رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تؤكد موقفها من القضية الفلسطينية.. أمام العالم!!

كما هو العهد دائمًا فى الدبلوماسية المصرية، ورشادة حكمة القيادة السياسية.. أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرة أخرى، ثوابت الموقف المصرى التاريخى، بالنسبة للقضية الفلسطينية.. وأنه لا يمكن أبدًا، أن يتم الحياد أو التنازل، بأى شكل كان، عن تلك الثوابت.. وقال، إنه عندما يشير إلى الثوابت، فإنه يعنى بذلك الأسس الجوهرية التى يقوم عليها الموقف المصرى.. والتى تشمل بالقطع، إنشاء الدولة الفلسطينية، والحفاظ على مقومات تلك الدولة، وبالأخص، شعبها وإقليمها.. وذلك بمناسبة ما يتردد، بشأن موضوع تهجير الفلسطينيين.
بنفس هدوء القوة الذى ينتهجه الرئيس تجاه القضايا القومية الكبرى، وما تواجهه البلاد من تحديات، طمأن الشعب المصرى، فى كلمته خلال المؤتمر الصحفي، بقصر الاتحادية، أمس الأربعاء، مع الرئيس الكيني، ويليام روتو، «بأنه لا يمكن أبدًا التساهل، أو السماح بالمساس بالأمن القومى المصرى».. وبلغة لا تُهادن ولا تستفز، أكد عزمه على العمل مع رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب- الذى يرى الرئيس السيسى، أنه يرغب فى تحقيق السلام- للتوصل إلى السلام المنشود القائم على حل الدولتين فى فلسطين المحتلة.. ويرى أن الرئيس ترامب، قادر على تحقيق ذلك الغرض، الذى طال انتظاره، بإحلال السلام العادل الدائم فى منطقة الشرق الأوسط.
وحتى لا تختلط الأوراق وتتوه الحقائق، فى معمعة السردية الإسرائيلية عن طبيعة الصراع فى المنطقة، أوضح الرئيس، أنه خلال ما يقرب من خمسة عشرشهرًا أكدنا أن ما نراه منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، هو إفرازات ونتائج لسنوات طويلة، لم يتم فيها الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية، بالتالى، فإن جذور المشكلة لم يتم التعامل معها.. لذلك، وكل عدة سنوات، ينفجر الموقف ويحدث ما نراه أو ما رأيناه فى قطاع غزة.. إذن، الحل لهذه القضية، هو حل الدولتين.. إيجاد دولة فلسطينية.. هذه حقوق تاريخية لا يمكن تجاوزها.. (وهذا ليس رأيى.. لا بد أن يكون الرأى العام فى اعتبارنا، ليس العربى، وليس المصرى فقط، بل الرأى العام العالمى، الذى رأى ويرى وقوع ظلم تاريخى على الشعب الفلسطينى، خلال السبعين عامًا الماضية، ويرى أن الحل ليس إخراج الفلسطينى من أرضه ومكانه، لا.. بل الحل فى الدولتين، جنبًا إلى جنب.. أمن وسلام للمواطن الإسرائيلي، وأمن وأمان للمواطن الفلسطينى».
النقطة الثانية التى ذكرها الرئيس، هو ما رأيناه ورآه العالم، من خلال عودة الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، بعد تدمير استمر أكثر من أربعة عشر شهرًا، حيث مئات الآلاف الذين عادوا.. وتساءل الرئيس، فى استفهام تقريرى: لماذا عادوا؟.. وإلى ماذا عادوا؟.. ليؤكد أنهم عادوا للعيش فوق ركام المبانى التى تم تحطيمها على مدار الشهور الماضية.. وبما أنه يخاطب العالم، من خلال هذا المؤتمر الصحفي، أوضح الرئيس، أن الهدف الإسرائيلى من تحطيم البنية الأساسية والبيوت فى القطاع، لم يكن خافيًا على القيادة السياسية المصرية.. لذلك، فنحن فى مصر، حذرنا فى بداية الأزمة، من أن يكون ما يحدث، محاولة لجعل الحياة مستحيلة فى قطاع غزة، حتى يتم تهجير الفلسطينيين.. وقلنا وقتها، فى هذه الفترة من أكتوبر، مع كل من التقيناه من مسئولين، أن هذه الأزمة، هى ازمة ناتجة، ليس فقط بسبب عنف وعنف متبادل بين الطرفين، ولكنها نتيجة لفقدان الأمل، فى إيجاد حل للدولة الفلسطينية للشعب الفلسطينى.
