رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ازدوجت المعايير.. فسقطت العدالة!

تتفاخر الحكومات الغربية- قادتها وشعوبها- بالمبادئ والمعايير التى وضعتها بنفسها قبل ٧٧ عامًا فى المواثيق الدولية، كالحق فى السكن والعمل والمحاكمة العادلة، وقبلها جميعًا الحق فى الحياة، وغيرها من الحقوق التى أقرها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، الذى سعت تلك الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى فرض  مبادئه على دول العالم الثالث، خاصة الدول الفقيرة، بحجة أن شعوب هذه الدول تعانى من غياب الديمقراطية ولا تلتزم بالمواثيق والمعايير الدولية.

وعلى مدار عقود قامت الدول الغربية بربط تقديم مساعداتها إلى الدول النامية بمدى التزام هذه الأخيرة بتحقيق تقدم فى مجال حقوق الإنسان. كما دعمت هذه الدول المجتمع المدنى داخل الدول الفقيرة بالأموال لإنشاء منظمات تراقب حقوق الإنسان وتدريب الكوادر بهدف خلق أجيال تؤمن بالفكرة، مفضلة حقوق الإنسان على تقديم كل أنواع الدعم الأخرى رغم حاجة الدول النامية للمساعدة على نهضتها وتجاوز خطوط الفقر، فى حين قدمت نفسها كنموذج يُحتذى به فى تطبيق تلك معايير الديمقراطية أمام شعوبها وشعوب العالم أجمع.

وفى الوقت ذاته، وبالتزامن مع صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، كانت تُقام على أرض فلسطين دولة جديدة استُقدم سكانها من شتى بقاع العالم، جاءوا من أكثر من 50 جنسية ليؤسسوا وطنًا على حساب الشعب الفلسطينى الأصلى، ولضمان نجاح هذا المشروع كان لا بد من التخلص من السكان الأصليين عن طريق التهجير القسرى والمجازر، وهى الجرائم التى تمت برعاية الدول الغربية «الديمقراطية» التى تدّعى الدفاع عن حقوق الإنسان.

تم تجاهل حقوق الشعب الفلسطينى تمامًا، بدءًا من حقه فى الحياة، حيث صمتت الأنظمة الديمقراطية أمام المجازر التى ارتُكبت بحق الأطفال والنساء، وأمام عمليات تهجيرهم القسرية. 
فتسقط الحقوق المشروعة إنسانيًا وأخلاقيًا ودينيًا كل يوم على أرض فلسطين، فى انتهاك واضح لكل ما آمنت به الدول الغربية وصدرته لنا باسم الديمقراطية 
وفى إطار القانون الدولى، تُعتبر جريمة الإبادة الجماعية جريمة لا تسقط بالتقادم، ما يعنى إمكانية محاكمة مرتكبيها حتى بعد مرور الزمن. لكن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ورغم استمرار هذه الجريمة لعقود طويلة، لم يُحاسب أحد: لا أولئك الذين وعدوا اليهود بوطن على أرض فلسطين، ولا من دعمهم بالأسلحة والمال والإعلام. بل استمرت حماية مرتكبى هذه الجرائم من المساءلة القانونية، ليستمر الشعب الفلسطينى فى فقدان وطنه بدعم دولى مطلق لإسرائيل.

وهنا تراجعت كل المبادئ والمعايير الإنسانية أمام إسرائيل، ما تسبب فى انفصام تام وواضح فى القيم والأخلاق والضمائر لدى الدول الغربية التى تدعم دولة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطينى، الذى لا يزال يفقد أرضه ووطنه طوال الـ٧٧ عامًا، هى عمر إعلانها العالمى. الجديد فى الأمر هو أن مدّعى الديمقراطية وحقوق الإنسان باتوا يتمادون فى ظلمهم، ويسعون إلى إنهاء الوجود الفلسطينى تمامًا على أرضه، مع استمرار الاستيلاء على الأرض العربية، وكأن كل ما نملكه- الأرض والعرض والنفس- بات مستباحًا.

لكن ما لا تدركه هذه القوى الظالمة هو أن هناك شعوبًا تعيش على أرضها منذ آلاف السنين، بنت حضاراتها وعلّمت العالم فنون الطب والهندسة والعمارة والعلوم الاجتماعية بما تحويه من قيم وأخلاق، بفضل تمسكها بقيمها وكرامتها ووهويتها وبقائها على الأرض التى شهدت على تلك القيم والمبادئ.. وفى الآخر لن نقول لهم إلا ما قاله الله  تعالى فى قرآنه الكريم: «قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نّدْخُلَهَا أَبَدًا مّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّى لَا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ».. صدق الله العظيم.