رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفريسة.. أسرار التحركات الإسرائيلية لتوجيه مستقبل سوريا بعد الأسد

سوريا
سوريا

دون سابق إنذار تحركت إسرائيل يوم سقوط الرئيس السورى بشار الأسد، معلنة على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، عن دخول القوات الإسرائيلية المنطقة الحدودية العازلة على مسافة ١٥ كيلومترًا داخل الأراضى السورية، مع إنهاء اتفاقية «فض الاشتباك»، التى تم توقيعها مع الجانب السورى عام ١٩٧٤. بعدها بساعات قليلة كانت القوات الإسرائيلية قد بدأت مهاجمة أهداف عسكرية فى كامل الأراضى السورية، لإنهاء ما تبقى من قدرات عسكرية لدى البلاد، والتواصل مع قوى دولية مختلفة لترتيب الأوضاع فى سوريا ما بعد الأسد، مع التوجه للحفاظ على العلاقات الجيدة التى تربط بين تل أبيب وبعض تنظيمات المعارضة السورية، منذ بدء الحرب فى سوريا، عام ٢٠١١، ما يضمن لها توجيه المستقبل السورى إلى ناحية لا تشكل أى خطر عليها فى المستقبل القريب والمتوسط، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية. 

 

القضاء على ما تبقى من قدرات عسكرية.. وتواصل دولى لإعادة ترتيب الأوراق

 

نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية، خلال الأسبوع الماضى، غارات مكثفة على مناطق متفرقة من سوريا، دمرت الطائرات العسكرية للجيش السورى، ودفاعاته الجوية، وأسطوله البحرى، فى إطار خطة للقضاء على ما تبقى من قدرات عسكرية للدولة السورية.

وحسب تقدير مصادر استخباراتية أجنبية مختلفة، لوسائل إعلام مختلفة، فقد جرت مهاجمة أكثر من ٣٠٠ هدف عسكرى، تابعة لسلاح الجو السورى وقواعده الجوية والبحرية، مع تدمير طائرات السوخوى والميج ومخازن السلاح.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن جيرمى يسسخروف، الذى كان يعمل مديرًا لوزارة الخارجية الإسرائيلية، قوله إن لدى إسرائيل صورة عن السلاح الكيميائى السورى منذ سنة ٢٠١٠، وفى تقديرها فإن سوريا كانت تحتفظ بنحو ١٣٠٠ طن من المواد الكيميائية، من بينها أطنان من غاز السارين والخردل وغيرهما.

وأشارت إلى أن سلاح الجو الإسرائيلى دمر العشرات من بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، الضخمة والمتطورة، وأخرجها من الخدمة، منوهة إلى أن منظومات الدفاع الجوى السورية من بين الأكثر كثافةً فى العالم، وتشمل صواريخ أرض- جو، وهى التى حدّت من التفوق الجوى الإسرائيلى فى الأجواء السورية، وتسببت بصورة خاصة فى العقد الأخير فى إسقاط طائرة إف-١٦ إسرائيلية فى الجليل.

وحول ذلك، أقرّ وزير الخارجية الإسرائيلى، جدعون ساعر، بمهاجمة إسرائيل أهدافًا مختلفة فى سوريا، «كى لا تقع فى يد جهات متطرفة». 

فيما علقت مصادر إسرائيلية لصحيفة «وول ستريت جورنال» بالقول إن الهدف من الغارات الجوية على سوريا هو الدفاع عن أمن إسرائيل، فى مواجهة سيناريو متطرف، مثل أن تكون الحكومة الجديدة فى دمشق معادية جدًا لإسرائيل، ويمكن أن تشنّ هجومًا عليها.

وأشارت المصادر إلى أن ثمة سيناريو محتملًا آخر، هو أن تنزلق سوريا إلى حرب أهلية تستمر أعوامًا، تستولى خلالها مجموعات من المتمردين على الأسلحة التى تركها الجيش السورى وراءه، موضحة أن إسرائيل تخشى من وقوع السلاح الكيميائى فى أيدٍ غير صحيحة.

فى الوقت نفسه، تتحرك إسرائيل بشكل دبلوماسى للتواصل مع القوى الدولية لترتيب الأوراق فى سوريا. وحسب تقارير دولية، فقد أرسلت تل أبيب وفدًا إلى موسكو بحجة مناقشة صفقة التهدئة فى غزة وجهود إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع، والذين يحمل بعضهم الجنسية الروسية، لكنه تبين أن الوفد كان يحمل أيضًا رسالة بأن إسرائيل لن تسمح لإيران ووكلائها باستخدام سوريا ملاذًا لمهاجمتها، ولن تسمح لـ«حزب الله» اللبنانى بإعادة تنظيم صفوفه ومواصلة تنفيذ عملياته ضدها.

