رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصاديون يوضحون لـ "الدستور" أسباب انخفاض التضخم لـ 25.5 % وأثره على المواطن

التضخم
التضخم

◄بعد تراجع التضخم في مصر إلى 25.5% خلال نوفمبر أسباب وتأثيرات على الاقتصاد المحلي

◄هل يستمر تراجع التضخم؟ خبراء الاقتصاد يتوقعون مسار الأسعار في 2025

◄توقعات بتثبيت سعر الفائدة في الاجتماع المقبل للبنك المركزي المصري

◄السياسات الاقتصادية والنقدية وراء تراجع التضخم: تحليل دور الحكومة والبنك المركزي

شهدت مصر تراجعًا في معدل التضخم السنوي في نوفمبر 2024، حيث انخفض إلى 25.5% مقارنة بـ26.5% في أكتوبر من نفس العام، مما يعكس تحسنًا طفيفًا في الأسعار بعد فترة طويلة من الارتفاعات المستمرة، هذا التراجع يُعتبر خطوة مهمة نحو استقرار الأسعار، وقد أثار العديد من الأسئلة حول تأثير هذا التراجع على الاقتصاد المصري في الفترة المقبلة، وكذلك على سياسة البنك المركزي المصري.

وتحدثت "الدستور" مع عدد من خبراء الاقتصاد والمصرفيين الذين أكدوا على أهمية هذا التراجع في سياق الوضع الاقتصادي المحلي والإقليمي، مشيرين إلى أن انخفاض التضخم يعد خطوة إيجابية نحو استقرار الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما بعد سلسلة من الارتفاعات التي شهدتها الأسعار في الأشهر الماضية.

توقعات باستمرار تثبيت سعر الفائدة في الاجتماع المقبل 

وأشار الخبراء إلى أن هذا التراجع يعكس نجاح بعض السياسات الاقتصادية والنقدية التي اتبعتها الحكومة والبنك المركزي المصري، بما في ذلك جهود ضبط الأسعار وزيادة الإنتاج المحلي، مؤكدين أن السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي كانت فعالة في تقليص الضغوط التضخمية إلى حد ما، رغم التحديات المستمرة.

وفي الوقت نفسه، أكد الخبراء أن تراجع التضخم لا يعني بالضرورة استقرارًا طويل الأمد، حيث أن هناك عوامل داخلية وخارجية قد تؤثر في الأسعار، مثل تقلبات الأسواق العالمية وأسعار السلع الأساسية، كما تناولوا تأثير هذا التراجع على قرارات البنك المركزي المصري في اجتماعه المقبل، مشيرين إلى أن هناك ضغوطًا لتخفيف السياسة النقدية، لكنها لن تكون متعجلة في ظل التحديات الاقتصادية المستمرة، وفي هذا السياق، يتوقع الكثيرون أن يظل البنك المركزي حذرًا في اتخاذ قراراته الخاصة بأسعار الفائدة حتى تستمر وتيرة الاستقرار التضخمي.

واتفق الخبراء على أن تراجع التضخم إلى 25.5% قد يساهم في تخفيف الضغوط على البنك المركزي المصري لتبني سياسة نقدية أكثر مرونة، لكنهم أشاروا إلى أنه من غير المرجح أن يتم خفض سعر الفائدة في الاجتماع المقبل، وأوضحوا أن البنك المركزي قد يفضل تثبيت الفائدة حتى يتأكد من استقرار الأسعار على المدى المتوسط، مؤكدين أن البنك المركزي سيواصل مراقبة البيانات الاقتصادية بعناية قبل اتخاذ أي خطوات جديدة في هذا الاتجاه.

تراجع معدلات التضخم

وأشاد محمد عبد العال، الخبير المصرفي، بالقرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية والإجراءات التي نفذها البنك المركزي، والتي ساهمت بشكل كبير في تراجع معدل التضخم إلى 25.5% خلال شهر نوفمبر الماضي. 

وأكد عبد العال في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن هذه القرارات كان لها تأثير إيجابي في تحجيم الضغوط التضخمية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي مرت بها البلاد في الآونة الأخيرة.

