رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أهالى جنوب غزة لـ«الدستور»: لا ماء ولا غذاء.. والمتوافر بأسعار خيالية

صورة ارشيفيه
صورة ارشيفيه

تشهد مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة مأساة حقيقية، خلفتها حرب الإبادة والتجويع المستمرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، تتمثل فى نقص مياه الشرب، نتيجة منع الاحتلال إدخال الوقود اللازم لتشغيل محطات المياه والتحلية.

وأكدت بلدية خان يونس أن توقف إمدادات الوقود يحرم أكثر من مليون و٢٠٠ ألف مواطن فى المدينة من الحصول على المياه، وسط استمرار الإبادة الإسرائيلية لأكثر من عام، منذ أكتوبر ٢٠٢٣.

ووصف سائد أبوعيطة، نازح فى مواصى خان يونس، الوضع بالمأساوى للغاية، ليس فى موضوع المياه فقط، وإنما الغذاء أيضًا، محملًا الاحتلال الإسرائيلى مسئولية تدهور أوضاع النازحين ووصولهم إلى المجاعة، فى ظل إصراره على منع إدخال المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى موت الإنسان جوعًا فى غزة.

وأضاف «أبوعيطة»، فى شهادته، لـ«الدستور»: «سكان غزة النازحون المشردون فى وسط وجنوب القطاع وخان يونس يدفعون ثمن الفوضى»، مستنكرًا إقدام إسرائيل على معاقبة أهل غزة بمنع إدخال المساعدات.

وواصل: «ضغطت الإدارة الأمريكية على إسرائيل من أجل إدخال المساعدات الإنسانية مؤخرًا، ودخلت القطاع بالفعل بناءً على هذه الضغوطات، لكنها ليست بالمستوى المطلوب».

ونبه النازح الفلسطينى إلى وجود ارتفاع «خيالى» فى أسعار السلع الغذائية، وهو سبب آخر للتجويع، إلى جانب تقنين المساعدات الإنسانية، ومنعها فى كثير من الأحيان، بداعى منع وصولها إلى «حماس».

وأضاف: «أضف إلى ذلك ما أسميه منظومة اللصوص، وهى عصابات يديرها بعض العائلات الإجرامية، تعمل على سرقة المساعدات وبيعها بأسعار خيالية فى الأسواق، ما يجعلها سببًا رئيسيًا للوصول إلى حالة المجاعة داخل قطاع غزة».

وبالنسبة للمعاناة فى الوصول إلى المياه الصالحة للشرب تحديدًا، قال «أبوعيطة»: «هناك مبادرات إنسانية لنقل المياه إلى سكان وسط وجنوب خان يونس، مرة كل يومين، ما يجعل من مياه الشرب متوافرة نسبيًا».

وواصل: «الغذاء فى الفترة الحالية غير متوافر، وعلى رأسه الطحين الذى يُقدم كمساعدات إنسانية، ويعتبر غذاءً أساسيًا بطبيعة الحال، إلى جانب حليب الأطفال وبعض الأطعمة المعلبة، وهى قليلة جدًا فى مخازن وكالة أونروا والمنظمات الدولية».

واختتم «أبوعيطة» بقوله: «يُسرق جزء كبير من هذه المساعدات الغذائية، وبطرق مختلفة، إما عن طريق السطو بشكل مباشر، ثم تُباع فى الأسواق بسعر خيالى، أو تسرق من خلال توزيع الحصص».

وأكد زكريا بكر، نازح من شمال غزة إلى الجنوب منذ اندلاع الحرب، أن الأزمة الحالية ليست أزمة مياه فقط، وإنما أزمة فى الطحين والخضروات والملابس.

وأضاف «بكر»، لـ«الدستور»: «للأسف الشديد رجعنا لأيام العصر الحجرى، فى نقل المياه، فالرجال والأطفال والنساء جميعهم يعبئون المياه طوال اليوم، لأن مصادرها شحيحة، وهناك عائلات تمشى مسافات طويلة جدًا حتى تستطيع تأمين المياه».

وواصل: «نقص الوقود يعنى توقف سيارات المياه عن العمل، وبالتالى مشكلة كبيرة للجميع، فالمياه تعنى حياة، وهى أهم من كل شىء، وانقطاعها يعنى الحكم بالإعدام على الناس، لذا فى كثير من الأحيان نشرب مياهًا غير صالحة للشرب».

