"الحرمان من الأبناء".. معاناة الآباء المصريين مع أطفالهم المُجنّسين
في مدينة الغردقة الساحلية، المعروفة بجمال شواطئها وسحرها، والتي يتوافد عليها آلاف السائحات من مختلف دول العالم، بعضهن يقعن في حب شباب مصريين بدوافع مختلفة لديهن، لتتوج تلك العلاقات بالزواج، ولكن خلف هذه الرومانسية الظاهرة، توجد قصص إنسانية مؤلمة أولها وأهمها الحرمان من الأبناء، وهو أن يُحرم بعض الآباء المصريين من رؤية أبنائهم بعد الطلاق أو الانفصال وعودة هؤلاء السيدات إلى بلادهن، ليصبح الرجال ضحية قوانين دولية معقدة، تعيق تواصلهم مع أطفالهم أو حتى رؤيتهم لسنوات وقد تصل إلى حرمان دائم.
ومع مرور الوقت واختلاف الثقافات وطرق التربية، قد تظهر الخلافات، التي تؤدي حتمًا إلى الانفصال، وهنا تبدأ قصة معقدة يتألم فيها الآباء المصريون لفقدان أطفالهم، وتنزف قلوبهم قبل عيونهم دمًا من الحرمان من رؤية فلذة أكبادهم.
أصوات آباء محرومين وهل هم ضحايا أم جُناه على أنفسهم وأبنائهم؟
التقينا أثنان من الآباء في الغردقة، واللذان كان لهما تجربة مباشرة يحكيان عن قصتهما وهم يعْتَصِرون ألمًا من الفُراق ليقول أحدهم قائلًا: «لم أكن أتوقع أنني سأُحرم من رؤية ابني إلى الأبد بعد الانفصال أخذت زوجتي ابني إلى بلدها، ورفضت أن أراه أو أتابع حياته حتى أنني لم أستطع التواصل عبر الهاتف أو حتى الإنترنت وبات ممنوعًا عليّ حتى سماع صوته».
يقول "محمد ع. أ" والذي فضّل عدم ذِكر اسمه، وهو أحد المتزوجين من أجنبيات بالغردقة، إنه حُرم من رؤية ابنه الذي يبلغ من العمر حاليًا 14 عامًا، بسبب خلاف دار بينه وبين زوجته، ليعقبه سفرها إلى بلدها الأوروبية، تاركةً له جرحًا لن يهدأ ولن يلتئم إلا برؤية ابنة الذي اختفت ملامح وجهه من ذاكرة أبيه، مؤكدًا أن الآباء المصريين يواجهون صعوبات قانونية كبيرة عند محاولة استرجاع حقوقهم في رؤية أبنائهم، إذ تعتمد العديد من الدول الغربية على اتفاقيات دولية تتيح للزوجة الأجنبية العودة إلى وطنها بصحبة الأطفال دون الرجوع إلى الأب.
وأوضح لـ«الدستور»، أنه كان ضحية لِطيّشِ شبابهُ وحلمة بالسفر رفقة زوجته ذات الجنسية الأوروبية، مشيرًا إلى أن ما يعانيه من حرمان لعدم رؤيته فتاهُ الصغير يظل فأسًا مغروسًا في ظهره الذي انحني من غياب فتاه الضائع، مؤكدًا أن القانون عاقبة قبل أن تعاقبه زوجته، وذلك بسبب أن هناك مواد قانونية لا تلزم الدول الأخرى بتمكين الأب من رؤية أطفاله، ليصبح الحل الوحيد في يد المؤسسات الدبلوماسية التي تحاول التدخل وديًا، لكنها غالبًا ما تفشل في تحقيق نتائج ملموسة علي المدي البعيد حتي.
أما "علاء. م. ع" وهو شاب أربعيني يقيم في مدينة الغردقة، قال: منذ أكثر من عشر سنوات، كنت متزوجًا من سيدة أجنبية الجنسية وأنجبت منها ابني الوحيد.. كنت سعيدًا وملتزمًا ببناء عائلة مستقرة اجتماعيًا، لكن بعد فترة، نشأت بيننا خلافات أدت إلى انفصالنا، لتعود زوجتي إلى بلدها وابني معها"، مؤكدًا أنه منذ تلك اللحظة لم يتثنى له الفرصة لرؤية ابنه أو التواصل معه رغم محاولاته المتكررة للتواصل مع طليقته والتوصل إلى حل يمكّنهُ من رؤية طفله منذ عقد من الزمان.
