باحثة أكاديمية: الأعمال الروائية التى تناولتْ الاستعبادَ لمْ تحظَ بالاهتمامِ الكافى
حصلت الكاتبة والباحثة الأكاديمية بريهان أحمد محمد، على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف، عن مناقشة رسالة الدكتوراه بعنوان "العبودية والإبادة العرقية في الرواية العربية.. دراسة ثقافية في نماذج مختارة"، وقد تمت المناقشة مساء الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر الجاري، داخل قاعة المؤتمرات بكلية الآداب بجامعة عين شمس.
روايات عربية تناولت الرق والاستعباد
أشارت الباحثة بريهان أحمد في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، إلى أن الأعمال الروائية التي تناولتْ الرِّقَّ والاستعبادَ لمْ تحظَ بالاهتمامِ الكافي، مثلِ روايةِ "كتيبةٌ سوداء" لمحمد المنسي قنديل، وروايةِ "فستق عبيد" للروائية سميحة خريس، وروايةِ "ثمن الملح" لخالد البسام التي تناولت تاريخَ الرقِّ في الجزيرةِ العربيةِ في زمنٍ مضَى، وروايةِ "طوكر حكاية مئة وألف قمر" لعمرو شعراوي، إلخ.
روايات إنجليزية تناولت تجارة الرق والعبودية
أمَّا عنِ الرواياتِ الإنجليزيةِ التي تناولتْ تجارةَ الرقِّ والعبوديةِ، فمنها: روايةُ "موسم الظل" ليونورا ميانو التي تتناولُ بدايةَ تجارةِ الرقِّ قربَ المُحيطِ الأطلسي، وروايةُ "حصاد الجماجم" لعبد الله وابيري، التي تتناولُ الإبادةَ الجماعيةَ لقبائلِ التوتسي السوداء، وروايةُ "الزنوج" للورانس هيل التي تناولتْ عملياتِ اصطيادِ العبيدِ السودِ وتصديرِهم إلى تشارلستون للعملِ في مزارعِ التبغِ والقمحِ، وروايةُ "العشب يغني" لروتس ليسينج التي ترصدُ العنصريةَ الموجهةَ تجاهَ مجتمعِ أصحابِ البشرةِ السوداءِ، وروايةُ "محبوبة" لتوني موريسون، وروايةُ "كوخ العم توم" لهاربيت ستادو التي تسردُ مكافحةَ العبوديةِ ومحاولاتِ العبيدِ لنيلِ حريتِهِم داخلَ المجتمعِ الأمريكي، وروايةُ "الجذور" لأليكس هيلي التي ترصدُ حياةَ الزنوجِ داخلَ المجتمعِ الأمريكي.
تخريب الهوية
وأشارت بريهان أحمد، وفقا لندرة الأعمال الروائية والإبداعية التي تناولت موضوع العبودية والإبادة العرقية فإن الدراسةَ تسلِّطُ الضوءَ على الركائزِ الأساسيةِ التي أدَّتْ إلى تخريبِ ركائزِ الهُويَّةِ، وتُعنَى الدراسةُ بهُويِّةِ أصحابِ البشرةِ السوداءِ الذينَ أُبِيدَتْ مواطنُهم الأصليةُ.
وعن سؤال ماذا عنْ أسبابِ اختيارِ الباحثة لدراسةِ هذا الموضوعِ؟ أجابتنا بيرهان أحمد ترجع الأسباب إلى ندرةُ الدراساتِ التي تناولتْ المناطقَ الشائكةَ، والسردياتِ التي خصَّصَتْ إبداعَها للحقبةِ التاريخيةِ التي كانَ يَستَعبِدُ فيها الأسيادُ أصحابَ البشرةِ السوداءِ، بل وقضاياهم وتصديرُهم لبلادِ الغربِ لإقامةِ الحضارات.
وتابعت: "محاولةُ التعمقِّ في التراثِ الأدبي الذي تناولَ الخلفيةَ السياسيةَ والتاريخيةَ لأصحابِ البشرةِ السوداءِ، ومن خلالِ السردِ الإبداعيِّ المنبثقِ من عدَّةِ محاورَ وعناوينَ، منها: التاريخُ المنسيُّ للعبوديةِ، والذاكرةُ الجريحةُ، ومعاناةُ الإنسانِ الأسودِ، وتجاربُ العبوديةِ والانعتاقِ، والأسودُ في الزمنِ الاستعماري، ومحاولاتُ العنفِ والإبادةِ العرقيةِ، والواقعيةُ السوداءُ بين الالتزامِ والإبداعِ؛ وذلكَ منْ خلالِ رؤًى تاريخيةٍ وثقافيةٍ تُعيدُ النصوصَّ إلى أنساقِها الثقافيةِ في محاولةٍ لكشفِ مناطقِ الإبداعِ وتأثيرِها في المتلقي".