ورأى «بكر» أن «اللصوص يستكملون أفعال الاحتلال، أو يساعدونه فى فرض المجاعة، من خلال رفع أسعار جميع السلع الغذائية، بما فيها العدس والأرز، اللذان تضاعف سعرهما بصورة كبيرة فى الفترة الأخيرة».

وأضاف: «نسمع عن إدخال سلع لكن لا نراها، وحتى السكر أصبح ثمنه أضعاف السعر الطبيعى»، مشددًا على أن «الوضع مأساوى وأقرب إلى المجاعة، وما يلزم أهالى غزة للبقاء على الحياة قليل جدًا».

وأشار إلى وصول سعر كيس الطحين إلى ١٣٠ دولارًا، بينما يفترض أن يوزع بالمجان، ضمن المساعدات الإنسانية التى تصل غزة، مؤكدًا أن الكيس لا يكفى عائلة من ٨ أفراد أكثر من أسبوع.

وتساءل: «أنا كمريض قلب ماذا آكل؟»، مضيفًا: «لا يوجد طعام صحى، وبصعوبة بالغة لا أجد سوى العدس أو الزعتر. هذا الطعام هل يصلح للمرضى والحوامل مثلًا؟»، مؤكدًا أنه «حتى مستلزمات الأطفال من حليب وحفاضات لا يستطيع أحد شراءها؛ بسبب ارتفاع سعرها».

وتابع: «أوضاعنا المعيشية تبكى، أكيد نحزن ونموت قهرًا على شهدائنا، لكن تضميد جراح الباقين على قيد الحياة أصعب، فى ظل هذا الوضع المأساوى، لذا كل الأحزان مؤجلة، فى ظل صراع البقاء وتأمين ما نحتاجه للحياة»، معتبرًا أن «كل الكلمات تعبير سخيف عمّا نكابده ونعيشه، فنحن نموت باليوم عشرات المرات».

من جانبها، قالت الدكتورة داليا أحمد، نازحة من الشمال إلى النصيرات جنوب غزة، إن المعاناة بدأت منذ اندلاع الحرب، خاصة بالنسبة للمياه، سواء كانت مياه الشرب أو المياه المخصصة للنظافة، موضحة: «المياه لا تصل بصورة يومية، فقط مرة بالأسبوع».

وشددت على أن الأزمة شملت النازحين والعائلات التى ما زالت تسكن فى بيوتها، و«لكن الأزمة عند الأخيرين أخف ضررًا لوجود خزانات مياه بالرغم من صعوبة تعبئتها»، مضيفة: «نحن النازحين نعانى كثيرًا لعدم وجود خزانات مياه، لهذا نحن مضطرون لقضاء مهام الغسيل والطبخ وحى الاستحمام باليوم الذى تتوفر فيه المياه، ومضطرون لقطع مسافات أقلها كيلو متر للحصول على المياه، ونضطر أوقاتًا أن نشتريها بأسعار مرتفعة».

وحول المياه الصالحة للشرب، قالت: «على الأغلب نشتريها إذا ما تمكنا من سيارات المياه، وعلى الأغلب نصاب بنزلات معوية كونها غير معقمة ١٠٠٪»، موضحة: «المياه إذا بقيت لأكثر من يوم داخل الإناء نلاحظ تغير لونها، وهذا دليل على عدم التكرير الجيد لها بسبب عدم توافر الوقود الكافى للتحلية».

أما ثائر أبوعطيوى، الكاتب الصحفى، مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات فى فلسطين، نازح حاليًا بجنوب غزة، فذكر أنه مع استمرار الحرب المسعورة والعدوان الغاشم على قطاع غزة، لأكثر من ٤٠٠ يوم على التوالى، تظهر فى كل يوم أزمة جديدة ضمن عملية متواصلة للأزمات المتراكمة والمتشابكة التى تحتاج إلى حلول عاجلة وسريعة، نظرًا لتأثيرها على حياة النازحين المشردين الذين يعيشون فى الخيام بالشوارع ومراكز الإيواء المكتظة بالأعداد البشرية الهائلة وخصوصا النساء والأطفال. 

