كيف أثر الانفتاح الاقتصادي علي الأغنية المصرية؟.. كتاب يكشف التفاصيل
يدور كتاب "الغناء والسياسة في تاريخ مصر" الصادر عن دار نهضة مصر للدكتورة ياسمين فراج، أستاذة النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون حول اشتباك أحد أدوات الثقافة وهى الموسيقى والغناء والسياسة عبر تاريخ مصر، بدءًا من عصور الفراعنة، وانتهاء بموسيقى وغناء أحداث يناير 2011 وما تبعها الى أن نصل للأغنيات الدعائية لمرشحي رئاسة الجمهورية.
تأثير الانفتاح الاقتصادي علي الأغنية
في الفصل الأول من الكتاب "الأغنية الوطنية بين الماضي والحاضر"؛ تناولت الدكتورة ياسمين فراج تأثير الانفتاح الاقتصادي على الأغنية المصرية؛ حيث تقول:" بعد انتصار أكتوبر 1973 اختلف وضع مصر الإقليمي والدولي، وراح الرئيس محمد أنور السادات يطمح في مستقبل اقتصادي أفضل لمصر فأصدر "ورقة أكتوبر" التي نُشرت عام 1974، حدد من خلالها مشكلات مصر الاقتصادية وقد ارتأت هذه الورقة أن استعادة المعدل القديم للنمو يجعلنا في أمس الحاجة إلى موارد خارجية، ومن هنا كانت الدعوة إلي الانفتاح الاقتصادي، التي بنُيت على تقدير لاحتياجات الاقتصاد المصرى من ناحية، والفرص المتاحة للتمويل من ناحية أخرى مما يستوجب تزويد مصر بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة.
وتابعت الدكتورة ياسمين فراج، ما لا شك فيه أن سياسة الانفتاح الاقتصادي أتاحت الفرصة للمستثمرين في مجال الفن بدخول وسائل تكنولوجية حديثة في المجالات ومنها تلك الوسائل في استوديوهات تسجيل الصوت في مصر وكان من أبرز هذه الوسائل ما يعرف بتراكات الصوت التي بدأت فقط ثم راحت تتكاثر مع التطور التكنولوجي حتى وصلت الآن إلى مئات التراكات.
والتراك كلمة أجنبية تعني «قناة، فبعد أن كان تسجيل الأغنية يتم على مرة واحدة من بدايتها لنهايتها - وكأنها تغنى في حفلة حية - أصبحت تسجل على عدة أجزاء نتيجة لظهور أربع قنوات صوتية في الاستوديو، فعلى سبيل المثال يمكن تسجيل المقدمة الموسيقية على تراك (قناة)، وغناء المذهب على قناة أخرى، والكوبليهات على قناة ثالثة، وهناك طريقة أخرى كانت متبعة في بداية ظهور تلك التقنية بأن يتم تسجيل موسيقى الأغنية كاملة من الفرقة على تراك ما، ثم يتم تسجيل الغناء بأكمله على تراك ثان، ثم يسجل غناء الكورس على تراك ثالث، والتراك الرابع يترك لأي خطأ يحدث أثناء التسجيل لتعديل هذا الخطأ. وقد سهلت تقنيات تسجيل الصوت الحديثة التي دخلت مصر بعد ورقة أكتوبر عملية صناعة الأغنية عما سبق.
ظهور الفرق الغنائية المتأثرة بنظيرتها الغربية
بعد انفتاح أهل الموسيقى والغناء على العالم شرقه وغربه، ظهرت مجموعة من الشباب في منتصف سبعينيات القرن الماضي، أوجدت الفرق الغنائية المتأثرة بالفرق الغربية التي حققت نجاحًا في دول أوروبا وأمريكا مثل فرق «إيجلز أو النسور في أمريكا التي تأسست عام 1971، وفرقة أباء السويدية التي تأسست عام 1972، وجميع هذه الفرق كانت تعتمد على آلات البائد الغربي المكونة من الليد جيتار، والباص جيتار، والكيب وورد أو الأورج، والدرامز، ينضم إليها أحيانًا آلة الساكسفون أو مجموعة آلات النفخ النحاسي مثل الترومبيت أو الترومبون أو كلاهما، ومن أهم الفرق الغنائية المصرية التى ظهرت فى تلك الفترة تحاكي نمط الفرق الغربية التالي.
أبرز الفرق المصرية التي ظهرت بعد السبعينيات
فرقة «النهار» أسسها الفنان محمد نوح، تأسست عام 1974، وقدمت مجموعة من الأغنيات أبرزها "مدد مدد مدد / شدي حيلك بار من صغر السن"
فرقة "سمير الإسكندراني الذي قدم مجموعة من الأغنيات يخلط فيها بين الكلمات المصرية والأجنبية، ويستخدم فيها بعض المقال من أغنيات الفلكلور مثل «يا نخلتين في العلالي ونذكر من هنا الأغنيات Take Me Back To Cairo) ، يارب بلدي وحبايبي والمجتمع والناس.
