رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعريب وخطورة التجريب فى جامعة الأزهر

أحدث قرار رئيس جامعة الأزهر بتعريب المقررات الدراسية لكليات الطب البشرى والصيدلة والهندسة وغيرها حالة شديدة من الجدل فى المجتمع المصرى، وطبيعى أن يحدث هذا الجدل حين يصدر القرار عن خلفية عاطفية أكثر منها علمية وإدارية، وحين تكون الدوافع مجرد فكرة نظرية مفادها أنه لا بد أن نستعيد مكانتنا بالعودة إلى هويتنا، وأن تلك العلوم وضعت فى الأصل بالعربية من خلال العلماء المسلمين.
وموضوع تعريب الطب قديم، وهناك بعض التجارب القديمة وإن لم تأتِ بثمارها الكاملة، كما أن هناك بلدانًا أخرى كثيرة فى العالم تدرس العلوم بلغتها، لكن المنسى فى هذه الحجة أن تلك البلدان من دول العالم المتقدم من حقها أن تفرض لغتها على الآخرين، وأنها حين تقوم بذلك فإنها تطبقه على جامعاتها الوطنية بالكامل، أما فى هذه الحادثة كان القرار عشوائيًا لا يرتقى بجامعة عمرها بعمر الأزهر الشريف، فكيف يفكر رئيس الجامعة فى تعريب العلوم فى جامعته دون أن نسمع عن تنسيق جرى مع الجامعات المصرية الأخرى، أم أنه يريد أن يتخرج الطبيب فى جامعته وهو يشعر بعين الغربة فى وطنه عند التواصل والتبادل العلمى مع زملائه فى نفس الوطن، والذين تخرجوا فى الجامعات المصرية الأخرى وقد درسوا الطب باللغة الإنجليزية الطبية والمصطلحات اللاتينية؟، ثم إنهم كيف ينسجمون مع سوق العمل الطبى وهم فى واحة عزلة علمية صنعها قرار غير مدروس يبدو عنتريًا لإضافة إنجاز مختلق لن يتحقق على أرض الواقع؟.
وكان يجب على جامعة الأزهر قبل أن يصدر مجلسها قرارًا بتبنى هذا التعريب أن تدرك أن هذا الأمر قرار سيادى ينبغى العودة فيه أولًا من حيث المبدأ إلى رئيس الجمهورية مستندًا على موافقة مبدئية مدروسة من المجلس الأعلى للجامعات تتوافق فيه الجامعات المصرية على تطبيق الفكرة، وقبل ذلك التفكير فى معالجة إشكاليات أربعة أساسية تواجه تطبيق هذا القرار، أولها أن أستاذ المادة الذى درس الطب بالإنجليزية وحصل على دراساته العليا بالإنجليزية كيف سيكون فى استطاعته بين ليلة وضحاها أن يُدرس مادته باللغة العربية وهو فقير فيها أصلًا؟ ففاقد الشىء لا يعطيه، وثانيًا كيف يتابع الطبيب التطور العلمى المذهل والمجلات العلمية والمراجع الطبية معظمها باللغة الإنجليزية والمكتبة الطبية العلمية تفتقد للمراجع العلمية باللغة العربية؟، وثالثًا كيف يشارك الطبيب فى المؤتمرات العلمية الدولية وهو لا يجيد لغة المتحدثين بها؟، ورابعًا أن هناك بعض المصطلحات العلمية التى ترجمت باللغة العربية فجاءت بألفاظ فظة من الصعب استيعابها وتداولها.
إن اللغة العربية، ونحن نعتز بها اعتزازًا أصيلًا لا يقبل الشك، ليست بلغة عالمية، لأن عدد الناطقين بها ما يربو عن 450 مليون شخص فى عالم يعيش فيه نحو 8 مليارات نسمة، وأن لغة العلم ينبغى أن تكون لغة عالمية حتى يسهل من خلالها انتقال وتداول المستحدث فى العلوم والأبحاث الجديدة، أما فكرة أن العرب المسلمين هم من وضعوا تلك العلوم، وهى حقيقة لا ينكرها إلا جاحد، فيجب أن نسأل أولًا عند استدعاء هذه الفكرة رئيس جامعة الأزهر عن الإجراءات التى اتخذتها جامعته والجامعات المصرية الأخرى للحفاظ على هذه الحقيقة التاريخية والبناء عليها، وكم عدد رسالات الماجستير والدكتوراه التى ربطت بين العلم الحديث وحقائقه الموجودة فى التاريخ العلمى العربى والإسلامى؟ وإذا أجبنا بأمانة عن هذه الأسئلة لأدركنا مَن هو المتسبب حقًا فى أننا صرنا أمة فى ذيل الأمم، كما أعلن ذلك مسبقًا وعلى الملأ فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف فى مواجهته الشهيرة مع رئيس جامعة القاهرة السابق، حين قال بالنص: 

«إن جامعاتنا الآن منذ أكثر من قرن من الزمان فيها الهندسة والطب والزراعة والصيدلة والطيران والعلوم ومراكز البحث العلمى، وحتى الآن مش قادرين نصنع كاوتش سيارة»

وكان الأجدر برئيس جامعة الأزهر أن يؤسس لتحويل جامعته إلى جامعة منتجة يكون خريجها قادرًا على المنافسة فى سوق العمل إذا كان قد أدرك حديث الإمام الأكبر، وهو يؤكد أن الآلة الإعلامية الخبيثة تصور الأزهريين على أنهم مجرد حملة للقرآن والسُنة وهذا غير الحقيقة. ورغم أن جامعة الأزهر، التى يدعو رئيسها للتعريب، تمنح حوافز مادية على النشر الدولى باللغة الإنجليزية لباحثيها بهدف رفع تصنيفها دوليًا، إلا أنه قد أصدر قرارات تنفيذية فعلية معاكسة نشرها المركز الإعلامى للجامعة بجميع الصحف منها ما هو لتشكيل لجنة علمية لتعريب الطب النفسى، والآخر لتشكيل لجان تعريب مقررات الطب البشرى والصيدلة تحت إشراف نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، إلا أن هذه القرارات التى غابت عن وعى القضية ودراسة تجاربها السابقة لم تصمد أمام الجدل والغضب وردود الأفعال التى جاءت عقب الإعلان عنها حتى من بين القيادات الأزهرية نفسها، فسارع المركز الإعلامى للجامعة بنشر بيان حاول إظهار أن الأمر لا يتعدى مجرد دراسات حول إمكانية تعريب العلوم الطبية، فهل يصدر القرار قبل الدراسة والتأنى؟

الموقف الآن ينتظر تصحيح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، لمواجهة خطورة حقول التجريب فى الجامعة، وقد لا أرجم بالغيب إذا قلت إن الإمام الأكبر برىء من تلك المراهقة فى اتخاذ القرارات المصيرية دون دراسة أو تأنٍ، وأنه يسعى مغردًا فى السرب بمفرده لريادة الأزهر وجامعته، ورسالتى إلى فضيلته أن يؤسس لخطة بعيدة المدى لتطوير جامعة الأزهر يعتمدها المجلس الأعلى للأزهر، ويكون على رئيس الجامعة ونوابه تنفيذ أدوارهم فقط فى خطة التطوير فى وقت تقلدهم المسئولية، حتى لا يترك الحبل على الغارب لكل فكرة عابرة بدون دراسة وقد أصابها الوهن وسوء التخطيط، حفاظًا على الأزهر ومكانته فى قلوبنا جميعًا، وأعتذر للغة العربية عظيمة الشأن التى يُزج بها فى استعراضات غير محسوبة، وللحديث بقية.