رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لقاء مع طه حسين كاد يُنهى مسيرة توفيق الدقن الفنية.. ما القصة؟

توفيق الدقن
توفيق الدقن

في مثل هذا اليوم عام 1988، رحل عن عالمنا توفيق الدقن، أحد أشهر من قدم أدوار الشر في تاريخ السينما المصرية٬ واشتهر بالعديد من "الإفيهات" فمن منا لا يتذكر عبارات: "أحلى من الشرف مفيش، العلبة دي فيها إيه؟، صلاة النبي أحسن، يا آه يا آه".

كواليس لقاء جمع توفيق الدقن مع العميد طه حسين

وقبل أن يقتحم مجال الفن، وخلال دراسته بمعهد التمثيل، جمع القدر بين توفيق الدقن وعميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، وهو اللقاء الذي روي "الدقن" كواليسه وملابساته خلال حوار لمجلة الكواكب الفنية، في عددها الصادر عام 1957.

ويقول "الدقن": قاتل الله الغرور فإنه يودي بأهله، وقد عانيت منه الكثير، فجعت وقاسيت الحرمان، فاللهم لا تحكم به على عدو ولا حبيب.. كان أول الطريق إلى الشاشة مفروشا بالزهور، كنت عند الإسعاف عندما نظر أحدهم إلى وجهي وقال لي: "إنت رايح فين، أنا عاوزك، أنا إبراهيم عزالدين المخرج السينمائي وعاوزك تقابلني بالليل في جمعية الشبان المسلمين". 

وذهبت في الموعد، لأجد الدكتور طه حسين هناك، وقدمني إليه إبراهيم عزالدين، ووقّعت في ذلك اليوم عقدا للقيام بدور في فيلم "ظهور الإسلام".

ولفت توفيق الدقن إلى أن "هذه الواقعة هي سبب الغرور الذي أصابني، ففي ذلك الحين كنت مجرد طالب في معهد التمثيل، واعتقدت أنني خلقت لأكون ممثلا عظيما وإلا فلماذا يهبط إبراهيم عزالدين من سيارته ليلتقطني من على الرصيف، ويعطيني دورا ويوقّع معي عقدا دون سابق معرفة.. وتخيلت أنني سأحطم كل الكبار الذين سبقوني".

وأضاف: وانتهيت من دوري وانتظرت أي طارق على الباب، ولم يأت أحد، شهر وعام وعامان وأربعة أعوام ولا جديد في الأفق، ولا بارقة أمل تطل لتبدد ظلام الحاجة والحرمان واليأس من حياتي.. وكان الغرور قد ركب في رأسي ألا أتصل بأحد أو أعرض نفسي على مخلوق، ولي صديق يعرف حقيقة حالي، هو عبدالمنعم شكري، جاءني ذات يوم وكان حديثه لي كالنشادر، جعلني أفيق، فقد قال لي: "إوعي تحط في دماغك إن حد يعرفك، لازم تعرض نفسك، مفيش بضاعة تستخبى في مخزن وحد يعرفها، لازم تطلع في فاترينة، ولازم تبتدي صغير وتكبر، تقبل أي دور يعرض عليك".

فيجيب توفيق الدقن: لكن أنا ابتديت كبير. فيقول له "شكري": ما هو ده الغلط، ابتديت كبير وافتكرت إنك بقيت كبير، لازم تطلع السلالم واحدة واحدة، وهنبتدي من أول وجديد.

ووافقت وقدمني عبدالمنعم شكري إلى السيد زيادة، وكان يخرج فيلمين هما "دلوني يا ناس"، و"الناس مقامات"، فقبلت دورين تافهين. 

ليالى بلا عشاء 

ويمضي توفيق الدقن قائلًا: مرة أخرى زحف الغرور إلى مخيلتي فتصورت أن هذين الدورين سيفتحان أمامي الأبواب.. وهذه المرة لم يوصد باب الأمل كله، ظل مواربا، فقد أرسل لي قاسم وجدي يقول إن عنده دورا صغيرا في فيلم "أموال اليتامي" للمخرج جمال مدكور، وكنت يوم أرسل لي قاسم لا أملك أكثر من ثلاثة قروش، فقررت أن أقتصدها إلى الصباح فأنام بلا عشاء وأخرج بلا إفطار حتى أستطيع أن أصل إلى استديو مصر. 

وأضاف: اعتقدت أنني سأعود من هناك وفي جيبي خمسة جنيهات على الأقل.. وما إن وصلت هناك حتى ارتديت ثياب قروي، وانتظرت دوري حتى العصر فقلت كلمتين مع محمود المليجي وانصرف محمود بعد ذلك، وذهبت إلى حجرة الملابس لاستبدال ثيابي، ويبدو أنني تأخرت قليلا لأنني خرجت فلم أجد أحدا، وبحثت عن أي مساعد للريجسير لآخذ منه نقودا فلم أعثر على أحد.

وتابع: خرجت من استديو مصر عند أهرامات الجيزة لأمشي على قدمي إلى البيت المتواضع الذي أسكن فيه عند كنيسة سانت تريز بشبرا.. 3 ساعات كاملة قطعت فيها هذه المسافة التي لا تقل عن عشرين كيلو مترا.

وذهبت بعد ذلك لأقوم بدور صغير في فيلم "أنا وحبيبي"، وقد وضعت على وجهي شاربا كثيفا كما طلب مني مساعد المخرج حسن الصيفي، وظللت واقفا أنتظر دوري ساعة وساعتين وخمس ساعات، حتى أدركني الملل فهمست في أذن مساعد المخرج: هاشتغل إمتى يا أستاذ حسن، فقال: ما تستعجلش الصبر طيب، فقلت: هو فيه بعد كده صبر، وسمعني المخرج، وكان كامل التلمساني، فبدا عليه الغضب، أما أنا فمن باب استرداد الكرامة أزلت الشارب من علي وجهي، وكأن "التلمساني" يتلمس فرصة ليتشاجر معي، ووجدها في إزالتي للشارب، وتدخل حسن الصيفي ليفض الشجار ويقنعني بأنني تعجلت الأمور. وقلت لنفسي وأنا أقف أمام الكاميرا: "يا سلام على الصبر".

واختتم توفيق الدقن: وطرحت الغرور عني، ولزمت الصبر في حياتي، وهبطت إلى أرض الواقع بعد أن حلّقت طويلا في سماء الأحلام والغرور التي لم أجد فيها غير الجوع والفاقة والحرمان.