فرقة "محمد منير" التي خرجت إلى النور عام 1977م مع ظهور أول ألبوماته، الفرقة كانت بقيادة عازف البركشن (الإيقاعات) يحيى خليل العائد وقتها من أمريكا حاملا حداثتها الموسيقية، وقدم من خلاف العديد من الأغنيات كان منها السياسي مثل:"الليلة يا سمرة، والقومية مثل تعال تلضم أسامينا" التي تحث على التعاون والتوحد.
فرقة "المصريين" بقيادة الملحن هاني شنودة، ومن أبرز أعضائها إيمان يونس، وتحسين يلمذ، ومن أبرز أغنياتها" حضارة المصريين، تحسبوش يا بنات إن الجواز راحة، يا ماما ستو".
فرقة "الفورام " بقيادة عزت أبو عوف يشاركه شقيقاته الأربعة "مريم، مها، منال، ميرفت"، ومن أشهر أغنيات الفرقة "مغنواتي، دبدوبة التخينة، الوله ده."
فرقة "الأصدقاء" تأسست عام 1980 بقيادة الملحن والموزع الموسيقي عمار الشريعي، التي ضمت ثلاث مواهب جديدة آنذاك هم "منى عبد الغني، علاء عبد الخالق، حنان"، ومن أبرز أغنيات الفرقة:" الحدود، مع الأيام، حبيبتي بتعلمني أحب الحياة، إلى كل طير مهاجر".
فرقة "الجيتس" بقيادة الملحن والموزع الموسيقي سمير حبيب التي اعتمدت في بدايتها على تقديم رؤية موسيقية جديدة غربية الطابع البعض الأغنيات القديمة مثل" سالمة يا سلامة، شد الحزام الملحنها السيد درويش"، ومن ناحية أخرى تقديم بعض أغنيات الفرق الغربية الشهيرة بكلمات مصرية، ثم أصبحت تقدم بعض الأغنيات الخاصة بها.
فرقة "طيبة للشقيقين حسين ومودي الإمام، التي تأسست عام.1984م.
كيف عكست الفرق الغنائية تأثير السياسات الانفتاحية على جيل السبعينيات والثمانينيات؟
وترى مؤلفة الكتاب، أن للفرق المذكورة سلفا عدة سمات عكست تأثير السياسات الانفتاحية على جيل السبعينيات والثمانينيات أبرزها:
- اعتماد الفرق على الآلات الموسيقية الغربية وتحديدًا آلات الباند الغربي المتمثلة في ليد "جيتار، باص جيتار، كيب وورد أورج، آلات إيقاعية أبرزها الدرامز"، وأن تراوح عدد أعضاء الفرق بين خمسة أشخاص وعشرة، وعدد العازفين بين أربعة وستة.
- وترى أن الإيقاعات التي ظهرت فى أغنيات تلك الفرق كان معظمها غربي الطابع، مثل الديسكو، والروك بأنواعه، وان الجملة اللحنية في موسيقى هذه الفرق كانت قصيرة، لتتناسب مع رد الإيقاعات الغربية، وطبيعة أصوات المؤدين.
- وأن الأداء الغنائي لأعضاء هذه الفرق اعتمد على أداء النوتات الموسيقية البعيدة عن التطريب بشكل صحيح، فأغلبهم مجموعة من المؤدين فقط الكورس الغنائي كان غالبا ما يؤديه مغنو الفرقة نفسها، أو عازفو الفرقة على الآلات المختلفة.
- وترى د. ياسمين فراج، أن تراوح زمن الأغنية في هذه الفرق بين ثلاث إلى ست دقائق تقريبا، وأن جميع هذه الفرق ظهر فيها العازف المغني، الذي يعزف على آلة موسيق وفي نفس الوقت يغني، كما ظهر في أغنيات هذه الفرق نوع من تعدد التصويت البسيط (غناء لحن واحد من منطقتين صوتيتين مختلفتين)، حيث نسمع غناء المؤدي المنفرد وفي أجزاء محددة من مقاطع الغناء يظهر صوت فرد آخر يغني نفس المقطع بنفس اللحن ولكن من منطقة صوتية مختلفة.
يقع هذا الكتاب في ستة فصول؛ بالفصل الأول الذي يحمل عنوان "الأغنية الوطنية بين الماضي والحاضر" ويدور حول عرض الأنواع وسمات الأغنيات الوطنية في فترات مختلفة، اما الفصل الثاني بعنوان "السلام الوطني في تاريخ مصر الحديث، ويتناول الفصل الثالث " الموسيقى والغناء في آخر ثورات مصر 25 يناير 2011، أما الفصل الرابع يتناول "سيميولوجيا الأغنيات الدعائية لمرشحي رئاسة الجمهورية"، وتتناول د. ياسمين فراج في الفصل الخامس "المبدعون والطريق إلي ثورة 30 يونيو"، ويتناول الفصل السادس "نقد نماذج لأغنيات إرتبطت بأحداث سياسية في مصر".