ليس أنانية ولا تضحية ولا كبت... نوال السعداوي تُشرّح "الحب المريض"
استطاعت الكاتبة والطبيبة نوال السعداوي، أن تحارب الكثير من الأفكار الرجعية والمغلوطة حول جسد المرأة في المجتمعات العربية، منذ أوائل الستينات، وحتى السنوات الأخيرة في حياتها، بل وناقشت وحللت الكثير من القضايا والمعاني التي كان محظورًا الحديث عنها في سابق عهدها، مثل الجنس، الكبت، مفهوم العذرية، ومعنى الحب القائم على التكافؤ.
ووفقًا لكتابها "المرأة والجنس"، تناولت نوال السعداوي، مفهوم الحب، قائلة: إن "الحب" الذي يحدث بين الرجال والنساء في عالمنا الحديث، أو الذي كان يحدث في المجتمعات السابقة منذ أن امتلك الرجل الأرض وامتلك معها المرأة ليس هو الحب، فالحب لا يُمكن أن يحدث بين سيد وعبد أو صاحب سلطة وخاضع للسلطة أو بين أقوى وأضعف أو بين أعلى وأدنى.
وحذرت نوال السعداوي من بعض أشكال الحب المزعوم، موضحة: الحب لا يُمكن أن يحدث من أجل الانتفاع والنفعية، ولا يمكن أن يحدث من أجل الاستغلال، أو من أجل المصلحة الاقتصادية أو الحماية الاجتماعية، إن علاقة الحب ليست علاقة تجارية، ولا يمكن أن يشتريها الإنسان بماله أو عقاراته أو سطوته.
“الحب” قائم على التكافؤ لا الاستغلال
وأشارت السعداوي إلى الحب لابد من وجود التكافؤ بين الرجل والمرأة، مؤكدة: وبفقدان هذا التكافؤ لم يعد من الممكن أن تقوم العلاقة بين الرجل والمرأة بسبب الحب الحقيقي وإنما لأسباب أخرى متعددة.
ولفتت السعداوي إلى أن "الحب" لا يُمكن أن يقوم على علاقةٍ يشوبها استغلال، أو يشوبها احتياج للحماية من أي نوع، الحب لا يقوم لأن الإنسان يريد أن يأكل ويشرب أو يتناسل، الحب لا يقوم لأن الإنسان يريد أن يحصل على حماية أو وصاية، الحب ليس هروبًا من مشاكل الحياة.
حب الأغاني ليس حبًا
واستنكرت السعداوي، في كتابها "المرأة والجنس"، ما يقال عنه "حب الأغاني" قائلة: إن هذا الحب الذي تطفح به الأغاني الملتهبة الملأى بالنواح والعويل ليس حبًا، وليس حبًا ذلك الذي ساد أدب القرن التاسع عشر والعشرين حيث القصص الملأى بعذابات الحب من طرف واحد.
نوال السعداوي تُشرّح "الحب المريض"
وحذرت السعداوي من "الحب المريض" الذي كان نتيجة طبيعية للوضع الذي وُضِعَت فيه المرأة منذ سلبها المجتمع عقلها واعتبرها جسمًا فقط، مؤكدة أن إصفات الإنسان النفسية والعقلية هي التي تميزه عن سائر الحيوانات الأخرى، وهذه الصفات هى التي تمنحه القدرة على الاختيار والوعي والإرادة، فإذا ما فقدها فقد القدرة على الاختيار والوعي والإرادة، وأن الحب أرقى عملية يمارسها الإنسان؛ لأنه من خلالها تستطيع مكوناته الجسمية والنفسية والعقلية جميعًا أن تمارس أعلى وظائفها وأعمقها تغلغلًا في كيان الإنسان
وأضافت السعداوي: كما لا يقوم الحب على الأنانية، كذلك لا يقوم الحب على التضحية؛ فالمرأة التي تقول للرجل إنها ضحت بنفسها من أجله امرأة لا تشعر بالحب، فالحب ليس تضحية بالنفس وليس نكرانًا للذات، إن نكران المرأة لذاتها أنانية مقنعة؛ فهي تُضحي بنفسها لسبب واحد هو أنها لم تكن تملك هذه النفس؛ فهي تضحي بشيء لا تملكه.. والإنسان الذي فقد ذاته أو نفسه لا يستطيع أن يحب؛ فالحب توكيد لثقة الإنسان في ذاته، وامتداد لحبِّه لنفسه ليحب سائر البشر، والمرأة من خلال ضغوط المجتمع والكبت فقَدت ذاتها وفقدت ثقتها في نفسها.