وأوضح عبد العال أن السياسات النقدية التي اتبعها البنك المركزي، مثل رفع معدلات الفائدة بشكل تدريجي، كانت من أبرز العوامل التي ساعدت في السيطرة على التضخم، مضيفًا أن هذه السياسات أسهمت في تقليص معدل التضخم بشكل ملحوظ، مما يفتح المجال أمام تحسين الاستقرار الاقتصادي في المستقبل.

وتوقع عبد العال أن عام 2025 سيشهد تراجعًا إضافيًا في معدلات التضخم، حيث من المتوقع أن ينخفض إلى ما دون 20%، مشيرًا إلى أن الاتجاه التصاعدي في تراجع التضخم سيستمر ليصل إلى أقل من 15% بحلول عام 2026. 

وأكد أن هذا التوجه يعكس نجاح الحكومة في السيطرة على هذه المشكلة الهيكلية التي كانت تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المصري.

كما أشاد عبد العال بإجراءات الحكومة الرامية إلى ضبط الأسعار، وكذلك جهود البنك المركزي في الحد من الضغوط التضخمية عبر سياسات نقدية محكمة، مؤكدًا أن استمرار هذه السياسات سيُسهم في تحقيق استقرار اقتصادي، مما يعزز من جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ويساعد في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما سينعكس إيجابًا على استدامة النمو الاقتصادي في المستقبل.

تراجع التضخم  

من ناحيته، قال هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، إن تراجع التضخم في مصر يعود إلى عدة عوامل مهمة، أبرزها الانخفاض الكبير في أسعار الخضروات والحبوب واللحوم والدواجن، وهى من السلع الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على سلة المستهلك. 

وأكد أبو الفتوح في تصريحات خاصة لـ “الدستور” أن هذا الانخفاض قد يكون نتيجة لزيادة الإنتاج المحلي أو تحسن سلاسل الإمداد أو التدخل الحكومي لضبط الأسعار، كما أوضح أن رغم ارتفاع أسعار بعض السلع الأخرى، إلا أن تثبيت أسعار الطاقة قد ساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط التضخمي، باعتبار أن أسعار الطاقة من العوامل المؤثرة بشكل كبير على معدلات التضخم.

وأضاف “أبو الفتوح” أن السياسات النقدية التي يتبعها البنك المركزي المصري، مثل رفع أسعار الفائدة، قد لعبت دورًا كبيرًا في الحد من الضغوط التضخمية، حيث ساهمت في كبح جماح الطلب الكلي واحتواء مستويات التضخم. وتابع قائلًا: "هذه السياسات كانت ضرورية للحد من الضغوط التضخمية التي كانت تهدد الاستقرار المالي والاقتصادي".

وفيما يتعلق باستمرار التراجع في معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة، أوضح أبو الفتوح أنه من الصعب التنبؤ بدقة بما سيحدث في المستقبل، خاصة في ظل التغيرات العالمية والإقليمية المستمرة.

وقال: "هناك عدة عوامل قد تؤثر على استمرارية هذا التراجع، مثل استمرار الحكومة في اتخاذ إجراءات لضبط الأسعار وتوفير السلع الأساسية. ولكن لا يمكن إغفال تأثير التطورات الاقتصادية العالمية مثل أسعار النفط والسلع الأساسية على التضخم في مصر".

وأضاف “أبو الفتوح” أن التوقعات تشير إلى أن معدل التضخم قد يصل إلى 21% بحلول عام 2025، طبقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي، وهو ما يعكس تحسنًا تدريجيًا في الظروف الاقتصادية المحلية والدولية.

وفيما يخص تأثير التراجع في التضخم على أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل للبنك المركزي، قال أبو الفتوح إنه من المتوقع أن يؤدي تراجع التضخم إلى ضغوط على البنك المركزي لتخفيف السياسة النقدية.

