قانون الأزهر يمنع جامعته من السقوط فى الهاوية
ألفت النظر فى هذا المقال، الذى أحاول أن يكون الأخير فى قضية تعريب الطب والعلوم التى أثارها قرار رئيس جامعة الأزهر وأحدثت جدلًا تاريخيًا غير مسبوق لم يكن فى صالح جامعة الأزهر، أن دوافعى فى إثارة القضية لم يكن بالطبع صرف الناس عن اللغة العربية وبالتالى صرفهم عن تراث حضارتهم بل هو الدافع الذى يحمى اللغة العربية من التلاعب بها واستخدامها كجسر لتحقيق هالات إعلامية لقرارات هى والوهم سواء من خلال الكشف عن سوءة الفكر فى كيفية اتخاذ القرار من قيادات يجب أن يكون لها دور تنوير وفاعل فى حق الأجيال الصاعدة وحتى لا يغرد البعض من مواقع المسئولية خارج سرب الدولة وأهداف الجمهورية الجديدة. وكنت أتمنى من الآلة الإعلامية لجامعة الأزهر التى حولت أثر قرار رئيس الجامعة من حقيقة أنه أمر تنفيذى إلى مجرد قرار للبحث والدراسة واستطلاع الرأى، أن تراجع القرار الذى أصدره رئيس الجامعة فى 11 يناير 2025 بقيام الأستاذ الدكتور محمود عبدالرحمن حمودة بتشكيل ورئاسة لجنة علمية لتعريب المقررات الدراسية لطلاب وطالبات قسم الطب النفسى بكليات الطب بالجامعة، وذلك وفق نص القرار الذى يتضح به أنه ليس للدراسة كما تم الادعاء ولكنه تكليف مباشر بالتعريب، والقرار رقم 94 لسنة 2025 الذى أصدره رئيس الجامعة فى 19 يناير 2025 بقيام نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث بالإشراف على لجان تعريب المقررات الدراسية لكليات الطب البشرى والصيدلة وذلك وفق نص القرار أيضا الذى يتضح معه أنه لا يشمل أى تكليف للجان بالبحث والدراسة وإبداء الرأى فى إمكانية تطبيق الفكرة، وهذا يعنى أن رئيس الجامعة عقد النية منفردا وعلى مسئوليته بتنفيذ تعريب العلوم، والسؤال هنا: هل هذا من حق رئيس جامعة الأزهر؟ الإجابة التى يؤكدها القانون لا تعطى لرئيس الجامعة هذا الحق على وجه الإطلاق، ففى القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها والذى استند إليه رئيس الجامعة فى مقدمة قراراته المذكورة سالفا جاء فى الباب الثانى المادة «10» البند «2» من اختصاصات المجلس الأعلى للأزهر ما نصه: «رسم السياسة التعليمية التى تسير عليها جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية والأقسام التعليمية فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية، واقتراح المواد والمقررات التى تدرس لتحقيق أغراض الأزهر»، وهذا يعنى أن السياسات التعليمية واقتراح المواد والمقررات هو اختصاص أصيل للمجلس الأعلى للأزهر برئاسة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وليس من اختصاص رئيس الجامعة أو مجلس الجامعة نفسه، وإذا كان هذا الأمر يدخل فى مسئولية المجلس الأعلى للأزهر فمن حقه وحده تشكيل اللجان المتعلقة بالسياسات التعليمية والمقترحات كما هو الحال فى مقترح تعريب العلوم، وذلك وفق البند «8» من نفس المادة والتى تنص على: «تشكيل اللجان الفنية الدائمة أو المؤقتة من بين أعضائه أو من غيرهم من المتخصصين لبحث الموضوعات التى تدخل فى اختصاصه»، كما جاء فى نهاية المادة «33» بالباب الرابع بنفس القانون تحت عنوان جامعة الأزهر فى تعريف دورها ما نصه: «كما تعنى بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية» وبالتأكيد فإن كل الآراء الخبيرة من المتخصصين وكذلك النقباء المهنيين والذين أدلوا بدلوهم ورأيهم فى قرار رئيس جامعة الأزهر بوسائل الإعلام فى الأيام الماضية أفادت بأنه قرار غير واقعى وستكون من نتائجه تحقيق عزلة فى التواصل العلمى والبحثى بين جامعة الأزهر وجامعات العالم وهو ما يخالف دور الجامعة وفقا للقانون، ثم أإن المادة «48» من ذات القانون فى شأن اختصاصات مجلس جامعة الأزهر «22 اختصاص» ليس بها ما يرخص لمجلس الجامعة اتخاذ قرار دراسة تعريب الطب والعلوم طبقا لما صرح به رئيس جامعة الأزهر فى وسائل الإعلام من أنَّ مجلس الجامعة اتخذ خطوة تاريخية بتشكيل لجنة لدراسة تعريب علوم الطب والصيدلة والهندسة، اللهم لا سيما فى البند «18» فى اختصاصات