لأن الرئيس مسئول عن قراراته المصيرية أمام شعبه، الذى يقدره ويثق فيه، فإنه وجه للعالم سؤالًا، عما يمكن أن يقوله للشعب، ماذا سأقول للرأى العام المصرى؟.. ولن أتحدث عن الرأى العام العربى أو العالمى.. أقول أيه لو طلب منى توضيح عما يتردد عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر؟، ليجيب، أنا أتصور أن هذا معناه- كفرضية نظرية- عدم استقرار الأمن القومى المصرى والأمن القومى العربى فى منطقتنا، وشدد على أنه من الضرورى أن يفهم من يستمع إلينا الآن حول العالم، أن هناك أمة لها موقف فى هذا الأمر، أنا موجود أو غير ذلك.. الظلم التاريخى الذى وقع على الفلسطينيين وتهجيرهم سابقًا، ولم يعودوا إلى مناطقهم، وقد سبق التأكيد لهم أنه قد يعودوا إليها مرة أخرى بعد تعميرها.. هل هذا سيحدث مرة أخرى؟.. لا أعتقد، والشعب المصرى لو طلبت منه، سينزل كله فى الشارع وهيقول لا.. لا تشارك فى ظلم.. أقولها بكل وضوح.. ترحيل الشعب الفلسطينى من مكانه، ظلم.. لا يمكن أن نشارك فيه.
وبمناسبة عبارة الرئيس السيسى  «أن هناك أمة لها موقف فى هذا الامر، أنا موجود أو غير ذلك»، دعونى أتوقف عند مقتطفات من كتاب «الحرب» للصحفى الأمريكى، بوب وودوارد، عندما سأل وزير الخارجية فى إدارة جو بايدن، أنتونى بلينكن، عما ستفعله إسرائيل بشأن المدنيين فى غزة خلال الحرب؟.. وكان بلينكن يعلم أن معظم مستشارى رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، المقربين فى الغرفة، يمثلون مختلف الأطياف السياسية لنتنياهو، جالانت سياسى لكنه أكثر مرونة.. رئيس الأركان الإسرائيلى، هرتسى هاليفى، هو صقر أيضًا، لكنه معقول.. ولكن ما مدى معقولية القيادة الإسرائيلية المصابة بصدمة عميقة؟.. كان لدى نتنياهو رد جاهز على سؤال بلينكن.. قال، «لنقم بإنشاء ممر إنسانى.. سنأخذهم جميعًا إلى مصر، ونتركهم يذهبون إلى هناك».
تفاجأ بلينكن.. كان من الواضح من البداية، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تريا الوضع بنفس الطريقة.. هل كانت الخطة حقًا دفع كل الفلسطينيين إلى خارج غزة نحو مصر؟.. كان بلينكن يعلم أن الرئيس السيسى، الذى كان زعيمًا لمصر منذ حوالى عشر سنوات، سيكون غاضبًا، لم يكن ليريد أو يقبل مئات الآلاف، وربما حتى مليون لاجئ فلسطينى.. وفكر بلينكن على الفور، فى التاريخ الطويل لنقل الفلسطينيين من أراضيهم.. كان ذلك هو «النكبة»، النزوح الجماعى للشعب الفلسطينى خلال حرب 1948 العربية- الإسرائيلية، التى اعتبرها القادة العرب، الجريمة التاريخية الكبرى والخسارة الأكبر فى الذاكرة الفلسطينية.. كانت «النكبة»، وهى الكلمة العربية التى تعنى الكارثة.
قال بلينكن للقادة الإسرائيليين- يستطرد وودوارد فى كتابه- «قد تكون هناك مخاوف بشأن ذلك، لكن دعونا نتحدث مع الآخرين.. كان من المقرر أن يجتمع مع قادة من جميع أنحاء العالم العربى فى الأيام القليلة المقبلة.. قال رون ديرمر، رفيق نتنياهو وصندوقه الأسود، «لن تكون هناك أزمة إنسانية فى غزة، إذا لم يكن هناك مدنيون.. ثم أضاف: «رجل واحد!!، السيسى لا يمكن أن يقف فى الطريق»!!.. ونتوقف هنا- والكلام لكاتب هذا المقال- ما معنى أن يقول ديرمر أن رجلًا واحدًا السيسى لا يمكن أن يقف فى الطريق؟!!.. عبارة حمالة أوجه كثيرة، ربما أعادتنا لعبارة الرئيس السيس، أنا موجود أو غير ذلك!!.. لأن وودوارد يؤكد، أن الرئيس السيسى كان يعلم أن نتنياهو سيكون سعيدًا إذا فتح حدوده ودفع الفلسطينيين خارج غزة، ثم لم يسمح لهم بالعودة أبدًا، بعد كل شىء.. لقد فعلت إسرائيل ذلك من قبل.. بعد الحروب مع إسرائيل فى عامى 1948 و1967، لم يتمكن اللاجئون الفلسطينيون- الذين فروا إلى الأردن ولبنان وسوريا-  وملايين من نسلهم من العودة إلى منازلهم.. كانت إسرائيل قد اتخذت موقفًا، بأنه يجب إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل.. وكان حق العودة، إحدى العقبات الرئيسية فى جميع مفاوضات السلام.. انتهى كلام وودوارد.
