رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ريفييرا الشرق الأوسط!

متجاوزًا اقتراحه السابق، بالتهجير المؤقت، المرفوض مصريًا وعربيًا ودوليًا، على المستويين الشعبى والرسمى، اقترح الرئيس الأمريكى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، «بشكل دائم»، وإعادة توطينهم فى دول أخرى، حتى «يكونوا سعداء ولا يتعرضان للقتل»، وقال فى مؤتمر صحفى مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، إن الولايات المتحدة «ستتولى السيطرة» على القطاع، الذى قد يصبح «ريفييرا الشرق الأوسط»، فى إشارة إلى منطقة الريفييرا الفرنسية، التى توصف بأنها قِبلة أثرياء العالم. 

لم يقدم الرئيس الأمريكى أى تفاصيل عن كيفية تهجير وإعادة توطين أكثر من مليونىْ فلسطينى، ولم يرد على سؤال عن الصيغة التى ستتيح لبلاده السيطرة على قطاع غزة أو الاستيلاء عليه أو احتلاله، واكتفى بالإشارة إلى أنه يتوقع «ملكية طويلة الأمد»، مؤكدًا أنه درس هذا الأمر على مدى أشهر عديدة. كما تعامى عن رفض مصر والأردن القاطع كل السيناريوهات الشبيهة، وزعم أن البلدين سيستقبلان الكثير من الفلسطينيين. وتعامى، أيضًا، عن رسالة مشتركة، تلقاها وزير خارجيته، أكد فيها وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن «الفلسطينيين لا يريدون مغادرة أراضيهم»، وأن بلادهم تدعم هذا الموقف «بشكل لا لبس فيه». 

الفلسطينيون لن يتنازلوا عن أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم، بتأكيد الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الذى شدد على أن قطاع غزة جزء أصيل من أرض دولة فلسطين، إلى جانب الضفة الغربية، والقدس الشرقية المحتلة، منذ سنة ١٩٦٧». ولعلك تعرف أن مصر أكدت، بلسان رئيسها، أن تهجير الفلسطينيين «ظلم» لا يمكن أن تشارك فيه أو تسمح به أو تتساهل بشأنه. كما أعلنت، عشرات المرات، عن دعمها صمود الشعب الفلسطينى على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة، ورفضها أى مساس بتلك الحقوق، غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو إخلاء تلك الأرض من أصحابها، من خلال التهجير، أو تشجيع نقل، أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان ذلك بشكل مؤقت أو طويل الأجل.

بمجرد انقضاء ليل الثلاثاء، تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصالًا تليفونيًا من العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، أكد خلاله الزعيمان ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، وحتمية سرعة إعادة إعمار قطاع غزة، وشددا، مجددًا، على أهمية التوصل إلى السلام الدائم، القائم على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، كضمان وحيد لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط. كما شددا، أيضًا، على ضرورة الأخذ بالموقف العربى الموحد المطالب بالتوصل إلى السلام الدائم فى المنطقة، بما يحقق الاستقرار والرخاء الاقتصادى المنشودين.

بالتزامن، استقبل الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية والهجرة، الدكتور محمد مصطفى، رئيس الوزراء، وزير الخارجية الفلسطينى، الذى عرض تصورًا متكاملًا لخطط برامج التعافى المبكر وإزالة الركام، تمهّد لمرحلة إعادة إعمار قطاع غزة، دون خروج الفلسطينيين، وهو ما كان محلًا للتوافق، مع وزير خارجيتنا، الذى أكد مجددًا دعم مصر الكامل السلطة الفلسطينية وخططها الإصلاحية، مشددًا على أهمية تمكينها، سياسيًا واقتصاديًا، من تولى مهامها فى قطاع غزة باعتباره جزءًا من الأراضى الفلسطينية المحتلة. كما جدد، أيضًا، تأكيد دعم مصر الحقوق المشروعة، غير القابلة للتصرف الشعب الفلسطينى، مشددًا على ضرورة التوصل إلى حل سياسى دائم وعادل للقضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين.

أخيرًا، وإلى جانب الرفض المصرى، الأردنى، السعودى والعربى القاطع، قوبل مقترح ترامب، دوليًا، بموجة من الانتقادات الحادة، إذ أكدت فرنسا، مثلًا، أن «التهجير القسرى لسكان غزة سيكون انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولى، وسيمثل هجومًا على التطلعات المشروعة للفلسطينيين ويزعزع استقرار المنطقة»، والموقف نفسه، تقريبًا، أعلنته بريطانيا وإسبانيا وألمانيا والصين و... و... ومع تأكيد الرئاسية الروسية أن «التسوية فى الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس حل الدولتين»، قال سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، إن المنطقة «ليست ساحة للعب، ولا ينبغى التعامل معها على هذا النحو».