وأكد أن هناك عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار، مثل ما إذا كانت أهداف التضخم المستهدفة قد تحققت أم لا، مضيفا:"رغم التراجع في التضخم إلى 25.5%، إلا أن المعدل ما زال بعيدًا عن الأهداف المستهدفة للبنك المركزي، وهو ما قد يدفعه إلى الإبقاء على سياسة نقدية مشددة في الفترة المقبلة".

وتوقع أبو الفتوح أن يميل البنك المركزي إلى تثبيت سعر الفائدة في اجتماعه المقبل، مع الاستمرار في مراقبة البيانات الاقتصادية خلال الأشهر القادمة، قبل اتخاذ أي خطوات جديدة لخفض الفائدة.

تحسن اقتصادي

وأوضح وليد جاب الله، خبير الاقتصاد والمالية العامة وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، أن تراجع معدل التضخم إلى 25.5% يعد مؤشرًا إيجابيًا يعكس تحسنًا في الأداء الاقتصادي المصري على صعيد ضبط الأسعار. 

وأكد جاب الله في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن هذا التراجع هو نتيجة مباشرة لنجاح السياسات النقدية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي، مثل تثبيت أسعار الطاقة التي تعد من العوامل الأساسية المؤثرة على الأسعار بشكل كبير.

وأضاف جاب الله أن استمرار هذا الانخفاض في التضخم يتوقف على استقرار الأسواق العالمية وأسعار السلع الأساسية. مشيرا إلى أن التزام الحكومة بمواصلة تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي وتحسين سلاسل الإمداد من شأنه تعزيز التوقعات الإيجابية في المستقبل.

و حذر جاب الله من التحديات التي قد يواجهها الاقتصاد المصري في حال استمرار تقلبات الأوضاع الاقتصادية العالمية، مثل الارتفاعات المحتملة في أسعار النفط والسلع الأساسية، ما قد يؤثر سلبًا على الأسعار في البلاد.

وبخصوص سعر الفائدة، أوضح جاب الله أن تراجع التضخم قد يخفف من الضغوط على البنك المركزي المصري. إلا أن معدلات التضخم الحالية ما زالت مرتفعة مقارنة بالأهداف المستهدفة، مما قد يدفع البنك المركزي إلى تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل انتظارًا لمزيد من الاستقرار الاقتصادي.

خطوة إيجابية 

من جانبه، اعتبر الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن تراجع التضخم إلى 25.5% يُعد تطورًا إيجابيًا ويعكس نجاح الجهود الحكومية في تحسين الأوضاع الاقتصادية. لكنه أكد أن هذا التراجع ما زال غير كافٍ إذا ما قورن بالأهداف المستهدفة من البنك المركزي لخفض التضخم إلى مستويات أقل.

وذكر السيد في تصريحات خاصة لـ "الدستور" أن تحسن أسعار السلع الأساسية مثل الخضروات واللحوم كان له أثر كبير في هذه النتائج، لكنه أشار إلى أن بعض السلع الأخرى مثل الزيوت والدهون ما زالت تشهد ارتفاعًا في الأسعار، مما قد يحد من قدرة المواطنين على تحمل الأعباء المالية. وأوضح أن هذا التباين في الأسعار يظل يشكل تحديًا أمام الجهود المبذولة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.

وفيما يتعلق بتوقعات المستقبل، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن استمرار تراجع التضخم يعتمد على استقرار الاقتصادين العالمي والمحلي، وكذلك على فعالية السياسات النقدية والمالية في السيطرة على الأسعار. كما أوضح أن هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر في التضخم مستقبلًا، مثل تذبذب أسعار النفط والتطورات الجيوسياسية التي قد تؤثر على الأسواق العالمية، وهو ما يجعل من الضروري مراقبة هذه العوامل عن كثب.

وبالنسبة لسعر الفائدة، أشار السيد إلى أن تراجع التضخم قد يساهم في تقليل الضغوط على البنك المركزي لتخفيف السياسة النقدية، ولكنّه أكد أن البنك المركزي قد يفضل تثبيت سعر الفائدة في الاجتماع المقبل، حتى تتضح الصورة بشكل أكبر ويستمر الانخفاض التدريجي للضغوط التضخمية.