خلال اليومين الأخيرين، تم إجلاء عشرات الدبلوماسيين الروس من دمشق، كما أُنزل العلم الروسى من فوق مبنى السفارة الروسية فى العاصمة السورية.

وتشير التقديرات إلى أن القوات الروسية موجودة فى قاعدة حميميم، بالقرب من اللاذقية، على الساحل السورى، وذلك تخوفًا من ردة فعل التنظيمات المسلحة، التى تتذكر جيدًا الدور الذى قام به الروس طوال السنوات الماضية، فضلًا عن أن روسيا هى التى منحت الأسد وعائلته حق اللجوء فى موسكو.

 

الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الحكام الجدد.. و«تقليم أظافر» رغم غياب التهديد

 

علاقة إسرائيل بالتنظيمات المسلحة فى سوريا بدأت مع اندلاع الحرب من منطقة درعا، فى جنوب سوريا، خاصة عندما سيطر المتمردون السوريون على جزء من الحدود مع إسرائيل، وقاتلوا النظام بالقرب من هذه الحدود، ودارت بعض الاشتباكات فى المناطق الدرزية.

فى ذلك الوقت، كان بعض الجرحى من التنظيمات السورية المسلحة يتلقون مساعدات إنسانية داخل إسرائيل، وعندما تم نقل سوريين بسيارة إسعاف عبر قرية مجدل شمس عام ٢٠١٥، هاجم الشباب سيارة الإسعاف لأنهم اعتقدوا أن الرجال الذين يتم نقلهم كانوا يقاتلون فى سوريا ضد الدروز.

وحظيت الجماعات المسلحة التى سيطرت على المناطق المحيطة بدرعا بدعم خاص من الغرب، وبعضها لديه ذكريات إيجابية عن الأيام التى تلقى فيها بعض الدعم الإنسانى عبر إسرائيل والجولان.

ويعنى هذا أن لهذه التنظيمات علاقات أفضل بالغرب بشكل عام من علاقات «هيئة تحرير الشام»، التى تمركزت فى الشمال السورى فى حلب وإدلب، والتى تسيطر على الأوضاع فى سوريا بعد سقوط الأسد.

ورغم ذلك، فهناك فى إسرائيل من يرى أنه حتى لو لم تكن تل أبيب على وفاق تام مع التنظيمات السورية المسلحة بعد توليها الحكم فى سوريا، فإن عليها أن تتعامل معها.

وحسب دراسة للباحثين عاموس يادلين وأودى فينتال، فإن نظام الأسد لم يكن محبًا لإسرائيل، ورغم أنه كان يحافظ على استقرار معيّن فى سوريا إلا أنه كان مُركبًا مركزيًا فى المحور الذى يشكّل التهديد الاستراتيجى الأكبر على إسرائيل، وهو المحور الإيرانى، وأغلب سلاح «حزب الله» قد وصل من مصانع السلاح الخاصة به، أو من إيران عبر المناطق السورية، تحت إشرافه.

وأكد الباحثان أن علاقات النظام السورى بنظام إيران كانت عميقة، وكل جهود إسرائيل والدول العربية المعتدلة والقوى الغربية على مدار عشرات الأعوام لإبعاده عن إيران فشلت، موضحين أنه من المستبعد فى المقابل أن توجه التنظيمات المتعددة فى سوريا سلاحها إلى إسرائيل، كما أنه أمر غير مؤكد، لا على المدى المباشر ولا المتوسط، لأن «حساب الدم» الخاص بها مع النظام السورى وإيران و«حزب الله» أكبر كثيرًا من حسابها مع الدولة اليهودية، بالإضافة إلى نزاعاتها الداخلية.

وأشارا إلى أن الأهم من ذلك هو أن التنظيمات، بعكس إيران والنظام السورى، لا تملك مشروعًا نوويًا أو صواريخ باليستية أو مصانع متطوّرة لتصنيع السلاح، ولا توجد وراءها قوى عظمى عالمية أو إقليمية مستعدة لاستثمار المليارات فيها.

وكشف الباحثان عن أن المخاوف الإسرائيلية من سيطرة التنظيمات على السلاح الكيماوى الذى تبقى فى سوريا لا مبرر لها، لأن أغلب هذه الأسلحة تم إتلافها، أو أُخرجت من سوريا فى سنة ٢٠١٣، كما أن قدرة المتمردين على السيطرة على مسارات التجهيز والتفعيل لهذه الأسلحة المركّبة محدودة. وأوضحا أنه فى جميع الأحوال فقد تمتعت إسرائيل خلال الأعوام الـ١٠ الماضية بحرّية الحركة فى سوريا، وأظهرت قدرتها على إحباط كل تهديد استراتيجى من سوريا.

ومع ذلك، يتساءل آخرون حول من الذى لا ترغب إسرائيل فى رؤيته على حدودها مع سوريا، المتطرفون الشيعة المدعومون من إيران، أم الجهاديون السنة المدعومون من تركيا؟