نازحون فى غزة: مأساتنا الإنسانية تضاعفت مع البرد وتساقط الأمطار واستمرار القصف الإسرائيلى
يشهد قطاع غزة بالتزامن مع القصف الإسرائيلى المستمر، والتعنت فى إدخال المساعدات، موجة برد قارس، ومنخفضًا جويًا صاحبه سقوط كميات ضخمة من الأمطار، وغرق الخيام، وتشريد مئات الآلاف من النازحين مرة أخرى.
واستمعت «الدستور» إلى شهادات عدد من النازحين الذين تعرضت خيامهم للغرق، وأصيبوا بأمراض خطيرة جراء البرد والتلوث والأوضاع المزرية التى يعيشون فيها فى العراء.
علاء ماجد: المياه جرّفت المفروشات والمخدات.. وتعرضنا لمشكلات صحية خطيرة بسبب التلوث
قال علاء ماجد صيام، نازح من شمال غزة، إن خيمته تعرضت للغرق جراء المنخفض الجوى الذى تشهده الأراضى الفلسطينية حاليًا، مضيفًا: «أنا من سكان شمال غزة، كان منزلنا مكونًا من سبعة طوابق فى مدينة غزة، وتعرض للتدمير الكامل جراء القصف مع بداية الحرب، واضطررنا للنزوح إلى منطقة النصيرات فى وسط القطاع، وبعد أن سمعنا عن اجتياح محتمل لمنطقة النصيرات، قررنا الانتقال إلى رفح جنوب القطاع».
وتابع: «فى رفح كانت الأوضاع ليست أفضل، فقد واجهنا العديد من الصعوبات والمشاكل. عائلتى تتكون من ستة أفراد، أنا وزوجتى، ووالدتى، وثلاث أخوات، كما كان أخى وعائلته معنا فى الخيمة، والتى كانت تضم سبعة أفراد، هو وزوجته وخمسة أطفال، جميعنا تأثرنا بشكل كبير من تبعات الحرب وآثارها».
وأكمل: «بعد فترة من النزوح إلى رفح، قررنا العودة مجددًا إلى النصيرات، لكن الأوضاع هناك كانت كارثية»، قائلًا: «الخيام التى كنا نعيش فيها كانت قد تعرضت لتلف كبير بسبب التعرض المستمر لأشعة الشمس الحارقة، ومع مرور الوقت تهالكت الخيام وتآكلت جدرانها. لم نكن نملك أغطية كافية لحمايتها، حيث اضطررنا لاستخدام الملاءات لتغطية الجدران، لكن تلك أيضًا تآكلت بشكل سريع».
وأضاف: «المعاناة لم تقتصر على الخيام فقط، بل تعدتها إلى ظروف الحياة القاسية، كان البرد القارس والمجاعة من أكبر المشاكل التى واجهتنا. نقص الغذاء فى غزة وصل إلى حد جعل الناس يموتون جوعًا، فى وقت كانت فيه الأمراض تنتشر بشكل واسع نتيجة قلة الطعام وظروف الحياة الصعبة».
وقال إن الأوضاع الصحية كارثية أيضًا، مردفًا: «كان من الصعب توفير النظافة الشخصية. فى بعض الفترات لم نتمكن من الحصول على أى مواد للتنظيف أو الاستحمام، ما أدى إلى تعرض الأطفال للأمراض الجلدية والطفح الجلدى نتيجة اللعب فى الرمال الملوثة».
وذكر أن النقص فى المرافق الصحية يشكل مصدر قلق كبير، حيث تسببت الحمامات غير الصحية داخل الخيام فى تفشى الأمراض بشكل أكبر، مضيفًا: «كان الوضع الصحى سيئًا للغاية، وكانت الحمامات داخل الخيام غير صالحة للاستخدام، الأمر الذى زاد من معاناتنا».
وأكمل: «ما نعيشه فى غزة هو نتيجة مباشرة للحرب وويلاتها، نحن نكافح من أجل البقاء فى ظروف قاسية جدًا. نأمل أن يكون ما نعانيه فى ميزان حسناتنا، وأن يفرج الله عنا وعن أهلنا فى غزة».
