ميسرة صلاح الدين: العلاقة بين الكتاب ودور النشر ملتبسة (حوار)
ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبان ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتي حقوق الملكية الفكرية وغيرها. في سلسلة حوارات تقدمها الــ “الدستور” يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.
ميسرة صلاح الدين
وفي هذا الصدد يروي "ميسرة صلاح الدين"، تجربته، وهو شاعر وكاتب مسرحي ومترجم، صدر له العديد من الدواوين والمسرحيات الشعرية والغنائية. له إسهامات متنوعة في مجال الترجمة حيث ترجم عدد من الأعمال الأدبية الهامة، منها رواية "شوجي بين" الفائزة بجائزة البوكر العالمية للكاتب الأسكتلندي دوجلاس ستيوارت و"رسائل ستيفان زفايج"، ورواية "الناقوس الزجاجي" للشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث.
ما الصعوبات التي صادفتها في طريقك لنشر الكتاب الأول؟
يرتبط دائمًا نشر الكتاب الأول بعدة أفكار ومشاعر متضاربة، يدور أغلب هذه الأفكار والمشاعر بالنسبة لي في فلك التردد وعدم اليقين، كنت شغوفًا بأن انشر ديواني الأول (أنا قلبي مش فارس) راغبًا في أن يقرأه العالم، وكنت في نفس الوقت خجولًا وخائفًا بأن لا تليق تلك القصائد الأولي بخطوة ذات جلال كعملية النشر، كنت أشعر بصراع شديد بين دوافعي للنشر وبين رغبتي في الانتظار حتى تنضج معارفي.
حذفت بالفعل عدد كبير القصائد التي كانت ضمن أعمالي الأولي وأهملتها ولم تجد فرصة للخروج بين طيات (مجموعة شعرية-ديوان)، ولم أكن حتى واثقًا من التعريف الأنسب للعمل، وشعرت بارتباك تجاه بعض القصائد الأخرى. ولكني حسمت أمري واتجهت لأحدي دور النشر التي كانت صاعدة وقتها وكان من عادة مالكها التردد على الندوات والتعرف على الأدباء بغرض تقديم عروض النشر لهم.
نشرت معه عدد محدود من النسخ ولاقي الديوان نجاحًا على مستوي النقد، ونجاح أخر على مستوي الصحافة والأعلام ولكن تلك الدار الصاعدة كانت ضعيفة التوزيع قليلة المبيعات وكنت شديد الحماس فأهديت كثير من النسخ هنا وهناك.
ولكن برغم ذلك، فإن الزمن لو عاد بي للوراء فسوف أكرر التجربة مرة أخري، فالنشر الأول هو الميلاد الحقيقي للكاتب وقرار النشر هو واحد من القرارات الهامة في حياة الكاتب الذي يجب عليه أن يتخذها مادام مستمر في الكتابة وما دام راضي عن العمل الذي يقدمه، ولو ترك الكاتب نفسه للأفكار والمخاوف لما شعر مطلقًا بإنه مستعد.
ــ ما المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟
لم يكن مفهوم الملكية الفكرية سائدًا منذ سنوات قليلة بشكله الحالي، وأظن إنه لم يصل حتى اليوم لدرجة الوضوح المطلوبة، برغم أن هناك قوانين محلية منظمة له واتفاقيات دولية عديدة تشرح جوانبه وأبعاده.
ربما يكون هناك مستفيدين من وراء ذلك وربما كان هناك ضعف في الإرادة التنفيذية عندما يتعلق الأمر بتطبيق مفاهيم الملكية الفكرية والقوانين المنظمة لها.
ولكنى شعرت بأهمية فهم أبعاد حقوق النشر والملكية الفكرية بشكل أساسي عندما بدأت في اتخاذ خطوات جادة في مجال الترجمة، وأدركت مع الوقت كم التجاوزات التي تحدث بخصوص حقوق المؤلف وحقوق المترجم علي حد السواء.
