رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طوفان بشري.. فلسطينيون لـ«الدستور»: أجهضنا التهجير بعودة مئات الآلاف إلى شمال غزة.. ونشكر مصر على كل «المواقف المُشرفة»

عودة مئات الآلاف
عودة مئات الآلاف إلى شمال غزة

أكد مواطنون وسياسيون فلسطينيون أن الشعب الفلسطينى نجح فى إفشال مخططات تهجير سكان غزة، سواء تلك التى نفذها الاحتلال الإسرائيلى، أو الطرح الأخير الذى أعلن عنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وذلك بعودة الآلاف إلى شمال القطاع، كجزء من صفقة وقف إطلاق النار، التى تم التوصل إليها بوساطة «مصرية قطرية أمريكية».

 وتدفق مئات الآلاف من النازحين إلى مدينة غزة وشمال القطاع بما يشبه السيل البشرى، وهو ما اعتبرته حركة حماس «هزيمة للاحتلال ومخططات التهجير»، فيما رأت حركة الجهاد الإسلامى أنه «رد على كل الحالمين بتهجير شعبنا». ووصف الفلسطينيون، خلال حديثهم، لـ«الدستور»، هذه العودة بأنها رسالة قوية للعالم بأن الشعب الفلسطينى لن يتخلى عن أرضه مهما كانت التحديات، مشيرين إلى أن العودة الجماعية تُعد انتصارًا لإرادة الشعب الفلسطينى، وتأكيدًا لقدرته على الصمود فى وجه محاولات التهجير.

قال الدكتور فادى الخضرى، إخصائى القلب والقسطرة بمجمع الشفاء الطبى شمال قطاع غزة، إن يوم العودة للشمال هو يوم فرح وعز وفخر بعودة أهالينا وأصدقائنا إلينا مرة أخرى، مشيرًا إلى أن هناك استعدادات طبية لاستقبال النازحين، إذ تتواجد نقاط طبية على ساحل الرشيد «طريق عودة النازحين»، لافتًا إلى أن هناك حالات مصابة فى مستشفيات الجنوب بدأت تصل إليهم فى مستشفيات الشمال من خلال أهالى المصابين وذويهم.

فى السياق ذاته، قال زكريا بكر، نازح بالجنوب: «كنا نعيش على أمل العودة، وقلنا (لن نرحل لأى مكان غير بيوتنا فى الشمال)، وها قد عُدنا».

من جانبها، قالت الدكتورة داليا أحمد، مواطنة من شمال غزة، كانت نازحة فى الجنوب خلال العدوان الأخير، إنها تشكر الله على وقف إطلاق النار، ما أوقف «شلال الدماء» وسمح للناس بالعودة إلى منازلهم، رغم الصعوبات التى تواجههم، مضيفة أن عائلتها بخير، لكن العودة إلى الديار ليست بالأمر السهل، خاصة مع الشروط القاسية والطرق الوعرة التى تجبر الكثيرين على السير على الأقدام.

وذكرت أن جهود مصر على الصعيد السياسى عظيمة جدًا، و«لن ننسى هذه الوقفة العظيمة على مدار سنة ونصف السنة من مفاوضات صعبة حتى نصل لهذه الهدنة وتنتهى الحرب الدامية على قطاع غزة»، متابعة: «نوجه سلامًا وتحية عميقة لجمهورية مصر العربية والرئيس عبدالفتاح السيسى لما فعلوه من جهود حتى وصلنا إلى هذا الهدوء الذى ننعم فيه حاليًا». فيما قال الدكتور ماهر صافى، الكاتب السياسى الفلسطينى، إن الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة عانى الموت والدمار على مدى ١٥ شهرًا فى واحدة من كبرى الجرائم الإنسانية فى القرن ٢١، للتمسك والبقاء على أرضه ووطنه.

وأضاف أن «ما نشاهده من توافد السكان فى محيط محور نتساريم والنصيرات وتبة النويرى دليل واضح على تمسكهم بأرضهم وبيوتهم التى دمرها الاحتلال الإسرائيلى، وبالتالى لن نقبل بأى مقترحات أو حلول، حتى لو بدت حسنة النية تحت ستار إعادة الإعمار كما اقترح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب». 

