التحريض بالصورة.. ماذا تريد إسرائيل من الرئيس السيسى؟
فى خضم الفوضى السياسية التى تهز الشرق الأوسط، أصبحت وسائل الإعلام ساحة معركة جديدة حيث يتم إرسال رسائل مشفرة وراء العناوين والصور.
المثال الأحدث على ذلك ما قامت به صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، حين نشرت صورة تجمع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى بالرئيس الإيرانى الراحل إبراهيم رئيسى، مع تصريح السيسى الحاسم الذى نفى بشكل قاطع أى قبول لمسألة تهجير الفلسطينيين من غزة.
لا سبب منطقيًا واضحا يدفع الصحيفة إلى نشر هذه الصورة فى هذا التوقيت الحساس، الأمر الذى يفتح الباب للتساؤل: ما الرسالة التى أرادت «جيروزاليم بوست» إيصالها؟ وهل تسعى بعض الجهات إلى التأثير على موقف مصر، الذى بدا أكثر وضوحًا من أى وقت مضى فى رفض أى محاولات لتغيير الخريطة السكانية لغزة؟.
لكن يبدو أن نشر صورة الرئيس السيسى إلى جانب الرئيس الإيرانى الراحل لم يكن مجرد صدفة إعلامية، بل قد يحمل فى طياته تهديدًا مبطنًا. فإبراهيم رئيسى، الذى لقى مصرعه فى حادث تحطم مروحيته، كان هدفًا لاتهامات مباشرة لإسرائيل بالوقوف وراء مقتله، ما يجعل الربط بين الرجلين فى صورة واحدة بمثابة رسالة غامضة قد تحمل أكثر من تفسير.
مثل هذه الرسائل، حتى وإن لم تكن صريحة، تندرج ضمن أساليب الحرب النفسية التى تهدف إلى الضغط على القادة المعارضين لسياسات معينة. فإظهار الرئيس السيسى فى سياق مشابه لشخصية تم اغتيالها قد يكون محاولة لترهيب القيادة المصرية أو التلميح إلى إمكانية استهدافها إذا واصلت التمسك بمواقفها الرافضة للتهجير.
والقاهرة تدرك هذه الأساليب جيدًا، وتتعامل معها بوعى سياسى وأمنى، فمصر ليست دولة يمكن تهديدها بسهولة، ورئيسها الذى خاض تحديات كبرى منذ توليه الحكم يدرك تمامًا أن مثل هذه التكتيكات لن تغير من ثوابت السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية.
ومن المعروف أن العلاقة بين مصر وإيران ظلت لسنوات طويلة تتأرجح بين التوتر الحذر والتواصل الحذر، وفقًا للضرورات السياسية الإقليمية، ولم يكن هناك فى الفترة الأخيرة أى تطورات مفاجئة تستدعى إعادة إبراز صورة تجمع الرئيسين، لكن التوقيت الدقيق للنشر، مع خطاب السيسى يوحى بأن الهدف كان إثارة جدل أو زرع شكوك حول موقف مصر، أو التهديد.
ومنذ بدء الحرب الأخيرة، التزمت مصر بموقف واضح يعكس ثوابت سياستها الخارجية، دعم حقوق الشعب الفلسطينى، ورفض أى حلول تُفرض بالقوة أو تنطوى على تهجير قسرى، سواء داخل غزة أو خارجها، وجاءت التصريحات الرسمية المصرية لتؤكد هذا التوجه، رغم الضغوط والمناورات الإعلامية التى تحاول رسم صورة مختلفة.
لكن محاولة الربط بين الموقف المصرى وبين تحالفات إقليمية بعيدة أو مشبوهة، كما قد يوحى نشر مثل هذه الصورة، بأنه جزء من لعبة إعلامية قديمة تهدف إلى تشويه المواقف الصلبة عبر خلق سياقات زائفة.
والحقيقة أن مصر، بتاريخها ومسئولياتها، لا تحتاج إلى إثبات التزامها تجاه القضية الفلسطينية، فقد كان موقفها دائمًا متسقًا مع الشرعية الدولية ومع حقوق الفلسطينيين.
وليس خفيًا أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تتبنى استراتيجيات دعائية تهدف إلى إعادة تشكيل الإدراك العام للأحداث. وفى سياق الحرب الحالية، أصبح من الواضح أن هناك محاولات مستمرة لاستغلال وسائل الإعلام ليس فقط للترويج للرواية الإسرائيلية، ولكن أيضًا للتأثير على مواقف الأطراف الفاعلة فى المنطقة.
فى هذا الإطار، يمكن فهم تصرف «جيروزاليم بوست» كجزء من هذه الاستراتيجية، التى تسعى إلى تشويه أو إرباك المواقف السياسية العربية، خاصة عندما تكون هذه المواقف حاسمة وواضحة كما هو الحال مع الموقف المصرى.
إلى جانب البعد الإعلامى، قد يكون فى اختيار هذه الصورة تحديدًا رسالة موجهة إلى أطراف دولية وإقليمية، مفادها أن مصر قد تكون طرفًا غير متوقع فى معادلات معينة.
لكن مثل هذه التكتيكات، التى تعتمد على التلميح بدلًا من الأدلة الفعلية، نادرًا ما تحقق نجاحًا عندما تواجهها مواقف رسمية حازمة وواضحة.
الثابت أن مصر رغم كل محاولات التشويه والتلاعب الإعلامى، مستمرة فى أداء دورها كطرف مسئول ومتزن، يضع مصالح المنطقة واستقرارها فوق أى حسابات أخرى، ومحاولات التأثير الإعلامى قد تنجح فى خلق جدل مؤقت، لكنها لن تغير من الحقائق السياسية ولا من المواقف الثابتة التى تعتمد على التاريخ والمبادئ قبل أى شىء آخر.