وتابع: «فى فصل الشتاء والبرد القارس، نحن نعانى كثيرًا بسبب خيامنا المتضررة، كما تعلمون، الخيام تتعرض للتلف بشكل سريع من كثرة التنقل وتعليقها بواسطة المسامير، ما يؤدى إلى تمزقها».
وأردف: «فى الأيام الماضية تعرضت خيامنا لمشاكل كبيرة، حيث كانت تتساقط منها المياه بسبب تسربها، والبرد كان شديدًا لدرجة أن الفراش والأغطية تبللت، والمخدات أيضًا لم تنجُ من البلل، وفى يوم الإثنين الماضى فقط تعرضنا لثلاث مرات من الغرق بسبب الأمطار الغزيرة، ونعانى من هذه الأوضاع دون أى مساعدة».
رامز الصورى: الضائقة الاقتصادية ومنع دخول المساعدات دفعا البعض للتورط فى أعمال السرقة
قال رامز الصورى، من شمال قطاع غزة، إن مدينة غزة شهدت العديد من الأزمات الإنسانية نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتدهورة، وآخرها الحرب القاتلة عليها التى أدت إلى تفكك المجتمع، مع انهيار الجبهة الداخلية لها، ما زاد وفاقم الوضع الإنسانى المزرى عليها، خاصة بعد هجرة السكان لمنازلهم التى أصبحت ركامًا فيما بعد.
وأضاف: «هنا برزت عدة أزمات، ومشكلات، من أهمها سرقة المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى السكان المدنيين فى شمال غزة، والتى زادت بشكل ملحوظ فى الآونة الأخيرة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة معاناة السكان».
أوضح أن هناك بعض العوامل التى تؤدى لسرقة المساعدات الإنسانية، أولها الضغط الاقتصادى الذى يعيشه سكان غزة والوضع الاقتصادى الصعب وغلاء الأسعار بشكل لا يطاق، وتدنى القدرة الشرائية وعدم توافر السيولة النقدية، وهذا يزيد من احتمالية تورط بعض الأفراد فى هذه الأعمال غير القانونية للحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وأضاف أنه فى العديد من الحالات تفتقر قوافل الإغاثة إلى التأمين الكافى أثناء نقل المساعدات فى مناطق صعبة الوصول، ما يسهل عملية السرقة، خاصة فى المناطق الشمالية التى يسيطر الاحتلال على أكثر من نصفها.
وتابع: «هنا يبرز انخفاض الثقة بين السكان المحليين والنازحين من مناطق سكناهم فى المؤسسات الإغاثية، والذى قد يدفع البعض إلى اتخاذ خطوات غير قانونية للحصول على المساعدات، حيث تؤدى سرقة المساعدات إلى تداعيات خطيرة على الفئات الأشد حاجة، فبدلًا من أن تصل المساعدات إلى مستحقيها، يتم تحويلها إلى الأسواق ليتم بيعها أو يتم استهلاكها من قبل أشخاص ليسوا فى حاجة حقيقية لها، وهذا يعمق الأزمة الإنسانية ويزيد من صعوبة توفير الدعم للفئات الضعيفة».
وأشار إلى أنه تم البدء فى اتخاذ إجراءات لتعزيز أمن قوافل المساعدات المتوجهة إلى مراكز توزيع المساعدات، بما فى ذلك نشر دوريات أمنية لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
وأوضح أن ظاهرة سرقة المساعدات فى شمال مدينة غزة تؤكد ضرورة تعزيز الأمن والرقابة على عمليات توزيع المساعدات الإنسانية، وتحسين ظروف المعيشة للسكان المحليين بشكل عام.
وقال: «يتم ذلك من خلال تكاتف الجهود بين المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية ودوائر السلطة الفلسطينية، وتفعيل لجان الرقابة التى تعمل على إعطاء المجتمع حقوقه الإغاثية بما يمكن من الحد من هذه الظاهرة، وضمان وصول الدعم إلى من يحتاجونه بشكل عادل وآمن».
