توقعات بتثبيت سعر الفائدة.. واقتصاديون: ضرورة لحماية الجنيه وتعزيز الاستثمارات الأجنبية
مع اقتراب الاجتماع الأخير للجنة «السياسة النقدية» فى البنك المركزى المصرى، خلال العام الجارى ٢٠٢٤، المقرر عقده الخميس المقبل، تزداد التوقعات بتثبيت سعر الفائدة، والذى يأتى فى سياق استمرار مكافحة التضخم، الذى بدأ فى الانخفاض تدريجيًا منذ بداية العام الجارى.
ورغم تراجع معدلات التضخم إلى ٢٥.٥٪، فى نوفمبر الماضى، لا يزال البنك المركزى يحافظ على مستويات الفائدة المرتفعة كأداة رئيسية للسيطرة على التضخم، مع الحفاظ على استقرار سعر الصرف، وتحفيز تدفق الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة.
وأكد خبراء اقتصاديون، لـ«الدستور»، أن تثبيت سعر الفائدة خيار استراتيجى بهدف الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطنى، واستمرار تراجع معدلات التضخم، وزيادة جذب الاستثمارات الأجنبية، وحماية الجنيه من أى تقلبات خارجية، معتبرين أن التثبيت هو القرار الأنسب، فى ظل استمرار ضغوط التضخم والظروف الاقتصادية المحلية والعالمية الحالية.
تعزيز الحصيلة الدولارية بالحفاظ على استثمارات أذون الخزانة.. وحماية الاقتصاد من أى تقلبات عالمية
توقع الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن يتجه البنك المركزى، فى اجتماعه الأخير خلال العام الجارى، المقرر عقده الخميس المقبل، إلى تثبيت سعر الفائدة عند نفس مستوياتها الحالية، ليكون هذا التثبيت السادس على التوالى فى ٢٠٢٤.
وقال «السيد»: «سياسات البنك المركزى تركز فى السيطرة على التضخم، بعدما أظهرت البيانات أن معدلات التضخم بدأت فى الانخفاض منذ مارس ٢٠٢٤، فبعد أن سجل مستوى مرتفعًا بلغ ٣١.٥٪ فى بداية العام، انخفض حتى ٢٥.٥٪ فى نوفمبر الماضى، مع توقعات بأن يواصل الانخفاض إلى نحو ٢٤٪ على أساس شهرى فى العام المقبل».
وأضاف الخبير الاقتصادى: «البنك المركزى يسعى من خلال تثبيت سعر الفائدة إلى تقليل معدلات التضخم، رغم المخاطر الناتجة عن الضغوط التضخمية بسبب إجراءات الضبط المالى التى اتخذتها الحكومة مؤخرًا، مثل ترشيد الدعم على البنزين والسولار والكهرباء».
وواصل: «رغم تلك الضغوط، يواصل البنك المركزى الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة، بهدف الحفاظ على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة فى أذون الخزانة، وهو ما يعزز من الحصيلة الدولارية للسوق المصرية، التى تجاوزت ٣٥ مليار دولار».
وأفاد بنمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بمعدل ٢.٤٪، خلال الربع الثالث من ٢٠٢٤، مع توقعات بأن يشهد الاقتصاد المصرى تعافيًا تدريجيًا، بدءًا من ٢٠٢٥، ليزداد معدل النمو الاقتصادى إلى ٤.٣٪، وفقًا للتوقعات الصادرة عن المؤسسات الدولية، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين.
وأكمل: «التوترات الجيوسياسية فى المنطقة، وزيادة المخاوف من اتساع دائرة الحرب، كان لهما تأثير على قرار البنك المركزى فى التحوط الاستثمارى، والتمسك بسياسة تثبيت سعر الفائدة لحين وضوح الرؤية بشكل أكبر».
وتابع: «تثبيت سعر الفائدة يسهم فى استقرار معدلات الاستثمار الحالية، التى أدت إلى انخفاض معدلات البطالة إلى ٦.٥٪، مقارنة بـ٦.٩٪ فى وقت سابق. ورغم أن تخفيض سعر الفائدة يعزز من جذب الاستثمارات المحلية المباشرة، خاصة فى ظل التوجهات العالمية نحو تخفيض الفائدة، مثل البنك الفيدرالى الأمريكى، لا يزال النشاط الاقتصادى الحقيقى فى مصر أقل من طاقته الإنتاجية، ما يدعم استمرار انخفاض التضخم فى الفترة المقبلة حتى يقترب من طاقته القصوى على المدى المتوسط، وهو ما يتلاءم مع تثبيت الفائدة».
ووصف الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة بأنه قرار مناسب، فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية التى تشهد تباطؤًا فى النمو بنسبة ٢.٨٪، إلى جانب غموض المشهد المحلى والدولى على حد سواء، معتبرًا أن القرار يعكس حرص «المركزى» على احتواء التضخم، والحفاظ على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وحماية الاقتصاد المصرى من أى تقلبات عالمية.
سحب السيولة الزائدة الناتجة عن استحقاق شهادات الادخار
اتفق الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، مع رؤية الدكتور عبدالمنعم السيد، متوقعًا هو الآخر اتجاه البنك المركزى إلى تثبيت سعر الفائدة على الإيداع والإقراض، خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية.
