيسى» لأنها تريد تقنين أنشطة الأونلاين وإخضاعها للمنظومة الضريبية مثلًا! دون أن يتوقف أحدهم للحظة ويسأل نفسه عن فكرة العدل حين يقوم هو بالحصول على أرباح دون تسديد أى مستحقات فى مقابل شركات مرخصة ملزمة قانونا بدفع أموال طائلة للقيام بنفس النشاط! لقد اكتشفت مؤخرًا أن كثيرًا من معارضى السيسى ممن هم فعلًا ليسوا من المنتمين فكرًا لجماعة الإخوان هم فى الحقيقة يستميتون فى معارضته دفاعًا عما يعتقدون أنه حقوق مكتسبة، ويعتبرون أن مجرد الاقتراب منها ظلمٌ وتجبر وجباية، بينما فى الدول الأخرى هذا الاقتراب هو من بديهيات الأمور!
كما اكتشفتُ أن كثيرًا من هؤلاء وغيرهم حتى من الحاصلين على قدر عالٍ من العلوم والتأهيل العلمى- حين يقيمون أداء السيسى فى حكم مصر خاصة من الناحية الاقتصادية- يسقطون من معطيات هذا التقييم تمامًا وكُليةً تكلفة قرار المصريين عام 2012م بحمل الجماعة الإرهابية لمقعد حكم مصر، وما ترتب عليه من تمكين لعصابات مسلحة مختلطة الجنسيات تعمل لصالح دول أجنبية من دخول مصر، ثم قرار المصريين أيضًا التخلص من الجماعة ومليشياتها وأيضًا تكلفة تلك القرار. يُسقط هؤلاء من حساباتهم كل ما يتعلق بهذه السنوات وتكلفتها الاقتصادية وتأثير ذلك على اقتصاد مصر والمدى الزمنى لذلك التأثير. يسقطون تمامًا حقيقة خوض مصر لحرب استنزاف عسكرية حقيقية لمدة سنوات ومعنى كلمة اقتصاد الحرب. يعتقدون أنها حرب تخص الدولة أو الحكومة ولا ينبغى أن نضعها فى معطيات التقييم! أى منطقٍ هذا؟! وأين مسئولية متخذى القرار الاثنى عشر مليونا وعائلاتهم؟! ثم أزمة كوفيد؟ هناك من تناقشهم يدهشونك تمامًا بمنطقهم هذا. يقفزون من أسعار شبه دولة مبارك الفاسدة بكل منتفعيها وأركانها وصانعيها إلى أسعار دولة ثورة يونيو وكأن مصر انتقلت من هذا إلى ذاك بعد ليلة شتوية دافئة وليس بعد فوضى سياسية عارمة، وإرهاب وبلطجة، وتوقف عن الإنتاج، وإجبار الدولة على توظيف مليون موظف لا حاجة لها بهم، وإجبار للدولة على خوض حرب عسكرية شرسة دون توحد شعبى حاسم، وتململ وضغط على عقل الدولة من الداخل فى ذروة مواجهة الخارج، وزيادة عدد السكان بما يقارب سكان دولة كاملة!
(12)
إن أى تقييم لأداء إدارة السيسى خاصة فى الملف الاقتصادى سيكون تقييمًا متهافتًا غيرَ موضوعى وظالمًا تمامًا إن لم يتم وضع ما سبق كمعطيات أصيلة فى عملية التقييم. قبل أن نتجه بانتقاداتنا لما أنجزه أو لم ينجزه، علينا أن نسأل أنفسنا بصدق من منا تحرر وأخرج نفسه بشكل ضميرى حقيقى من مظلة عبارة أحمد زكى «كلنا فاسدون»؟ من منا دافع ضمنًا عن شبه الدولة لأنه كان يدافع عن مصالح خاصة شخصية فئوية أى مثله مثل كل طبقات المنتفعين التى نتحدث عنها؟! من منا حاكم نفسه وطنيا قبل أن يتهم الرجل بأنه أثقل كاهل المصريين؟ من منا وضع نصيبه من تكلفة حرب بلاده العسكرية للبقاء على استقلالها نصب عينيه؟! من منا فكر بشكل عادل فيما اقترفته يداه وحصل عليه من مكاسب فى عقود شبه الدولة، ثم صمت احترامًا للحق والحقيقة حين قررت مصر أن تصبح دولة حقيقية؟ إننى أرى أن هذا الرجل قد تعرض طوال السنوات السابقة لحملة دعائية ظالمة فيما يخص الملف الاقتصادى تحديدًا وفيما يخص اللافتة الكبرى الأسعار والمعاناة الاقتصادية. من العدل والحق والتاريخ أن نسجل مفردات شبه الدولة كاملة غير منقوصة حين نتحدث عن أسعار السلع فى شبه دولة مبارك. وأن نسجل ما تكلفته مصر بشكل كامل فى حربها العسكرية الممتدة لأربع سنوات متصلة، ثم أزمة كوفيد، وأخيرًا مؤامرة السابع من أكتوبر والتواطؤ على قناة السويس والسياحة المصرية.
ما أقوله هو من أجل الحقيقة- التى عشتها وكنت مشاركًا بها أو شاهدًا عليها- ولوجه هذا الوطن لا من أجل السيسى، فأنا لا أدافع عن رئيس.. إنما قضيتى هى بلادى أقف فى خندق واحد من يعمل مخلصًا من أجلها وأدين من فرط فى مكانتها وحولها إلى شبه دولة سواء كان رئيسًا أو مواطنًا!