عامر الفرا: تدمير أكثر من 10 آلاف خيمة.. والأطفال وكبار السن فى خطر
أكد عامر الفرا، الإعلامى الفلسطينى من قطاع غزة، أنه مع دخول فصل الشتاء، وهو الفصل الثانى الذى يحل على سكان قطاع غزة فى ظل استمرار الحرب، تفاقمت أزمات الفلسطينيين، وخاصة النازحين. وأوضح «الفرا»: «فى هذه الأيام يأتى منخفض جوى قوى يضرب قطاع غزة مصحوبًا بأمطار رعدية ورياح عاتية، ما أدى إلى تدمير أكثر من ١٠ آلاف خيمة للنازحين، فى مناطق مواصى بخان يونس ومدينة رفح ومدينة غزة، فمياه البحر جرفت خيام النازحين على الشاطئ الذى لجأوا إليه بسبب عدم وجود مناطق لنصب خيامهم». وأضاف: «كل هذه الأمور زادت من معاناة السكان وخاصة النازحين الذين باتوا فى الشوارع فى ظل هذه الحرب وفى هذا البرد الشديد، ومعظم النازحين نزحوا من بيوتهم مرغمين تحت القصف الجوى والمدفعى الإسرائيلى، إضافة إلى تدمير منازلهم سواء فى خان يونس أو رفح».
وقال «الفرا» إن استمرار الحرب وقدوم فصل الشتاء سيفاقمان الأوضاع، وسيزيدان من انتشار الأمراض وخاصة بين الأطفال وكبار السن الذين لا يتحملون برودة الجو وقسوته.
وتابع: «نشاهد السكان وهم فى الشوارع لا حول ولا قوة لهم بعد فقدان خيامهم، وما يضاعف من معاناتهم هو استمرار إغلاق إسرائيل المعابر، ومنع إدخال الخيام والمساعدات الإنسانية والغذائية فى ظل نفاد كل السلع لدى السكان».
وأشار «الفرا» إلى أنه رغم الدمار الذى حل ببعض المنازل جراء القصف، فإن هناك فلسطينيين حاولوا إعادة ترميم وإعمار البيوت وتغطيتها بقطع بلاستيكية، ويسكنون فى هذه البيوت ويفضلون ذلك عن الخيام، على الرغم من أنه متوقع بأى لحظة أن ينهار المنزل فوق رءوسهم؛ نتيجة تصدعه جراء القصف، وتابع: «نحن نتحدث عن مزيد من المعاناة وتدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية لدى سكان غزة فى ظل استمرار الحرب».
كمال الرواغ: سقطت منظومة الأخلاق العالمية أمام الصهاينة
قال كمال الرواغ، صحفى فلسطينى نازح وسط القطاع: «كنا بالأمس نقول عند سقوط الأمطار هذا فصل الخير، أما اليوم فأقول هذا شهر الشر على أهالى غزة، وخاصة النازحين فى خيام اللجوء».
وأوضح «الرواغ»، لـ«الدستور»: «لقد أصبح النزوح تمرينًا رياضيًا لأهل الخيام»، مشيرًا إلى أن «أصعب ما فى الأمر هو مُحاذاة خيام النازحين لساحل البحر، وهذه مأساة جديدة تضاف إلى المآسى والأحزان الهائلة التى نعانى منها».
وتابع: «لقد جرفت المياه الخيام مع الأغطية وأوانى الطبخ، وبصعوبة استطاع الناس النجاة بأطفالهم، وباتوا ليلتهم فى العراء وفى البرد القارس هم وأطفالهم».
وتساءل: «ما ذنب الأطفال والأمهات والآباء؟ أين العالم وهيئاته الأممية القانونية والإنسانية؟ لقد سقطت منظومة الأخلاق العالمية أمام الجبروت الصهيونى، النازحون لا يواجهون فقط القصف وموت الأحبة والأصدقاء والزملاء والتهجير المستمر وجشع التجار، بل الظروف الطبيعية من حر الصيف وانتشار الحشرات والأوبئة، إلى برد الشتاء وهطول الأمطار التى دمرت الخيام ومراكز الإيواء المتهالكة».
وقال: «ما يجرى فعلًا هو حرب إبادة فى أشكال متعددة ومتنوعة». وحول معاناة الأهالى ورد فعلهم على غرق خيامهم، أكد: «جرى أخذ الأهالى إلى مناطق نزوح جديدة، وهناك من لجأ إلى أحد أقاربه أو جيرانه، وهناك من ينتظر الرحمة من أهل الخير بأن يساعده فى بناء خيام جديدة له».