مجلس الجامعة من المادة المشار إليها ما نصه: «إبداء الرأى فيما يتعلق بجميع مسائل التعليم فى درجاته المختلفة»، فالموضوع مقتصر على إبداء الرأى فى مسائل التعليم فقط وليس إصدار القرارات التنفيذية والتى نشرت فى وسائل الإعلام، وينبغى هنا أن نعود للمذكرة الإيضاحية عن مسببات طرح القانون والتى قدمتها الحكومة عند بداية النظر فى مشروع القانون رقم 103 لسنة 1961 وقت عرضه على مجلس الأمة فى ذلك الوقت والتى جاء بها: «لم يجد الأزهر الوسيلة الملائمة التى تعينه على الحركة المتجددة التى تلائم بينه وبين عصره، ومن ذلك أن خريجيه لم يزالوا حتى اليوم – فيما يريدون لأنفسهم أو فيما يصفهم غيرهم – رجال دين، لا يكادون يتصلون بعلوم الدنيا اتصال النفع والانتفاع، وجاء أيضا ما نصه: «وإذا كان الأزهر وحده هو المعهد أو الجامعة الذى يحرص المسلمون وراء الحدود على أن ٌُعد فيه أبناؤهم لهذه المسئوليات فقد كان من الطبيعى أن يكون نظام الأزهر وعلوم الأزهر بحيث تعد هؤلاء الخبراء مستكملين لكل العناصر التى تهيئهم لحمل أعباء النهضة فى بلادهم»، وأيضا ما نصه: «هذه الحقائق المسلم بها لا نكاد نجد لها صورة صحيحة فى خريجى الأزهر لعصرنا، ومن ثم كان نوعا من الانعزال بينهم وبين المجتمع الذى يعيشون فيه، ونشأت مشكلة تعطل كبيرة بين هؤلاء الخريجين زادتهم انعزالا عن المجتمع»، وأيضا ما نصه فى أسباب صدور القانون: «أن تتحطم الحواجز والسدود بينه وبين الجامعات ومعاهد التعليم الأخرى وتزول الفوارق بين خريجيه وسائر الخريجين فى كل مستوى وتتكافأ فرصهم جميعًا فى مجالات العلم ومجالات العمل»، ومن أجل كل ما سبق صدر قانون مستقل للأزهر الشريف وهيئاته ليخرجه من عزلته ويعظم دوره فى التاريخ الحضارى العربى والإسلامى والدولى إلا أن غفلة بعض المسئولين عن الاهتمام بالقوانين واللوائح وحدود اختصاصاتهم قد تجعلهم يقعون فى أخطاء تعيدنا إلى عصر الرجعية والتخلف وتضع العراقيل أمام أجيال الشباب وتعيق نهضة الوطن ورفعته، أما بالنسبة للمروجين لقرار رئيس جامعة الأزهر متحججين بتجربة تعريب الطب قى سوريا منذ عام 1923، فوفقًا لتصنيف «ويبومتركس» لعام 2024، وهو أكبر نظام لتقييم الجامعات العالمية ويصدر فى إسبانيا عن المجلس العالى للبحث العلمى. فإن جامعة دمشق المصنفة محليًا فى المرتبة الأولى جاءت فى المرتبة 2879 عالميًا، وتليها جامعة اللاذقية فى المرتبة 3722 عالميًا، ثم جامعة حلب جاءت فى المرتبة 4762 عالميًا، وجميعها نماذج من الجامعات السورية التى تضم كليات الطب والعلوم المعربة، ووفقا لتقرير «سدّ الثغرات التعليمية لدى الشباب» الصادر عن اليونسكو عام 2016 والورقة البحثية حول جودة العليم العالى فى الدول العربية، أكدت اليونسكو أن جودة التعليم فى سوريا تواجه تحديات كبيرة وبما يبرز تأثير التحديات اللغوية على التصنيفات الأكاديمية، أما وإن جامعة الأزهر وفق موقع التصنيف فى عام 2024 تحتل المرتبة 1175 عالميًا ويسبقها فى مصر فى الترتيب الدولى جامعات القاهرة والإسكندرية والمنصورة وعين شمس والزقازيق وبنها وجميعها جامعات أحدث من جامعة الأزهر، فأعتقد أن قرار رئيس الجامعة إذا تم تطبيقه قد يمثل سقوطًا فى الهاوية ورجوعًا لعصور العزلة والظلام، والأجدر به أن يعمل على إعلاء تصنيف جامعته التى تعد أقدم جامعة فى العالم.
يبقى أن أذكر رئيس الجامعة أن الأزهر دائمًا يرفض التدخل والمناقشة من المفكرين والعلماء فى مسائل تتعلق بأمور الدين ويتعلل دائمًا بأهل الذكر وهذا من حقه، إلا أن رئيس الجامعة لم يسمح لأهل الذكر فى كليات الطب بهذا الحق، وفقًا لتصريحات أساتذة طب الأزهر فى وسائل الإعلام من رفضهم للقرار، وأنه لم يؤخذ رأيهم فيه وأنه وقع عليهم وقوع الصاعقة، وأخيرًا أعتقد أنه جاءت الفرصة ليفكر الأزهر الشريف فى إتاحة الفرصة للكوادر النابهة من علمائه وأساتذته فى الكليات العملية فى تقلد منصب رئيس الجامعة بالتبادل مع الكليات الشرعية والدينية، فالريادة تأتى من الفكر العلمى التطبيقى، خاصة أن قانون الأزهر لا يحجب أمامهم تلك الفرصة.