رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرص ومخاطر.. كيف تنظر إسرائيل إلى الأحداث فى سوريا؟

إسرائيل
إسرائيل

فى الأسبوع الماضى شنت الميليشيات المسلحة فى سوريا هجومًا غير متوقع على شمال البلاد، وسيطرت على مدينة حلب، ثانى أكبر المدن السورية، ثم حماة، فى توقيت لا يحمل أى صدفة، ويتزامن مع التوصل إلى تسوية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان.

وسبّب الهجوم مفاجأة للجيش السورى، وكانت ردات الفعل للحليف الروسى متأخرة وغير كافية، وتعلق الأمر بشكل أساسى بالمرحلة التى تمر بها إيران ووكلاؤها فى المنطقة، وعلى رأسهم «حزب الله» اللبنانى، بعدما قررت الميليشيات انتهاز فرصة انشغالهم للتصعيد فى سوريا، الأمر الذى يفتح باب التساؤل حول حقيقة ما حدث، والموقف الإسرائيلى منه، وما يعنيه لإسرائيل والمنطقة على نطاق أوسع، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية. 

الاستفادة من تطور الحرب الأهلية لتشتيت الجهود الإيرانية وإيقاف وصول التسليح إلى «حزب الله»

فى أعقاب تصاعد الأحداث فى سوريا، أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مشاورات أمنية خاصة، وفى الوقت نفسه أفادت مصادر سورية بأن إسرائيل قصفت عدة معابر فى منطقة القصير بمحافظة حمص، عند نقطة الوصل بين الحدود السورية اللبنانية.

ونوهت بعض التقديرات إلى أن أحد أسباب تمكن الميليشيات من التقدم بهذه السرعة هو أن حلفاء سوريا، أى إيران و«حزب الله»، قد أصابهما الضعف بسبب الهجمات الإسرائيلية فى سوريا، مع الاستدلال بانسحاب التنظيمات الإيرانية الداعمة للحكومة السورية من خطوط المواجهة.

وأشارت تلك التقديرات إلى أن إضعاف الوجود الإيرانى فى سوريا أمر مفيد بالنسبة لإسرائيل، لأنه يعطل نقل الأسلحة إلى «حزب الله» فى لبنان، خاصة فى ظل مخاوف تل أبيب من عودة المحاولات الإيرانية لاستعادة القدرات ونقل الأسلحة إلى سوريا، ومن ثم إلى لبنان.

ومع ذلك، أشار مراقبون إلى أن ظهور التنظيمات الإسلامية المسلحة فى سوريا بهذا الشكل يمثل تهديدًا جديدًا لإسرائيل، خاصة أن سوريا المجزأة التى تهيمن عليها الفصائل المتطرفة قد تؤدى إلى عودة المنظومة الجهادية العالمية، على نحو يماثل صعود تنظيم «داعش» منذ سنوات.

من جانبه، علّق دانييل راكوف، الباحث البارز فى معهد القدس للاستراتيجية والأمن والخبير فى السياسة الروسية، بالقول إن هجوم الميليشيات الإسلامية على حلب «يبدو أنه خبر جيد لإسرائيل».

وأضاف فى منشور على موقع «X»: «سقوط شمال سوريا فى أيدى (المتمردين) يُلحق الضرر بالبنية التحتية للإيرانيين و(حزب الله) هناك، وسيجعل من الصعب عليهم العمل على استعادة (حزب الله)».

وأشار «راكوف» إلى أن الرئيس السورى، بشار الأسد، سيكون «أكثر دفاعية»، وبينما يقاتل من أجل بقاء نظامه، فإن المساعدة الظاهرية لإيران و«حزب الله» فى لبنان هى مصلحة ثانوية.

ولفت إلى أن الهجمات كانت «محرجة للغاية بالنسبة لموسكو»، موضحًا أن النظام السورى قد يكون عرضة لهجمات من قبل القوات الكردية، أو المتمردين فى جنوب سوريا، أو تنظيم «داعش»، وكل هذا «يأتى فى توقيت رهيب بالنسبة لروسيا التى وضعت أنظارها على أوكرانيا»، على حد قوله.

وواصل: «خسارة الأسد حلب تضر بصورة روسيا كقوة قادرة على فرض نفوذها خارج الفضاء ما بعد السوفيتى، وتهدد أحد الأصول الاستراتيجية المهمة لبوتين، وهى القواعد فى سوريا». واعتبر أن ما أسماه بـ«حرية العمل الإسرائيلية فى سوريا» من المرجح أن تتوسع، منوهًا إلى أن إسرائيل قد تسنح لها الفرصة لمهاجمة سوريا بسبب الضعف الذى أظهره نظام الرئيس بشار الأسد.

وتابع: «فى حين أن الوضع غير المستقر فى سوريا قد يدفع الأسد والروس إلى فتح الأبواب بشكل أقوى لدخول القوات العسكرية الإيرانية، فإن انهيار نظام الأسد قد يخلق سيناريو لنمو التهديدات العسكرية الكبيرة ضد إسرائيل».

