رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاولات النيل من «النبى»

لا يعرف الكثيرون أن النبى، صلى الله عليه وسلم، تعرض لأكثر من محاولة اغتيال، تولى كبرها بعض من اليهود، ونجا منها، صلى الله عليه وسلم، بعصمة الله: «والله يعصمك من الناس». 

بدأت هذه المحاولات منذ فترة مبكرة من وجود النبى، صلى الله عليه وسلم، فى المدينة، إحداها وقعت بعد ٦ أشهر فقط من موقعة بدر، وكان مسرحها حى «يهود بنى النضير». فقد حدث وذهب النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى هذا الحى ليطلب من اليهود أن يعينوه فى دفع دية قتيلين قتلهما أحد المسلمين، استنادًا إلى العهد الذى بينه وبينهم، جاوب اليهود النبى بدرجة عالية من الإيجابية، وقالوا له نعينك على ذلك، ثم خلوا إلى بعضهم البعض، فى حين جلس النبى مع عدد قليل من صحابته، من بينهم أبو بكر الصديق وعلى بن أبى طالب، أسفل إحدى البنايات فى انتظارهم. اجتمع اليهود وقال بعضهم لبعض: لن تجدوا فرصة سانحة لاغتيال محمد خيرًا من هذه الفرصة، فليس إلا أن يصعد أحد الرجال أعلى البناية ويلقى عليه حجرًا فيقضى عليه، وانتدبوا «عمرو بن جحاش بن كعب» ليقوم بالمهمة الخطيرة، ولأن الله تعالى تعهد بعصمة نبيه من أذى الناس، فقد جاءه الخبر من السماء ينبئه بالمؤامرة التى يخطط لها اليهود، فتحرك من المكان من فوره، ولم يتوقف اليهود عند هذا الحد، بل هرولوا وراءه يريدون القضاء عليه، أخذوا يسألون الناس عنه، حتى علموا أنه دخل المدينة وبات بين أنصاره، فتركوه وعادوا أدراجهم إلى حى بنى النضير.

كانت هذه الواقعة السبب فى نشوب الحرب بين النبى ويهود بنى النضير، وذلك بعد ٥ أشهر فقط من موقعة «بنى قينقاع»، وقد حاصر النبى الحى الذى استوطنوه ثلاثة أسابيع متصلة، وكان الطابور الخامس من المنافقين داخل المدينة يحرضون بنى النضير على الصمود ويعدون رجالهم بالمساندة، وأنهم سيقاتلون معهم إذا طوّر النبى الحصار إلى قتال، وقد خانوهم بالطبع، ولما علموا أن النبى تمكن منهم، وأن بنى النضير فى طريقهم إلى الاستسلام، تركوهم وحدهم فى المواجهة. 

تولى اليهود أيضًا كبر المحاولة الثانية لاغتيال النبى، صلى الله عليه وسلم، وقد وقعت بعد فتح خيبر، واليهود فى قمة الغيظ من انتصار النبى عليهم، فخططوا لاغتياله من جديد. وثمة روايات متنوعة تتعلق بهذه المحاولة، أولاها تلك التى تقول إن النبى أهديت إليه شاة بعد فتح خيبر وأكل منها، فلما أحس فيها بالسم طلب من صحابته أن يجمعوا له اليهود الموجودين فى المكان، فلما اجتمعوا قال لهم: إنى سائلكم عن شىء فهل أنتم صادقى عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كذبتم بل أبوكم فلان، قالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقى عن شىء إذا سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته فى أبينا، فقال: هل جعلتم فى هذه الشاة سمًا؟ فقالوا: نعم، قال: ما حمّلكم على ذلك؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا أن نستريح منك، وإن كنت نبيًا لم يضرك. 

أما الرواية الثانية فتقول إن امرأة يهودية أتت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشاة مسمومة فأكل منها فجىء بها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك قالت أردت لأقتلك، فقال ما كان الله ليسلطك علىّ، أو قال على ذلك، قالوا ألا تقتلها، قال لا. عفا الرسول صلى الله عليه وسلم، عن المرأة ولم يقتلها، رغم أن بعض صحابته الذين شاركوه الأكل من الشاة لقوا حتفهم، ويروى أبو هريرة أنه يحتمل أنه، صلى الله عليه وسلم، لم يقتلها فى الابتداء، ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها. وقد احتجم النبى على كاهله من أجل الذى أكل من الشاة، حجّمه أبو هند بالقرن والشفرة. ويحكى «ابن كثير» كلامًا مثيرًا يذكر فيه أن النبى، صلى الله عليه وسلم، مات شهيدًا، يقول فيه: وبقى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعده- أى بعد واقعة أكل الشاة المسمومة- ثلاث سنين، حتى كان وجعه الذى توفى فيه، فقال: ما زلت أجد من الأكلة التى أكلت من الشاة يوم خيبر عدادًا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهرى، فتوفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم شهيدًا.

الروايات فيما يتعلق بمحاولة الاغتيال الثانية للنبى شديدة التضارب، سواءً فيما يتعلق بموقف النبى، صلى الله عليه وسلم، من السيدة التى دست له السم فى الشاة، وهل قتلها أم لم يقتلها، وما السر فى عدم قتلها، هل لأنها سيدة، أم لأنها أسلمت، أم أنه قتلها لما مات أحد أصحابه نتيجة الأكل من الشاة؟. وثمة اختلاف أيضًا فيما يتعلق بأثر الأكل من الشاة على النبى، حيث يذهب البعض إلى أن النبى تناول منها ثم توقف، بعد أن أوحى إليه بأن الشاة مسمومة، ويقول البعض إنه واصل الأكل حتى شبع، ثم اكتشف بعدها أن الشاة مسمومة، واحتجم، وأبرأ الله جسده الشريف من السم، وثمة رواية-عجيبة- ثالثة تقول إن النبى ظل يعانى من أثر السم الذى دس له فى الشاة حتى توفى بعد هذه الواقعة بثلاث سنوات، ويذهب البعض بناءً على هذه الرواية إلى أن النبى أكرمه الله تعالى بالشهادة، كما أكرمه بالنبوة. ينقل «ابن كثير» عن مروان بن عثمان بن أبى سعيد بن المعلى قال كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد قال فى مرضه الذى توفى فيه، ودخلت عليه أخت بشر بن البراء بن معرور: يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهرى من الأكلة التى أكلت مع أخيك بخيبر.

سطور الغدر وخيانة العهود تعد جزءًا لا يتجزأ من سيرة اليهود مع النبى، صلى الله عليه وسلم.