وأضاف أنه، خلال الساعات الماضية، ظهرت أزمة قديمة جديدة، ولكنها اليوم تعتبر أزمة تحتاج لحلول عاجلة وسريعة وإلا سوف تتحول هذه الأزمة لكارثة إنسانية ونكبة حقيقية على صحة السكان والنازحين فى محافظة خان يونس جنوب القطاع، وتتمثل فى تعذر تشغيل آبار المياه ومحطات التحلية بعد نفاد الوقود اللازم لتشغيل المضخات وآبار المياه الجوفية.

وأوضح أن «إمدادات الوقود توقفت عن العمل منذ قرابة أسبوع، الأمر الذى يعنى تعطيل الخدمات الأساسية وحرمان أكثر من ١٫٢ مليون مواطن ونازح من الحصول على مياه صالحة للشرب»، مشددًا على أن «نفاد الوقود فى بلدية خان يونس لأكثر من أسبوع ينذر بكارثة حقيقية خصوصًا ونحن على أبواب فصل الشتاء، ونظرًا لإمكانية هطول الأمطار سوف تتدفق مياه الصرف الصحى فى الشوارع العامة وفى طرقات وممرات خيام النازحين، الذى ستكون له عواقب وخيمة، متمثلة فى انتشار الأوبئة والكوارث البيئية الصحية وانتشار الأمراض بين السكان وجموع النازحين فى الخيام ومراكز الإيواء».

وواصل: «هناك إشكالية لا تقل خطورة أيضًا عن انتشار مياه الصرف الصحى فى الشوارع العامة نتيجة نفاد الوقود، وهى تعطل خدمات البلدية فى نقل وجمع وترحيل النفايات، ما أدى إلى تراكم حوالى ٢٥٠ ألف طن من النفايات فى شوارع خان يونس وبين خيام النازحين وفى مراكز الإيواء، والأهم من ذلك أن هناك آبار تحلية تحتاج لوقود بشكل مستمر من أجل استخراج مياه التحلية من الأراضى الجوفية والتى يحتاجها السكان والنازحون للشرب».

وأكد أن الاحتلال الإسرائيلى دمر أكثر من ٨٠ ألف متر طولى من شبكات وخطوط الصرف الصحى، فضلًا عن تدمير ٣٤ كيلومترًا من خطوط تصريف مياه الأمطار، إضافة إلى تدمير أكثر من ٤٠ بئرًا للمياه، مشددًا على أن الأوضاع الصحية والإنسانية والأزمة الحالية التى تعيشها بلدية خان يونس تنذر بكارثة حقيقية قادمة إذا لم تتدخل الهيئات والمؤسسات الأممية من أجل الضغط على إسرائيل لإدخال الوقود بشكل عاجل وسريع.

وتابع: «لهذا المطلوب تدخل المجتمع الدولى من أجل حل هذه الأزمة البيئية والصحية التى تهدد حياة أكثر من مليون نازح فى محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة».

من جهته، قال الدكتور صلاح عبدالعاطى، رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين «حشد»، إن دولة الاحتلال الإسرائيلى تستمر فى عدوانها وحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، موضحًا أن «الاحتلال يمنع إدخال الوقود والمساعدات الإنسانية وعرقلتها وهذا الأمر تسبب فى انتشار المجاعة وسوء التغذية، بجانب انتشار الأوبئة والأمراض بسبب عدم القدرة على تشغيل محطات الصرف الصحى نتيجة نقص الوقود، وعدم تشغيل محطات فلترة المياه»، لافتًا إلى أن أكثر من ٩٧٪ من مياه غزة غير صالحة للشرب بجانب تدمير الاحتلال لآبار المياه.

وأكد أن الوضع فى خان يونس يستدعى تدخل المجتمع الدولى لضمان إدخال الوقود لتشغيل محطات الصرف الصحى ومحطات تحلية المياه لضمان تزويد السكان النازحين بمياه الشرب اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، و«هذا الأمر يجب تنفيذه أيضًا على باقى مدن القطاع شمالًا التى تتعرض لعمليات تطهير عرقى بالغة الوحشية وحصار خانق لأكثر من ٥٠ يومًا يمنع فيها كل أسباب الحياة المساعدات والمياه على السكان المدنيين».

وشدد على أن تلك الجرائم ينبغى على المجتمع الدولى التحرك من أجلها ومن أجل إدخال المساعدات والوقود والمياه والمستلزمات الطبية لضمان إغاثة ومعالجة النازحين، وضمان تزويدهم بالمياه اللازمة لبقائهم على قيد الحياة.