ولفت إلى أن الوضع الحالى يوفر لإسرائيل أيضًا المزيد من الفرص المحتملة، لأن «تقدم المتمردين ضد الأسد سوف يضعف محور سوريا و(حزب الله) وإيران، التى أصبحت فى موقف ضعيف، وسوف تضطر إلى إنفاق الموارد لإنقاذ النظام السورى، وليس إلى إعادة إمداد (حزب الله) ومحاولة إعادة بنائه، على حد تعبيره. ورأى أن لإسرائيل مصلحة أساسية فى منع إيران من تهريب الأسلحة عبر سوريا إلى «حزب الله» فى لبنان، وسوف يؤدى تجدد الحرب الأهلية فى سوريا إلى جعل تهريب هذه الأسلحة أكثر صعوبة، علاوة على ذلك، فإن موارد إيران وقدراتها ليستا بلا حدود، وسوف تضطر إلى تحديد الأولويات، وسيتعين عليها الآن استخدام الميليشيات التى تسيطر عليها فى سوريا والعراق لدعم الأسد، ولن تتمكن بعد الآن من التركيز فقط على إسرائيل.

مخاوف من سيطرة التنظيمات المتطرفة على دمشق أو تكثيف الوجود الإيرانى لإنقاذها

نتيجةً للحرب مع إسرائيل، اضطر «حزب الله» إلى سحب قواته إلى لبنان مع إهمال الساحة السورية، التى ظل يلعب دورًا مهمًا فيها منذ بدء الحرب فى عام ٢٠١١، خاصة فى القتال البرى، ضمن الميليشيات الشيعية التى أرسلتها إيران لدعم النظام فى سوريا. 

وفى نظر المراقبين، يعد انسحاب «حزب الله» اللبنانى من سوريا أحد أهم العوامل التى سهلت هجوم الميليشيات المتمردة الأخير، وكذلك لا يمكن إغفال تراجع الوجود الروسى بسبب انشغال القوات الروسية بالحرب فى أوكرانيا، ما جعل روسيا تخفض من أولوية عملياتها فى سوريا، مع تقليص الدعم من قاعدتها البحرية فى طرطوس، وقاعدتها الجوية فى اللاذقية، وقد أدى غياب الوجود الروسى إلى تعزيز قوة التنظيمات والميليشيات فى شمال سوريا.

ومن وجهة النظر هذه أيضًا، هنالك أسباب تتعلق بأخطاء نفذتها الحكومة السورية، التى قامت بإصلاحات تحول بها الجيش ليصبح قائمًا على التطوع مع إلغاء الخدمة الإلزامية، وقد أدى انخفاض الرواتب والمعنويات إلى تفاقم المشكلة، بعد أن تسبب فى نقص حاد فى القوى العاملة، بالإضافة إلى سوء التقدير الواضح للوضع فى إدلب، حيث تم الافتراض الخاطئ بأن محافظة إدلب، التى تعد آخر معاقل الميليشيات، لم تعد تشكل تهديدًا كبيرًا.

ويرى العديد من المحللين فى إسرائيل أن قيادة العمليات العسكرية الحالية فى سوريا لو كانت تتألف من متمردى «الجيش السورى الحر» أو الأكراد والتنظيمات الموالية للغرب لكان ذلك مفيدًا بالنسبة لإسرائيل، لكن هذا ليس هو الحال، لأن التنظيمات المتمردة التى تسيطر على حلب وغيرها هى «هيئة تحرير الشام»، التى تمثل تحالفًا جهاديًا مرتبطًا بتنظيم «القاعدة». ويؤكد هؤلاء أنه إذا تم استبدال الرئيس السورى بشار الأسد بهذه القوات، فإن «إسرائيل ستواجه تهديدًا جديدًا من الشمال بدعم من تركيا»، مع الإشارة إلى أن الوضع الخطير فى سوريا من شأنه أن يؤدى إلى إثارة أزمة لاجئين أخرى، ما يزيد الضغوط على الأردن، وهو ما لا يصب فى المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل. ويشيرون إلى أن التهديد الأكبر الذى يخيف إسرائيل هو وقوع الأصول العسكرية السورية، بما فى ذلك الأسلحة الكيماوية، فى أيدى التنظيمات المتطرفة.

وينبّه المحللون إلى أن كل التطورات السابقة قد تعكس واقعًا جديدًا يغير من اتجاهات الرئيس السورى بشار الأسد حيال إيران، فهو فى الفترة الأخيرة قد تجنب خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وظل بعيدًا عن حربها مع «حزب الله»، مع الحديث عن رغبته فى تشجيع إيران على عدم ترسيخ وجودها بقوة داخل سوريا كما كان من قبل، حتى لا تمنح إسرائيل ذريعة لمهاجمة الأراضى السورية، وهو ما تزامن أيضًا مع قيامه بمبادرات منفتحة على عدد من الدول العربية.

ويعتقد هؤلاء أن الهجوم الذى تشنه التنظيمات المتطرفة حاليًا قد يجبر الرئيس السورى على تعزيز اعتماده على طهران، للتصدى لهذه التطورات، ما يعنى جلب مزيد من القوات الإيرانية إلى سوريا، وزيادة التهديدات لإسرائيل.