الحديث لم يتنهي هنُا فالنماذج كثيرة والتجارب مختلفة ومتعددة لكن النهاية واحدة حين يجد بعض الآباء أنفسهم أمام قوانين دولية معقدة تقف في صف الزوجة الأجنبية، خاصة إذا كانت الدولة التي تنتمي إليها الزوجة لا تعترف بحقوق الأب الأجنبي في رؤية أطفاله بعد الطلاق.
اختلاف الثقافات والأفكار وتأثيرها في علاقة الزواج بين مصريين وأجنبيات
وتحدثت الدكتورة سلمى محمد يوسف، أخصائية الصحة النفسية، في تصريحات خاصة لـ«الدستور» عن تأثير اختلاف الثقافات والأفكار في علاقات الزواج بين المصريين والأجنبيات، مؤكدةً أن هذه الفكرة بدأت في الاندثار مؤخرًا مع ظهور العديد من الحالات التي انتهت بفشل تلك الزيجات وما يصاحبها من مشكلات وخلافات وعواقب وخيمة.
وأكدت الدكتورة سلمى، أن هؤلاء الشباب يجدون أنفسهم أمام طريقين الأول هو الاجتهاد في الدراسة والبحث عن منح دراسية أو فرص عمل، أما الطريق الآخر فهو الزواج من فتاة أجنبية، التي يرون فيها «جواز سفر» لتحقيق حلمهم بالسفر وبدء حياة جديدة.
وأضافت أن هذه العلاقات تبدأ دون وعي بالصعوبات المستقبلية، وأبرزها فقدان الهوية، فالشاب قد يجد نفسه تائهًا بين هويته العربية وهوية زوجته الأجنبية، مما يفقده الشعور بالاستقرار ولذة الحياة بشكل عام.
وأشارت إلى أن المشكلات تتفاقم إذا كان هناك أطفال نتاج هذا الزواج، خاصةً عند حدوث الانفصال، وهو أمر شائع في مثل هذه العلاقات غير المتوازنة، وفي هذه الحالة يعاني الأطفال من صراع داخلي بين هويتهم العربية التي يمثلها الأب، وهوية الأم الأجنبية، مؤكدةً أن غياب الثقافة والهوية المشتركة في المنزل ينعكس سلبًا على الأطفال، مما قد يدفع الأم للتفكير في أخذهم إلى بلدها الأصلي، ويترك الأب وحيدًا يعاني من ألم الفقد والحنين إلى أبنائه الذي من الممكن ان لا يراهم حتي نهاية حياته.
واختتمت أخصائية الصحة النفسية حديثها بنصيحة للشباب الذين يفكرون في الزواج من أجنبيات، قائلةً «يجب أن يكون لدى الشباب وعي بهويتهم الفكرية وأن يفهموا احتياجاتهم ودوافعهم للزواج، والتفكير العميق والبحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار وهي الخطوة الأولى لضمان نجاح أي علاقة زوجية.»
التحديات القانونية التي تواجه المتزوجين من أجنبيات بعد الانفصال وعودتهن إلى بلادهن
يواجه الآباء المصريون صعوبات قانونية كبيرة عند محاولة استرجاع حقوقهم في رؤية أبنائهم بعد سفرهم، إذ تعتمد العديد من الدول الغربية على اتفاقيات دولية تتيح للزوجة الأجنبية العودة إلى وطنها بصحبة الأطفال دون الرجوع إلى الأب، وذلك مع غياب اتفاقيات قانونية تلزم الدول الأخرى بتمكين الأب من رؤية أطفاله.
وأوضح محمد عمر محامي مصري متخصص، أنه يحق للسيدة المصرية كانت أو أجنبية التجول داخل البلاد بكل حرية، ولكنه يجب على الأب في حال نشوب خلافات أو انفصال باللجوء لمحكمة الأسرة وإحضار الأوراق الثبوتية اللازمة ويتم تقديمها لجهات الاختصاص القضائية وهي دائرة الأمور الوقتية، عند صدور قرار بمنع للطفل من السفر ويتم تنفيذ القرار من خلال جهات الاختصاص، مؤكدًا أن عادة ما يقع الخطأ على عاتق الأب في إهماله باتباع الإجراءات القانونية مسبقًا لحماية اطفاله.
وأضاف، في تصريحات له، أن الوعي المسبق بحقوق وواجبات الطرفين أمرًا ضروريًا قبل الزواج من أجنبيات، حيث يجب أن يكون هناك تفهم قانوني واضح لحقوق الأب في حال وقوع الطلاق، وخاصة حقوقه في رؤية الأطفال. كذلك يمكن للأبناء التمتع بمزيد من الحماية إذا تم وضع اتفاقيات مسبقة تتضمن حق رؤية الأب لأبنائه في حال الطلاق.