وقال «عادل» إن هذا القرار يأتى فى إطار استمرار سياسة «التشديد النقدى» المتبعة، التى تتضمن رفع معدلات الفائدة، أو الإبقاء عليها دون تغيير، بناءً على توصيات صندوق النقد الدولى، باعتبارها أداة فعالة للحد من التضخم، وسحب السيولة الزائدة من السوق.
واعتبر الخبير الاقتصادى أن تثبيت سعر الفائدة يعتبر الخيار الأنسب المتوقع على المدى القصير، مع امتداده حتى نهاية الربع الأول من ٢٠٢٥ على الأقل، خاصة مع دوره فى الحفاظ على «الأموال الساخنة»، التى تقترب من ٤٠ مليار دولار.
وأضاف: «الأموال الساخنة تبحث دائمًا عن معدلات فائدة مرتفعة، وفى حال تم تخفيض الفائدة، قد يؤدى ذلك إلى خروج جزء كبير من هذه الأموال، ما يؤثر سلبًا على استقرار سعر الصرف وقيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكى».
وواصل: «المنافسة من الأسواق الناشئة المجاورة، والتى قد ترفع من معدلات الفائدة لجذب هذه الأموال والاستثمارات، قد تدفع البنك المركزى أيضًا لرفع الفائدة على أدوات الدين قصيرة الأجل».
وأكمل: «شهادات الادخار التى طرحت فى يناير ٢٠٢٤ على وشك الانتهاء فى يناير ٢٠٢٥، وتصل قيمتها إلى حوالى ٦٣٤ مليار جنيه، وبالتالى فإن تثبيت سعر الفائدة أو حتى رفعه يعد خيارًا ضروريًا للحفاظ على تلك الأموال داخل القطاع المصرفى، وتجنب احتمالية تدفقها نحو الدولار أو الذهب، ما قد يعيد نشاط السوق الموازية».
وشدد على أن «المعطيات الحالية، سواء كانت جيوسياسية أو اقتصادية، على الصعيدين المحلى والدولى، تتطلب متابعة دقيقة وتحليلًا مستمرًا للوصول إلى القرار الأنسب. وفى ضوء هذه الظروف يعد قرار تثبيت أو رفع الفائدة الأقرب والأكثر ملاءمة للوضع الراهن».
احتواء التأثيرات السلبية لوصول الجنيه إلى «+50».. وكبح التضخم
أرجع الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، اتجاه لجنة «السياسة النقدية» فى البنك المركزى، خلال اجتماعها الأخير فى العام الجارى، إلى الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، إلى رغبة البنك فى تحقيق مزيد من الخفض فى التضخم.
وقال «غراب»: «رغم تراجع معدل التضخم إلى ٢٥٪، فى نوفمبر الماضى، مقابل ٢٦.٣٪ فى الشهر السابق عليه، ما زال هذا المعدل مرتفعًا وبعيدًا عن مستهدفات البنك المركزى، التى تتراوح بين ٧٪ و٩٪».
وأضاف الخبير الاقتصادى: «كما أن تحرك سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وتجاوزه أكثر من ٥٠ جنيهًا، وتأثير ذلك على سعر السلع فى الأسواق، قد يدفع لجنة السياسة النقدية إلى تثبيت سعر الفائدة، من أجل السيطرة على التضخم».
وواصل: «البنك المركزى رفع سعر الفائدة بنسبة ٨٪، خلال أول اجتماعين، فى الربع الأول من العام الجارى، ثم قام بتثبيها فى ٥ اجتماعات متتالية عند مستوياتها المرتفعة، بواقع ٢٧.٢٥٪ للإيداع و٢٨.٢٥٪ للإقراض».
وأكمل: «البنك لن يلجأ إلى خفض معدل الفائدة إلا بعد التأكد من أن معدل التضخم ينخفض بشكل مستدام وليس تباطؤًا مؤقتًا، إضافة إلى استمرار استقرار سعر صرف العملة. لذا قد يتجه إلى تثبيت سعر الفائدة، فى اجتماعه المقبل».
وتابع: «هذا التثبيت هدفه الحصول على مزيد من الوقت لقراءة التضخم خلال الفترة المقبلة، وأنه ما زال فى اتجاه نزولى مستمر، ثم يمكن أن يلجأ البنك إلى خفض سعر الفائدة، خلال اجتماعاته فى الربع الأول من ٢٠٢٥، بعد التأكد من استمرار تراجع التضخم».
وخلص إلى أن «التوقعات تشير إلى اتجاه لجنة السياسة النقدية إلى الحفاظ على مستويات الفائدة المرتفعة الحالية دون اللجوء إلى الخفض، بهدف الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات فى تراجع التضخم».
وأضاف: «الفائدة المرتفعة تساعد فى جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، فى ظل اتجاه الفيدرالى الأمريكى إلى خفض الفائدة على الدولار»، مشيرًا إلى أن وكالة «فيتش» للتصنيف استبعدت لجوء «المركزى» لخفض الفائدة فى العام الجارى، على أن يبدأ الخفض فى بداية العام المقبل، وصولًا إلى نحو ١٢٪.