علاء الدردساوى: أعيش أنا وأطفالى فى العراء والخطر الدائم
يعانى المواطن الفلسطينى والمحاسب علاء الدردساوى، أحد النازحين من منطقة القرارة على شاطئ بحر خان يونس، من أوضاع إنسانية مأساوية بعد أن اجتاحت عاصفة بحرية عنيفة المنطقة، ما أدى إلى تدمير المئات من الخيام. وقال «الدردساوى» إن العاصفة كانت كارثية؛ إذ جرفت الرياح العاتية وموج البحر القوى أكثر من سبعين خيمة، ما أدى إلى تدميرها بالكامل، موضحًا: «كنا نائمين داخل الخيام حين فوجئنا بالموج العاتى، وسحب الماء كل الأغراض التى كانت بداخلها». وأضاف: «كنت نائمًا مع أطفالى، بينهم طفل رضيع وآخر مريض يعانى من عدة أورام فى جسده، ونبحث له عن علاج فى الخارج. وفى منتصف الليل انهارت الكثير من الخيام بسبب الأمواج العاتية، وتسبب الموج فى تكوين تجمعات مائية بين الخيام، ما زاد من معاناتنا». وتابع: «لقد أصبحنا فى وضع كارثى، ونحن نطالب الجميع بالوقوف إلى جانبنا ومساندتنا. نحتاج إلى تأمين مأوى لنا من خلال توفير أراضٍ أو خيام مقاومة لهذه الرياح والعواصف التى تجتاحنا بشكل مستمر».
وأشار إلى أن أبناءه يعانون من أمراض بسبب الأمطار الغزيرة التى هطلت، ما فاقم معاناتهم، مضيفًا: «نحن لم نجد أى استجابة فعلية من الجهات المسئولة. وتوجهنا إلى مؤسسة الفجر والتنمية، التى تعمل على توفير المساعدات، ولكن للأسف لم تقدم لنا سوى عشر خيام فقط، وقد جرى نصبها فى منطقة غير صالحة، وهى منطقة قريبة من نقاط القتال فى مدينة حمد، حيث توجد مخاطر كبيرة». وأكمل: «نطالب بتوفير خيام فى مناطق آمنة بعيدًا عن مناطق الحروب والقصف، كى لا نعيش فى خطر دائم. نحن فى حاجة ماسة إلى مخيمات إنسانية تضمن لنا الأمان والعيش بكرامة». وناشد الهيئات الإنسانية الدولية الوقوف إلى جانبهم، قائلًا: «نحن الآن فى العراء على شاطئ البحر، دون مأوى أو مساعدة حقيقية.
صائب لقان: عاجزون عن تشغيل آبار المياه ومضخات الصرف الصحى
قال صائب لقان، المتحدث الإعلامى باسم بلدية خان يونس، إن دخول المنخفض الجوى يتزامن مع وجود أزمة فى بلدية خان يونس، تتفاقم كل يوم؛ جراء عدم مقدرتها على تشغيل آبار المياه ومضخات الصرف الصحى الناجم عن امتناع الاحتلال الإسرائيلى عن إدخال الوقود إلى الهيئات المحلية والبلديات، مؤكدًا: «هذا الوقود لازم لتشغيل المرافق الصحية المائية والخدماتية». وأضاف «لقان»، لـ«الدستور»، أنه منذ أسبوعين تقريبًا والاحتلال لم يدخل الوقود، ما يجعل المشكلة البيئية تتفاقم وتتسع رقعتها كل يوم نتيجة طفح مياه الصرف الصحى فى الشوارع وبعض الأماكن المنخفضة فى خان يونس.
وأشار إلى أن هناك أكثر من ٦٠ نقطة ساخنة «أى مناطق منخفضة» فى مدينة خان يونس تغرق سنويًا بمياه الأمطار جراء سريان الأودية فى بعض الشوارع الرئيسية، شرقى المحافظة باتجاه مركز المدينة.
وأكد «لقان» أن المأساة الحقيقية التى كنا نخشاها هى غرق خيام النازحين القاطنين فى تلك المناطق بمياه الأمطار، وهذا ما حدث بالفعل خلال المنخفض الجوى الحالى.