●●●
عمومًا، فإن كلمات الرئيس السيسى خلال المؤتمر الصحفى مع الرئيس الكينى، كانت تأكيدًا قويًا على دعم مصر الثابت للحق الفلسطيني، وتعبيرًا صادقًا عن موقفها الواضح والحازم فى الدفاع عن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، والتأكيد على استمرار هذا الدعم دون تراجع.. واعتبار تهجير الفلسطينيين من أراضيهم خط أحمر لا يمكن تجاوزه، لما له من انعكاسات كارثية على الأمن القومى المصرى والمنطقة بأكملها.. وقد شكَّلت تصريحاته ردًا مباشرًا على الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بعد أن ادّعى ترامب إجراء مكالمة مع السيسى بخصوص القضية الفلسطينية، وهو ما ثبت عدم صحته بعد مراجعة سجلات البيت الأبيض.. وأوضح الرئيس بشكل قاطع، أن هناك حدودًا لما يمكن أن تفرضه إسرائيل، وحدودًا أخرى لما يمكن للولايات المتحدة التدخل فيه، خصوصًا أن الشعب الفلسطينى فى غزة، أثبت تمسكه بأرضه رغم الدمار والمعاناة، عندما توجه العديد من النازحين شمالًا نحو ديارهم، بدلًا من التوجه إلى الحدود المصرية، فى دليل واضح على صمودهم وإصرارهم على البقاء فى وطنهم، حتى ولو كان حطامًا.
ويعكس حديث الرئيس السيسى عن رفض مصر القاطع لأى محاولة لتهجير الفلسطينيين، استيعاب القيادة السياسية المصرية للواقع المُعقد فى المنطقة، لأن مثل هذه المحاولات لن تؤدى سوى إلى تعميق الأزمة، وإشعال المزيد من التوترات فى الشرق الأوسط، والموقف المصرى الواضح فى هذا السياق، يؤكد حرص الدولة على دعم القضية الفلسطينية، من منطلق مبدئى وإنسانى، فضلًا عن اعتبارات الأمن القومى، التى تجعل من أى تهديد لحقوق الفلسطينيين تهديدًا مباشرًا لمصر.. وما قدمه الرئيس من رؤية شاملة فى المؤتمر الصحفى، تنسجم مع ثوابت السياسة الخارجية المصرية، التى تقوم على السعى لتحقيق السلام العادل والشامل، والذى يجب أن يقوم على حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.. كما نوه إلى أن مصر، منذ بداية الأزمة الحالية، حذرت من المخططات التى تسعى إلى تهجير الفلسطينيين، بجعل الحياة فى غزة غير قابلة للاستمرار، وهو ما يُظهر بوضوح حرص القيادة المصرية على الحفاظ على الحقوق الفلسطينية التاريخية، ومنع تكرار المآسى الإنسانية التى يعانى منها الشعب الفلسطينى، منذ أكثر من سبعة عقود.. وكان فى ذلك، رسالة واضحة للمجتمع الدولى، بضرورة التحرك الجاد لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، ووضع حد لمعاناة الشعب الفلسطينى، والتأكيد على أهمية الدور المصرى فى دعم عملية السلام والتواصل مع الأطراف الدولية، بما فى ذلك الإدارة الأمريكية، للتوصل إلى حلول دائمة، تضمن تحقيق العدالة للفلسطينيين وإنهاء الاحتلال.
ما قاله الرئيس السيسى، فى حضور نظيره الكينى، ويليام روتو، هو دستور ومنهج الدولة المصرية منذ فجر التاريخ، وما تمسكه بالثوابت المصرية، إلا تأكيد على أن مصر هى قلب العروبة النابض، وأن رئيسها لا يساوم ولا يتاجر بثوابت الأمن القومى المصرى مهما كلفه الأمر.. وفى ذلك، درس فى العزة والكرامة والشرف، يضع اسمه فى سجلات التاريخ، كزعيم وطنى شجاع يتعامل بشرف، فى زمن عز فيه الشرف.. وهذا ما يستوجب تعاون واستمرار الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب، فى التعاون مع الدولة المصرية ورئيسها، الركن الحصين لاستقرار هذه المنطقة، من خلال آليات مشتركة تهدف إلى إقرار حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة، والعمل على إقرار السلام العادل والشامل فى الشرق الأوسط.. و«محدش يقدر يلوى ذراع مصر».
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين