رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حيرة النص المسرحى بين الأدب والفن

من العام إلى العام، ننتظر جميعنا، صغارًا وكبارًا، الحدث الثقافى الأهم فى مصر والوطن العربى، وهو معرض القاهرة الدولى للكتاب، واجهة مصر الثقافية الحضارية، التى ربما يحاول القاصى والدانى استلهام أجوائها الكرنفالية، التى تمزج الثقافة بالفرح بالمتعة بالفسحة.

وقد يصعب عليهم استلهام ذلك، لأن خصوصية تلك الخلطة وحقوق ملكيتها هى امتياز جينى مصرى، من الشعب الذى يبحث عن السعادة مهما كانت موارده قليلة، يبحث عن الاستمتاع ويتفاعل مع الفن والكتاب والطعام والألعاب، شعب يميل للاحتفال حتى بالموت.. يصنع له احتفالية جنائزية من عزاء على مدى ثلاثة أيام و«جمعة الميت» وعددها ٤ جمع و«الأربعين»، فى ثقافة فريدة تحتفى وتحتفل حتى بالموت، وهى فى ذلك الأكثر تفاعلًا واحتفالًا بالحياة.

يأتى معرض القاهرة الدولى للكتاب، فى دورته الـ٥٦، التى بدأت فعالياتها منذ أيام، ليعكس بجلاء تلك الصورة الحضارية المبهجة لوهج المصريين، فهنيئًا لنا بذلك العرس الثقافى، وهنيئا لنا بطبيعتنا كمصريين، التى تميل دومًا للفرح والاحتفال وقبول الآخر، وتتجاور فيها المظاهر الدينية مع العروض الفنية مع الندوات الثقافية مع أنشطة الطفل، فى تمازج عجيب وانسجام حضارى.

على المستوى المسرحى، كان انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب مناسبة للبحث عن عناوين مسرحية مهمة، بخلاف العروض الفنية والمسرحية ذات الطبيعة الخاصة التى سيتم عرضها، ولكن كالعادة نصيب المسرح فى كعكة النشر ضعيف، فالمسرح ويليه الشعر هما الأقل حظًا من حيث عناية دور النشر للتصدى لنشرهما.

وحين نتأمل السؤال عن موقع الكتابة المسرحية المعاصرة، وندرة كتّاب المسرح بالمقارنة بالشعر والرواية، فإننا وبالضرورة نتحدث عن التحديات الكبيرة التى تواجه المسرح كصناعة ثقافية فى مصر، وتنعكس على وضع الأقلام المسرحية بالضرورة، لنجد أن المنفذ الأساسى لنشر المسرح لدى كتابه هو الإنتاج المسرحى، لا الطباعة، حيث النص المسرحى يقع منذ فترة طويلة فى منطقة رمادية بين الأدب والفن.

وكان لذلك أثره الكبير فى إهمال الحركة النقدية له، بوصفه نصًا مستقلًا عن نص العرض المسرحى، كما تبدى ذلك أيضًا فى عدم حماس الناشرين لطباعته، باستثناء ما هو مقرر فى قاعات الدرس، وذلك لأنهم يدركون مدى المجازفة الكامنة فى نشر النصوص المسرحية، حيث النص المسرحى مكتوب لوسيط مرئى، هو العرض المسرحى، لا الكتاب.

فهل النص المسرحى كتب للعرض المسرحى فقط لا للقراءة؟، لا يمكن أن نطرح مثل هذا التساؤل دون أن نطرح تساؤلًا مجاورًا عن نصوص مسرحيات توفيق الحكيم وألفريد فرج وميخائيل رومان ونعمان عاشور ويوسف إدريس، فقد كانت تحدث انقلابات بمجرد نشرها، وتتكالب عليها دور العرض للنشر.

إذا، فهناك طارئ باعد بين الكتاب المسرحى والنشر، فضلًا عن إشكاليات سياقات إنتاج المسرح، التى ربما تعكس ظلالها على المشهد، فالإنتاج المسرحى نمط إنتاجى متعدد المراحل، قد يبدو أن النص المسرحى أولى حلقاتها، إلا أنه فى الواقع وبقدر ما تنبثق منه الحلقات التالية «الإخراج- التمثيل- السينوغرافيا.. إلخ»، بقدر ما يكون هو نفسه على نحو ما نتاجًا لها، حيث تتطلب الكتابة المسرحية المعاصرة الوعى بالتقنية وإحداثياتها، هذا بخلاف بعض النصوص المعنية بمسرح نوعى، كالعرائس والتعبير الجسدى والمسرح الأسود.. إلخ، التى تكون التقنية حاضرة حضورًا خاصًا فى صياغة النص المسرحى.

لذا، نعود ونطرح إشكالية ندرة الكتاب المسرحى والنصوص المسرحية وكتاب المسرح بالمقارنة بالشعر والرواية، وفى هذا السياق لا يمكننا تجاهل سلاسل المسرح فى قصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب، لكن يظل تأثيرها ضعيفًا، وقدرتها على التسويق والترويج للعناوين المختارة فى حاجة للمساءلة، كما أن سلسلة أو اثنتين أو ثلاثًا للنصوص المسرحية أمر لا يتناسب مع دولة مبدعة بحجم مصر.

لذا، فإننا بحاجة إلى تصدى دور النشر لتلك المسئولية الاجتماعية فى نشر وطباعة العناوين المهمة من النصوص المسرحية، مع الاهتمام بترجمة النص المسرحى المصرى، الذى تراجعت أسهمه كثيرًا مؤخرًا.

وأدعو أكاديمية الفنون وأقسام المسرح المتخصصة فى كليات الآداب لدراسة هذا الأمر، وأن تتصدى أيضًا لدراسة إشكالية مجاورة تعنيهم فى المقام الأول، وهى: لماذا لا تلقى أنماط الكتابة المعاصرة تشجيعًا، ولا تتوافق مع الذائقة النقدية السائدة؟، وهو ما يتبدى فى نتائج لجان القراءة ومسابقات الكتابة المسرحية فى الوطن العربى.

كما أدعو لأن تتضافر الجهود للبحث عن مخارج، والوصول لسياسات ثقافية داعمة لنشر الكتاب المسرحى.