وذكر أن الشعب الفلسطينى هُجر من أرضه عام ١٩٤٨ أى منذ ٧٦ عامًا ولم يستطع الرجوع، متابعًا: «شعبنا أحبط كل مخططات التهجير والوطن البديل على مدى عقود، ويرفض مثل هذه المشاريع أيضًا، وها قد شاهدنا تدفق الآلاف على الشمال».

‎وشدد على أن موقف الدولة المصرية كان واضحًا من التهجير منذ ١٥ شهرًا عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى وقال إن التهجير مرفوض، وللشعب الفلسطينى حق فى أرضه وإقامة دولته، مؤكدًا أن مصر ستقف فى مواجهة أى سيناريو مطروح لا يتماشى مع الأمن القومى المصرى.

من جهته، وصف ثائر أبوعطيوى، الكاتب السياسى الفلسطينى، تصريحات «ترامب» بأنها مدانة ومرفوضة من الشعب الفلسطينى، وكذلك من المصريين والأردنيين، موضحًا: «الموقف الرسمى المصرى جاء مرارًا وتكرارًا على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى، والساسة والمسئولين المصريين، وهو رفض التهجير القسرى جملة وتفصيلًا، وهو ما تصدى له المصريون بالفعل ومنعوه، خلال الحرب التى استمرت ٤٧٠ يومًا على غزة. كما أن الموقف الأردنى واضح ومعلوم، فى رفض فكرة الوطن البديل للفلسطينيين».

وأضاف: «تصريحات ترامب تتسق مع حكومة الاحتلال الإسرائيلى المتطرفة، التى يقودها نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، وتحدث مسئولوها أكثر من مرة عن خطة إسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة وتفريغه من سكانه. لكن مشاهد عودة الفلسطينيين إلى الشمال جاءت رسالة للجميع لتحبط هذه المخططات».

وواصل: «مقترح ترامب يحاول شطب جغرافية غزة من الخارطة السياسية الفلسطينية، عبر عملية تهجير ممنهجة، سواء كانت مؤقتة أو طويلة الأمد، وهو أمر يتنافى مع كل المواثيق والأعراف والقوانين الدولية».

وأكمل: «تفريغ قطاع غزة من سكانه بعد حرب الإبادة هو محاولة لإلغاء الوجود الإنسانى والسياسى لسكان القطاع، وعودة للجوء والتهجير الاستعمارى من جديد، على غرار النكبة الأولى عام ١٩٤٨».

ودعا «أبوعطيوى» كل الدول العربية والمجتمع الدولى للوقوف فى وجه مقترح «ترامب»، ورفضه وإدانته واستنكاره، خاصة أنه يقتل حل الدولتين، وكل مفاوضات حصول شعبنا الفلسطينى على حقوقه المشروعة والكاملة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة.

كما دعا الدول العربية للعمل الفورى والسريع على تبنى قرار مشروع عالمى جديد، عنوانه العودة إلى طاولة مفاوضات السلام، من أجل الوصول إلى حل الدولتين، وإحلال السلام الشامل والعادل بالمنطقة، فى توقيت زمنى محدد.

فى السياق ذاته، قال عامر الفرا، إعلامى فلسطينى من قطاع غزة، إن يوم العودة للشمال يوم فارق فى حياة الفلسطينيين، موضحًا أن «مئات الآلاف عادوا مشيًا على الأقدام، وعلى الرغم من مشقة الطريق والمعاناة، فإن الفرحة غمرتهم، وهى فرحة منقوصة نتيجة فقد منازلهم وذويهم وممتلكاتهم، ولكن العودة لمسقط الرأس فرحة لا توصف عقب حرب مدمرة وحرب إبادة استمرت ١٥ شهرًا».

وذكر أن الفلسطينيين بدأوا العودة للشمال من شارعى الرشيد وصلاح الدين، وعبر محور نتساريم، حيث يتم السماح للمركبات بالدخول بعد تفتيشها بأجهزة متطورة، بإشراف مصرى قطرى ومتابعة أمريكية، لافتًا إلى أن الحركة تسير فى اتجاه واحد من الجنوب إلى مدينة غزة والشمال بعدما سمحت قوات الاحتلال الإسرائيلى بفتح الحاجز والمرور عقب يومين من التلكؤ لزيادة معاناة النازحين، بحجة عدم الإفراج عن المحتجزة الإسرائيلية «أربيل يهود»، وتصريحات نتنياهو بعدم عودة النازحين إلا عقب الإفراج عنها.

