تهجير الفلسطينيين
كلمة التهجير تدل على فعل يرتبط بالنقل أو الطرد أو الإزاحة، وتستخدم أكثر للإشارة إلى فكرة الإبعاد القسرى عن الموطن أو المكان الذى فيه إقامة هادئة إلى مكان آخر. باستخدام العنف.
تعتبر فكرة التهجير أحد الأركان الأساسية للمشروع الاستيطانى الكبير، الذى قامت عليه دولة إسرائيل، وهى إحدى نتاج الفكر الصهيونى، التى تقوم على طرد الفلسطينيين من أرضهم، وإحلال اليهود بدلًا منهم.
تعتبر فكرة التهجير من الأفكار الراسخة فى الفكر الصهيونى، من خلال الكتابات المبكرة لكبار الكتاب الصهاينة، مثل القس البريطانى ألكسندر كيث، والذى ردد شعار «فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وكان قد قام بزيارة لفلسطين العثمانية عام 1839، وقام بتأليف كتاب عام 1844 يصف فيه اليهود بأنهم «تائهون فى العالم» و«شعب بلا دولة»، ويرى بأن لديهم «دولة بلا شعب».
ظهر هذا الفكر، لأول مرة، فى مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897، حيث جرى تعميمه وتأصيله، ونال زخمًا سياسيًا وإعلاميًا هامًا فى أوروبا، وتم ترويجه فى مختلف دول العالم فيما بعد.
تلقف الفكرة الكاتبان الصهيونيان الكبيران. ثيودور هرتزل وحاييم وايزمان، واللذان قاما بجهود كبيرة من أجل تبنى هذه الفكرة وتنفيذها. ونتيجة مباشرة لجهودهما، ومشاركتهما فى الحرب العالمية الثانية مع دول الحلفاء، وبإلحاحهما على الحكومة البريطانية ظهرت بوادر التنفيذ من خلال الاعتراف البريطانى بأن اليهود هم أمة لها الحق فى السيادة على أرضها الخاصة، وحيز ترابى خاص بها، وهو ما يعرف بوعد «بلفور»، الذى أعلنه وزير الخارجية البريطانى فى نوفمبر 1917، وكانت تلك هى الخطوة الأولى لتأسيس إسرائيل.
بدأت عملية التهجير تسير على قدم وساق، وكانت تقوم بها عصابات الهاجانا اليهودية. كانت هذه العصابات التى تسكن المستوطنات القريبة من القرى الفلسطينية، وتقوم بهدم المنازل والمستودعات والمواشى واقتلاع الأشجار، وإزالة القرى كلها، وبعدها يتم تغيير اسم القرية إلى اسم عبرى جديد، بالإضافة إلى إحاطتها بجدار عسكرى وحمايتها من قبل العصابات الصهيونية لمنع عودة سكانها إليها.
تمت هذه العمليات بشكل مبطّن أمام الاستعمار البريطانى حتى عام 1936، حيث اشتعلت ثورات العرب، مما أجبر حكومة الاستعمار البريطانية على الخوف من غضب المنطقة العربية بأسرها. لوجود مصالح لها فى معظم لبلاد العربية.
ومع ذلك، لم تقصر عصابات المستوطنين حملاتها الإرهابية على الفلسطينيين وأراضيهم من 1936 حتى 1947، بل شملت أيضًا حملات تحريضية إرهابية ضد مراكز حكومية بريطانية، بهدف طردهم والاستيلاء الكامل على أرض فلسطين.
وتمت إزالة مئات القرى الفلسطينية فى الأراضى التى احتلتها عام 1948. وصودرت أراضيها.
استمرت إسرائيل فى القيام بعمليات الطرد الجماعية للفلسطينيين حتى عام 1959 عندما تدخلت الأمم المتحدة.
وبدأت بعد ذلك بتهيئة الفكر لمشكلة اكتظاظ السكان العرب فى غزة، والخوف من الانفجار السكانى وتأثيره على إسرائيل، وظلت تقوم بهجمات مختلفة من آن لآخر؛ لتدمير البنى التحتية لغزة؛ لجعلها منطقة لا تصلح للسكن، وكان آخر تلك العمليات هو ما قامت به هى عملية تهجير قسرى أمر بها الجيش الإسرائيلى فى أكتوبر 2023 لجميع أراضى قطاع غزة، للإخلاء إلى الجنوب. وفقًا للأمم المتحدة، أعطى الجيش الإسرائيلى مهلة 24 ساعة للإخلاء، فى حين لم يحدد متحدث باسم الجيش الإسرائيلى موعدًا نهائيًا وقال إن الجيش الإسرائيلى يفهم أن الإخلاء «سيستغرق بعض الوقت». جاء هذا الأمر بعد قيام حركة حماس وعدد من فصائل المقاومة الفلسطينية بمهاجمة إسرائيل فيما عرف بعملية طوفان الأقصى، والهجوم على بعض المستوطنات المجاورة للقطاع وعدد من المواقع الأخرى، إزاء ذلك قام الجيش بإجلاء مئات الآلاف من الفلسطينيين من شمال غزة، الأمر الذى يوصف بأنه جريمة ضد الإنسانية وانتهاك صارخ للقانون الإنسانى الدولى.
وكان الجيش الإسرائيلى يطلب من الفلسطينيين النازحين فى قطاع غزة الاتجاه إلى المعبر الحدودى المصرى فى رفح.
وفور ظهور نوايا إسرائيل فى إجبار الفلسطينيين على النزوح، قام الرئيس السيسى بفضح هذا المخطط، وأعلن مع الملك عبدالله بن الحسين، ملك الأردن، رفضه هذا المخطط.
فى كل لقاءاته وتصريحاته وخطبه، يؤكد الرئيس السيسى، على خطورة تهجير الفلسطينيين، باعتبار أن هذا الأمر يشكل خرقًا للأمن القومى المصرى والمنطقة العربية كلها.
وقد شكلت حشود الفلسطينيين فى شارع صلاح الدين فى غزة ما يعد رفضًا لفكرة التهجير، وأعلن الفلسطينيون أنهم يرفضون مبدأ التهجير وأصروا على العوة الى أماكنهم التى نزحوا منها. رغم استحالة الحياة فى تلك الأماكن، بعد تجريدها من المرافق الحيوية بفعل العدوان على كل قطاع غزة.