ربما لم أتعرض لضرر بالغ في ذلك المضمار، ولكن ذلك لا ينفي إنني في بعض الأحيان اكتشف تجاوزات في حق بعض من مؤلفاتي أو ترجماتي – نسخ غير أصلية أو بيع في مواقع إلكترونية بدون ترخيص أو عرض نصوص مسرحية بدون الحصول على التنازلات المطلوبة ما شابه ذلك - وغالبًا ما يخبرني الناشرون بإن لا صلة لهم بهذه الطبعات التي يرجحون إنها مزورة.
ــ كيف تواجه المشكلات مع الناشر وما أصعب موقف تعرضت له؟
كنت محظوظ للغاية في التعامل مع دور النشر المصرية والعربية على حد السواء، كان الجميع على قدر من المسؤولية النابعة من التزامهم تجاه صناعة النشر نفسها وتجاه الاتفاقات المسبقة بيني وبينهم.
ربما تحدث خلافات بسيطة بين الحين والأخر ولكنه خلافات عادية، وفي إطار المقبول الذي لا يسبب الضرر الشديد ولا يمكن وصف أي منها بالأصعب على كل حال.
ــ هل سبق ووصلت خلافاتك مع ناشر ما إلى ساحات المحاكم؟
لا.. العلاقة طيبة بين وبين كل الناشرين الذين تعاملت معهم ويسودها الود القائم على احترام العمل والاخلاص تجاهه.
ــ هل قمت يومًا بسداد كلفة كتاب لك؟
العلاقة بين الكتاب ودور النشر علاقة ملتبسة للغاية وخصوصًا في الفترة الأخيرة، لدرجة أن بعض دور النشر الكبري نسمع أصبحت تحصل على مقابل لنشر أعمال بعض الكتاب وتتعاقد مع كتاب أخرين على نشر أعمالهم بدون أن تمنحهم اجر مناسب، وغيرها من السياسات المختلفة والتي تختلف حسب الكاتب وعدد متابعيه في المقام الأول، ثم قد تأتي الجودة في المقام الثاني.
كان قراري الشخصي منذ اللحظة الأولي التي اعتبرت نفسي فيها عاملًا في مجال الفن والثقافة الحصول على حقوقي بشكل منصف بلا مبالغة أو نقصان.
ــ ما الذي حلمت له بكتاب من كتبك ولم يتحقق وتحلم أن تداركه مع مؤلف جديد؟
أحلامي وطموحاتي بخصوص كتبي تتعلق دائما بالمحتوي، فأنا أتعامل دائما مع العمل الأدبي سواء مؤلف أو مترجم كتحدي جديد أطور فيه من لغتي وأدواتي ورؤيتي لنفسي وللعالم، الحقيقة إنني أطمح في الفترة القادمة أن تترجم بعض مؤلفاتي للغات أجنبية ويتم تسويقها عبر دور نشر عالمية مختلفة، وأتمنى أن يتحقق ذلك الحلم قريبًا.
ــ في رأيك.. صناعة النشر في تقدم أم في تراجع؟
تمر صناعة النشر بأزمة طاحنة وهو أزمة لا تخفي على أحد، وللأزمة أصول وفروع كثيرة، أغلبها في الوقت الحالي يتعلق بتوافر العملة الأجنبية وتوافر الورق والمواد الخام من مستلزمات الطباعة.
هناك أزمات أخرى أصيلة وممتدة، لها علاقة بالملكية الفكرية ونقاط التوزيع والتعامل مع المؤلف ووسائط النشر الجديدة والتنافس بينها وبين النشر التقليدي وغيرها من الأزمات ولكن من الواضح أن سوق النشر والقائمين على الصناعة بدأوا في احتواء تلك الأزمات بشكل ما وتوصلوا لصيغة من التعاون بين طرق النشر التقليدي والحديثة وهو ما يصب في النهاية في مصلحة القارئ والمؤلف وصناعة النشر بشكل عام.