وأكد أنه بفضل جهود الوسطاء، خاصة مصر وقطر، قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلى السماح للمواطنين بالعودة إلى الشمال، على أن يتم الإفراج عن «أربيل يهود» قبل يوم الجمعة المقبل، ومن ثم عودة الأهالى لبيوتهم ومدنهم.

وحذر نزار نزال، الكاتب السياسى الفلسطينى، من وجود مشروع يعد له «ترامب» بالتعاون مع الإسرائيليين، خاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قائم على تفريغ قطاع غزة من سكانه، بعدما فشلت الآلة العسكرية الإسرائيلية فى ذلك.

وأضاف «نزال»: «إذا عُدنا إلى العام الماضى، كان هناك رصيف مؤقت أقامته الولايات المتحدة من قبرص حتى سواحل شمال غزة، من أجل دفع السكان للهجرة الطوعية إلى قبرص، ومن ثم إلى أوروبا ودول العالم، لكن هذا لم يحدث».

وواصل: «ترامب صريح ونرجسى، وهو ما يلقى بظلاله على السياسة الخارجية الأمريكية، وتصريحاته الأخيرة دليل على أن إسرائيل لم تستطع تهجير الفلسطينيين من خلال النار، فلم لا نُهجرهم بداعى إعادة الإعمار عبر الادعاء بأن تهجير أهالى غزة مؤقتًا أمر ضرورى للإعمار؟».

وأكمل: «كان الحديث فى السابق عن تهجير أهالى غزة إلى صحراء سيناء، والآن ترامب يتحدث عن الأردن أيضًا، بما يعنى رغبته فى نقل ٢.٥ مليون فلسطينى فى قطاع غزة إلى مصر، و٣ ملايين وأكثر فى الضفة إلى الأردن».

وتابع: «كما سبق أن قلت، يبدو أن هناك مشروعًا كبيرًا يعمل عليه الاحتلال بدعم من الإدارة الأمريكية الجديدة، لكنه لن يرى النور أبدًا، فى ظل أن الفلسطينيين لن يقبلوا بكتابة قصة حزينة، سبق أن عاشوا أحداثها فى ١٩٤٨». 

ونبه إلى أن حديث «ترامب» لقى استحسانًا لدى اليمين الإسرائيلى المتطرف، خاصة من قبل وزير الأمن، إيتمار بن غفير، بما يعطى دلالة على أن قوى «الصهيونية الدينية» ليست على علم بهذا المشروع، وأنه تم الاتفاق عليه بين «نتنياهو» و«ترامب».

وحذر من أن الرئيس الأمريكى يتحدث بشكل جدى، وما قاله ليس مزاحًا أو زلة لسان، بل فى إطار مشروع كبير يرغب فى تنفيذه، وسبق أن طرحه تحت عنوان «صفقة القرن» فى ٢٠١٦، لذا فإن الفلسطينيين أمام تحدٍ كبير لمواجهة ذلك. وتساءل: «هل حلال لترامب أن يحارب الهجرة داخل بلاده، وحرام على مصر والأردن أن يرفضا الهجرة إلى بلديهما؟»، معتبرًا أن تصريحات الرئيس الأمريكى بالتزامن مع تصريحاته وإجراءاته ضد الهجرة إلى بلاده، تعد من «سخافة القدر».

وأضاف: «إسرائيل لم تستطع تهجير الفلسطينيين من خلال النار، وعلى مدى أكثر من ١٥ شهرًا من حرب إبادة وتدمير وخراب لم يرحل الفلسطينيون، لذا فإن ترامب ونتنياهو يريدان الآن تهجيرهم بسلام».

وأعرب عن ثقته مجددًا فى رفض الفلسطينيين هذا المخطط الخبيث، مختتمًا بقوله: «لن يفلح ترامب، وسيقف الفلسطينيون، ومعهم الأمة العربية والدول العربية، خاصة مصر والأردن، أمام خطة التهجير وتفريغ قطاع غزة من سكانه».