رسميًا وشعبيًا رفض مصرى حاسم للتهجير
مخطط تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، سيناريو قديم ومتكرر، وجاءت حرب غزة الأخيرة كفرصة لإسرائيل كى تعيد طرح هذا الملف من جديد، بدأ الطرح خجولًا فى البداية عندما تكلم اليمين الإسرائيلى عن عدة فرص للتهجير فى بلدان إفريقية وآسيوية، وبين الحين والآخر يبرز تصريح لمسئول إسرائيلى ليقول صراحة إن مصر والأردن مرشحتان لاستقبال بعض الفلسطينيين.
هنا تأتى الإجابة المصرية صادمة وصاعقة بالرفض الواضح والصريح لأسباب كثيرة، فى القلب منها عدم سماح مصر بتصفية القضية الفلسطينية، حيث تتبنى مصر الحل العادل وهو إعلان إقامة الدولتين.
وبالرغم من الرفض المصرى المتكرر، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت رواجًا فى الإعلام الغربى والإسرائيلى عن إعادة طرح فكرة التهجير إلى مصر والأردن، وكالعادة جاءت الردود المتوقعة من القاهرة وعمان بالرفض التام.
ولكن هذه المرة تصاعدت نبرة الرفض على كل المستويات داخل مصر، سواءً كانت شعبية أو رسمية، الأزمة الفلسطينية الناتجة عن حرب غزة مازالت ساخنة، بل وملتهبة فى الضفة الغربية وبدلًا من إطفاء النيران، جاءت تصريحات التهجير من جديد صاخبة من العاصمة الأمريكية، وجاء بالطبع الموقف المصرى ليؤكد ثوابت لا تتغير، ليكون صوتًا صارخًا فى وجه محاولات طمس الهوية الفلسطينية عبر التهجير القسرى.
فمنذ اللحظة الأولى، كان الرفض المصرى قاطعًا لأى سيناريو يسعى إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها، ليُترجم هذا الرفض إلى مواقف رسمية واضحة، كان آخرها الخطاب القوى للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أطلق رسالة واضحة وصريحة وصادقة، قال فيها للعالم بأسره لن نقبل بتهجير الفلسطينيين… هذه أرضهم، وهنا سيبقون.
لم يكن الموقف الرئاسى الشجاع منفصلًا عن المزاج الشعبى والسياسى فى مصر، إذ جاء البرلمان المصرى ليؤكد بصوت واحد رفضه القاطع لمخططات التهجير، معتبرًا أن أى محاولة لفرض هذا الأمر بالقوة بمثابة إعلان صريح بتصفية القضية الفلسطينية. ولذلك شهدنا النواب المصريين فى تصريحات متلاحقة غاضبة تقول إن مصر التى لطالما كانت سندًا للقضية الفلسطينية، لن تكون طرفًا فى أى سيناريو يُفضى إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها، مشددين على أن الحل لا يكمن فى تهجير السكان، بل فى إنهاء الاحتلال ووقف الانتهاكات المستمرة.
هذا السند الشعبى الداعم لموقف الرئاسة المصرية ليس جديدًا على الحالة المصرية، لأن المعروف تاريخيًا هو أن مصر عبارة عن كتلة واحدة متلاحمة تظهر فى المواقف الفاصلة وتنتصر، فى المواقف الكبرى ينسى المصريون اختلافاتهم ويعلنون للعالم كله أن مصر وهى القلب النابض للعرب عندما تتبنى موقفًا عادلًا فإنها قادرة على السير فيه من أجل إقراره.
ويمكننا القول ان الخطاب الحاسم للرئيس عبدالفتاح السيسى، حمل بين طياته دلالات سياسية وإنسانية عميقة، حيث ردّ الرئيس على الضغوط الدولية، وفى مقدمتها تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى ألمح إلى إمكانية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. وقال السيسى بوضوح لا يحتمل التأويل: «نحن نرفض تمامًا أى محاولة لتهجير الفلسطينيين… وأى تحرك فى هذا الاتجاه سيواجه بموقف مصرى حاسم.» وأضاف: «أمن مصر القومى ليس محل نقاش، ولن نسمح بأن نكون جزءًا من أى مشروع يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية»
جاءت كلمات السيسى امتدادًا لنهج مصرى ثابت، حيث شدد بما معناه على أن الحل العادل يكمن فى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وليس فى تهجير أصحاب الأرض وتشريدهم بعيدًا عن وطنهم.
وهنا بالتحديد، وعقب كلمة الرئيس المصرى، تزايدت التساؤلات حول مدى قدرة مصر على الصمود أمام الضغوط الدولية التى قد تحاول فرض واقع جديد فى المنطقة، ولكن- كما قلنا فى بداية المقال- التجارب السابقة أثبتت أن مصر، بحكم موقعها التاريخى ودورها المحورى، قادرة على التمسك بمواقفها، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمنها القومى وقضايا العدل الإنسانى، كما أن الدعمين العربى والدولى المتزايدين للموقف المصرى، إلى جانب صمود الفلسطينيين أنفسهم، يجعل من أى محاولة لفرض التهجير بالقوة أمرًا فى غاية الصعوبة.
ولأن مصر تمثل مؤشر البوصلة فى تحديد الاتجاهات، فقد لاقى الموقف المصرى إشادة واسعة من مختلف الأطراف، سواءً على المستوى العربى أو الدولى، حيث اعتُبر نموذجًا للدفاع عن الحق الفلسطينى فى مواجهة محاولات فرض حلول غير عادلة. وجاءت التعليقات مؤكدة على تقدير لموقف مصر الواضح والثابت، ومتفقة على أن التهجير القسرى ليس حلًا، بل جريمة ضد الإنسانية لا يمكن القبول بها تحت أى ظرف.
والآن ونحن فى معركة تُكتب تفاصيلها بدماء الأبرياء، نشهد الموقف المصرى صلبًا، منحازًا للحق الفلسطينى، رافضًا أى محاولة لطمس الهوية الوطنية لشعب عانى طويلًا من الاحتلال والتهجير. وبينما تتسارع الأحداث، يظل الثابت الوحيد هو أن فلسطين للفلسطينيين، وأن مصر، بمواقفها التاريخية، ستبقى درعًا تحمى القضية من محاولات الطمس والتشريد.