اليابان.. انتخابات زلزالية تدفع الديمقراطية الأكثر استقرارًا في آسيا إلى الفوضى
نجحت اليابان لسنوات عديدة في مقاومة الموجات الشعبوية التي اجتاحت أوروبا والولايات المتحدة، حيث طالب الناخبون الساخطون بتغيير جذري، ولكن مع توجيه الناخبين ضربة قوية للحزب الحاكم في اليابان منذ فترة طويلة في الانتخابات البرلمانية المبكرة أمس الأحد، كانت هناك دلائل على أن إحباطهم قد يحول واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارا في المنطقة إلى ديمقراطية أكثر فوضوية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بدأ الأمر وكأن الوسط قد صمد، ورغم أن الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي هيمن على السياسة اليابانية طيلة أغلب فترة ما بعد الحرب، خسر أغلبيته في مجلس النواب، فإن الديمقراطيين الدستوريين، الذين فازوا بثاني أكبر عدد من المقاعد بعد الحزب الديمقراطي الليبرالي، يشكلون حزبا وسطيا نسبيا.
وتعرض الائتلاف الحاكم في اليابان لهزيمة ساحقة في الانتخابات العامة التي جرت الأحد، فقد على أثرها أغلبيته البرلمانية، ما يزيد من حالة الغموض المتعلقة بتشكيل الحكومة ومستقبل رابع أكبر اقتصاد في العالم.
وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (إن.إتش.كيه) أن الحزب الديمقراطي الحر بزعامة رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا وشريكه الأصغر في الائتلاف حزب كوميتو حصل على 209 مقاعد من أصل 465 في مجلس النواب.
وكان لديهما 279 مقعدًا في السابق أي فقدا 70 مقعدا لتكون هذه أسوأ نتيجة للائتلاف منذ أن خسر السلطة لفترة وجيزة في 2009.
ولكن الأحزاب الأقلية في أقصى اليسار وأقصى اليمين حصلت على مقاعد، وفي حين ألقى شيجيرو إيشيبا، الذي اختاره الديمقراطيون الليبراليون رئيسا للوزراء قبل شهر واحد فقط، باللوم في الأداء السيئ للحزب على فضيحة مالية سياسية مطولة، قال المحللون إن الشعور بالظلم بين الناخبين كان أعمق من ذلك بكثير.
وقال كونيهيكو مياكي، الدبلوماسي الياباني السابق الذي يعمل الآن مستشارًا خاصًا في معهد كانون للدراسات العالمية في طوكيو: إن الثلاثين عامًا الماضية من الركود وتدهور مستويات المعيشة، وخاصة بين الشباب، هي سبب الإحباط.
احتواء استياء الناخبين
وأضاف "مياكي" أن الحكومات التي يقودها الحزب الليبرالي الديمقراطي نجحت حتى الآن في احتواء استياء الناخبين من الأجور الثابتة ونقص العمالة والشيخوخة السكانية السريعة. لكنه نوه بأن "يوم القيامة قد حان" بالنسبة لليابان. وقد تم تحذير الديمقراطيين الليبراليين، الذين يحمون الوضع الراهن.
وتابع بقوله: إن هذه ليست فضيحة مالية سياسية بسيطة، بل إنها أكثر هيكلية وأطول أمدا.
ومن غير الواضح من سيقود الحكومة في المستقبل. لدى الحزب الليبرالي الديمقراطي المتعثر 30 يوما لمحاولة جلب المزيد من الشركاء وتشكيل ائتلاف حاكم. ويُنظر إلى المعارضة على أنها غير قادرة على سد انقساماتها وتشكيل حكومة.
وكان إيشيبا، الذي تولى منصبه منذ 27 يوما، يواجه أيضا أسئلة حول المدة التي قد يستمر فيها في منصبه.
وخلال مؤتمر صحفي عقده اليوم الإثنين، أقر بالانتقادات اللاذعة من الجمهور ووعد بإدخال المزيد من الشفافية في جمع الأموال السياسية والمحاسبة.
وعلى العديد من الأصعدة، كانت الضغوط تتراكم على مدى سنوات في ظل مشهد سياسي هادئ إلى حد مخادع، حيث بدا أن الشعب الياباني سوف يتقبل استمرار الأمور كالمعتاد إلى أجل غير مسمى.
وقال جيرو ياماجوتشي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هوسي في طوكيو، إن الإدارات المتعاقبة التي قادها الديمقراطيون الليبراليون بدت مستقرة للغاية، لكن هذه الحكومات أرجأت التغييرات السياسية الحقيقية وتركت مشاكل خطيرة في الاقتصاد والمجتمع الياباني.
غياب شينزو آبي
ومع فوز ثمانية أحزاب معارضة بمقاعد في البرلمان، سيكون من الصعب للغاية عليها تقديم رؤية جديدة موحدة للبلاد.
وأضاف ياماجوتشي: يبدو أن التفتت والاستقطاب في النظام الحزبي بدأ منذ هذه الانتخابات. وفي حين أن الاختيار قد يكون أحد علامات الصحة السياسية، فإن احتمال فرار الناخبين إلى أحزاب ذات مواقف أكثر تطرفا قد يكون خطيرا للغاية للديمقراطية.
ورغم أن الناخبين أرادوا بوضوح إرسال رسالة إلى الديمقراطيين الليبراليين، فإنه ليس من الواضح أنهم اختاروا بديلا متسقا.
كان أحد الأسباب التي جعلت الديمقراطيين الليبراليين قادرين على التغلب على السخط العام لفترة طويلة هو أن شينزو آبي، السياسي الموهوب الذي كان رئيس الوزراء الأطول خدمة في اليابان، فرض الانضباط الحزبي وأقنع الجمهور بأن الاستقرار أكثر أهمية من التغيير الشامل.
ولكن بعد اغتيال آبي في عام 2022، أصبح الجمهور مستاءً بشكل متزايد من الفضائح الناشئة التي ظلت مخفية. وقال قاتل آبي إنه كان يحمل ضغينة ضده بسبب ارتباط رئيس الوزراء السابق بكنيسة التوحيد، وهي جماعة دينية هامشية أخذت آلاف الدولارات من والدته.
وبمجرد أن كشفت وسائل الإعلام اليابانية بسرعة أن العشرات من المشرعين الديمقراطيين الليبراليين كانوا مدعومين أيضا من قبل الذراع السياسية للكنيسة، هبطت معدلات التأييد للحزب بشكل حاد. كما ازداد استياء الجمهور من فضائح التمويل السياسي الأخيرة.
وقال محللون إنهم غير متأكدين من أن نتائج الانتخابات التي جرت يوم الأحد سوف تعمل على تحسين المزاج العام أو تؤدي إلى تغيير جوهري كبير.