قضايا أصحاب البشرة السوداء
أما عن الهدف من هذه الدراسة؟ فقالت بيرهان أحمد: الوقوفُ على قضايا أصحابِ البشرةِ السوداءِ، واستعبادِهم، ومحاولاتُ إبادَتِهم؛ وطمسُ دورهِم الفعَّالِ في بناءِ الحضاراتِ وتغييرُ قوانينِ الشعوبِ الأخرى، الاعترافُ -من خلالِ الأدبِ العربيِّ الحديثِ- بمدى بشاعةِ وجُرمِ العبوديةِ أو الرِّقِّ، من خلالِ كشفِ المجهولِ من صفحاتِ التاريخِ فيما يتعلَّقُ بالإفراطِ في محاولاتِ اقتناصِ العبيدِ، والتعاملِ معهم بشتَّى أنواعِ وسائلِ التعذيبِ، والمتاجرةُ بهم للتكسبِّ من ورائِهم بوصفهم بهائمَ؛ من خلال بيعِهِم للمستعمرِ الأوروبيِّ ليُصدِّرَهُمْ لبلادِهِ لبناءِ حضارتِهِ.
لذا حاولتْ الدراسةُ الإجابةَ عن مجموعةٍ منَ التساؤلاتِ، التي منها هل واجَه المبدعُ غربةً أثناءَ الكتابةِ السرديةِ؟ وهل واجهَ غربةً من حيثُ الانتماءِ للغةِ المستعبِدِ وثقافتِهِ وفكرِهِ؟ وكيفَ واجهَ تلكَ المُشكلاتِ؟هلِ استسلمَ المستعبدُ لفكرةِ العبوديةِ أمْ أنَّه ثارَ عليها؟ هل ظلَّت جذورُه الأولى حاضنةً لهُويتِهِ الاجتماعيةِ والثقافيةِ؟ أمْ أنَّها اندثرتْ أمامَ واقِعِهِ الجديدِ؟.
وقد جاءتْ الدراسةُ، بالإضافةِ إلى المقدمةِ، في تمهيدٍ وثلاثةِ فصولٍ وخاتمةٍ؛ وذلكَ على النحوِ الآتي: التمهيدُ: وهو بعنوانِ: المِهادُ النظري، والتاريخي للعبوديّةِ ومحاولاتِ الإبادةِ العرقيّةِ، ويقدمُ مجموعةً من الأفكارِ التي من خلالِها سيُمكنُنا معرفةُ تاريخِ الرِّقِ، ثم عرضِ النقطةِ التي تُعَدُّ البؤرةُ التي من خلالِها تبدأُ النماذجُ التطبيقيةُ التي سيتمُّ عرضُها في الفصولِ التاليةِ، وهي نقطةُ الصيدِ والجلبِ، التي كانت عينَ الانفجارِ للإبداعِ الأدبي، وينقسمُ إلى قسمَيْنِ؛ أولًا: تاريخُ العبوديةِ وبدايتُها ونشأتُها. ثانيًا: أسواقُ عرضِ العبيدِ ونظامُ الزرائبِ. ثالثًا: عهدُ الاستعمارِ والإِبادةِ، وصورُ الظلمِ وقهرِ الزنوجِ، وصولًا لجمعياتِ التحريرِ العموميةِ.
ثم تنتقلُ الدراسة إلى الجزءِ الأدبي الذي يُعدُّ الفكرةُ الرابعةُ التي تحملُ عنوانَ: العبوديةُ وعلاقتُها بالأدبِ. أمَّا الفصلُ الأولُ، فهو بعنوانِ: تمركزُ الاستعبادِ وبداياتُه وتمثيلُهُ في السردِ، أمَّا الفصلُ الثاني فهو: نزاعاتُ الهُويَّةِ، والمُتخيَّلُ التاريخي المُستعادُ في رواية (كوكو سودان كباشي) لـلروائيةِ سلوى بكر ما بين عامَي ألفٍ وثمانمِئَةٍ وثلاثةٍ وستين وألفٍ وثمانمِئَةٍ وسبعةٍ وستين (١٨٦٣م و١٨٦٧م)، أمّا الفصلُ الثالثُ، فيناقشُ: الرؤيةَ الأنثويةَ لقضيّةِ العبوديةِ، والاتجارَ بالبشرِ في روايةِ "زرايب العبيد" لـنجوى بن شتوان.
أكدت الباحثة، أن الدرسة وتتناولُ من خلال التحليلِ مجموعةً من الأفكارِ؛ هي كالآتي: أولًا: عالمُ العبيدِ والجواري: المكانُ الأولُ، وفلسفَتُهُ الداخليَّةُ، والحوادثُ المؤثرةُ في شخصيّاتِ "زرايب العبيد". ثانيًا: عالمُ الأسيادِ: تقنياتُ بناءِ المكانِ داخلَ عالمِهِم، ووصفُه، وتنوعُه، بينَ المغلَقِ والمفتوحِ: ثالثًا- أدبُ الاستعمارِ: استبدالُ عبوديّةِ البشرِ بعبوديةِ الأوطانِ.
في النهايةِ تأتي الخاتمةُ؛ لرصدِ أهمِّ النتائجِ التي توصَّلَتْ لها الدراسةُ خلالَ الفتراتِ الزمنيّةِ الثلاثةِ؛ إذْ تهدفُ إلى إعادةِ تسليطِ الضوءِ على النقاطِ الرئيسيَّةِ حولَ العبوديةِ في الروايةِ العربيةِ.
وختمت الباحثة، قائلة: "خصصت جزءًا عن مخطط حروب الإبادة ومحاولة تقسيم فلسطين وتقدَّمت بإهداءٍ خاصٍّ: إلى أطفالِ غزَّة الذين قُتِلوا بالقنابلَ والغازاتِ التي تذيبُ الجلودَ".