ضبط الأسعار 

من جانبها، أكدت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، أن تراجع معدل التضخم إلى 25.5% في نوفمبر يعد خطوة إيجابية نحو استقرار الاقتصاد المصري، مشيرة إلى أن هذا التراجع كان مدفوعًا بانخفاض أسعار بعض السلع الأساسية.

وفي تصريحات خاصة لـ "الدستور"، أوضحت الدماطي أن هذا التراجع يُعد نتيجة مباشرة لتحسن بعض القطاعات الاقتصادية، خاصة الزراعة التي ساهمت في زيادة الإنتاج المحلي. ومع ذلك، أشارت إلى أن التضخم لا يزال مرتفعًا مقارنة بالأهداف الاقتصادية المستهدفة، مؤكدة ضرورة العمل على مزيد من ضبط الأسعار وتوفير السلع الأساسية للمواطنين في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية.

وفيما يتعلق بتأثير هذا التراجع على السياسة النقدية للبنك المركزي، لفتت الدماطي إلى أن التراجع في التضخم قد يدفع البنك المركزي إلى تبني سياسة نقدية أكثر مرونة، بما في ذلك خفض سعر الفائدة. ومع ذلك، شددت على أن البنك المركزي سيتخذ قراراته بحذر، نظرًا لوجود العديد من العوامل الاقتصادية التي تتطلب مراقبة دقيقة قبل اتخاذ أي خطوات جديدة.

خفض معدلات التضخم 

وأكد الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، والخبير الاقتصادي، أن السياسة النقدية للبنك المركزي المصري ستبقى على قرار تثبيت سعر الفائدة خلال الاجتماع القادم في 26 ديسمبر الجاري، مشيرًا إلى أن هذا القرار لن يتأثر بتراجع معدلات التضخم، بسبب وجود عوامل عدة تحد من الاستفادة من هذا الانخفاض.

وأوضح عادل في تصريحات خاصة لـ "الدستور" أن من أبرز هذه العوامل ضرورة عدم خفض الفائدة في الوقت الحالي كإجراء تحوطي، بهدف مراقبة وتتبع مستويات الأسعار على المدى القريب. وأشار إلى أن تأثير الارتفاعات الأخيرة في أسعار الكهرباء والمحروقات والاتصالات على مؤشر أسعار المستهلك يجب أن يُدرس بعناية من خلال متابعة التغيرات في الأسعار التي يدفعها المستهلكون على مدار الوقت.

وأضاف أن البنك المركزي يتبع سياسة التشديد النقدي، التي تشمل رفع معدلات الفائدة أو إبقائها مرتفعة كما هي، بناءً على توصيات صندوق النقد الدولي، باعتبارها أداة فعالة في كبح التضخم وسحب السيولة الزائدة من السوق. وأكد أن قرار تثبيت الفائدة سيكون الخيار الأمثل خلال الاجتماع المقبل وفي الفترة القادمة حتى نهاية الربع الأول من 2025.

وأشار عادل إلى أن حجم الأموال الساخنة في مصر، الذي يقدر بنحو 40 مليار دولار، يبحث دائمًا عن معدلات فائدة مرتفعة، مما يعني أن أي خفض في الفائدة قد يؤدي إلى خروج جزء كبير من هذه الأموال، وهو ما سيؤثر سلبًا على استقرار سعر الصرف وقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.

وتابع أن استحقاق شهادات الادخار التي أُصدرت في يناير 2024، والتي تقدر بحوالي 634 مليار جنيه، في يناير 2025، يجعل قرار تثبيت الفائدة هو الأقرب، إن لم يكن هناك ضرورة لرفع الفائدة لضمان استمرارية جذب هذه الأموال إلى القطاع المصرفي وتجنب تحويلها إلى الدولار أو الذهب، وهو ما قد يؤدي إلى عودة السوق الموازي.

واختتم بأن الوضع الجيوسياسي والاقتصادي الحالي، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، يتطلب مراقبة مستمرة وتحليل دقيق للمتغيرات، ليظل قرار تثبيت الفائدة أو رفعها هو الأكثر فاعلية في مواجهة التحديات الاقتصادية القادمة.