المُعاقَب: هل ظلمت فرانس فوتبول فينيسيوس جونيور فى الـ«بالون دور»؟
«سأفعل ١٠ أضعاف ذلك إذا لزم الأمر، إنهم غير مستعدين»، كان هذا هو التعليق الأول للبرازيلى فينيسيوس جونيور، جناح ريال مدريد الإسبانى، بعد خسارته جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب فى العالم لعام ٢٠٢٤، التى توج بها الإسبانى رودرى، لاعب فريق مانشستر سيتى الإنجليزى.
خسارة فينيسيوس هى مفاجأة أخرى مع اختيارات الفائزين بالجوائز الفردية لكرة القدم، وكما هى العادة منذ إعلان الجائزة فهناك انتقادات هنا وهناك، وأصوات تتعالى بأحقية فينيسيوس جونيور، الذى شهد له القاصى والدانى ومنافسوه قبل مشجعيه بالتتويج بجائزة الأفضل بالعالم، وأخرى انتهزت الفرصة لمناوشات تشجيعية، لكونها مشجعة لخصوم ريال مدريد، وثالثة اعتبرت ما حدث انتصارًا للاعبين من أبطال الظل.
فهل ظلم فينيسيوس جونيور فى جائزة بالون دور؟ وهل يعاقب «يويفا» ريال مدريد على «السوبرليج»؟ وهل استحق رودرى الجائزة فعلًا؟ هذه الأسئلة وغيرها هى ما نجيب عنها فى السطور الآتية.
جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب فى العالم هى جائزة تمنح بتصويت ١٠٠ صحفى حول العالم، بمعايير واضحة تم تحديدها من قبل الاتحاد الأوروبى الذى يشارك فرانس فوتبول فى منح الجائزة للمرة الأولى، وتنظر لنتائج فترة موسم كامل، بدأ فى أغسطس ٢٠٢٣ وانتهى فى أغسطس الماضى، مع النظر لأداء اللاعبين فى البطولات المحلية والقارية مع أنديتهم والمسابقات الدولية مع المنتخبات.
وأما على المستوى الفردى للاعبين فالعامل الأول هو الأداء الفردى للاعب، ومدى حسم الشخصية وتأثيرها مع الفريق، والأداء الجماعى للفريق، والإنجازات ثم الرقى واللعب النظيف.
فينيسيوس جونيور قدم خلال الموسم الماضى أفضل أداء فردى للاعب على مستوى الدوريات الكبرى، وكان الأكثر حسمًا، وجعل الجبهة اليسرى لـ«الملكى» وبالًا على كل الخصوم بلا استثناء، وحجز مكانًا أساسيًا فى الترشيحات على البالون دور من منتصف الموسم الماضى، وكان مؤثرًا بشكل مباشر فى تتويج فريقه بلقب الدورى الإسبانى ودورى أبطال أوروبا وكأس السوبر المحلى، هذا على صعيد الألقاب الجماعية.
وعلى صعيد الأداء الفردى، كان فينيسيوس جونيور الأفضل بلا منازع على مدار الموسم الماضى، مواصلًا أداءً بدأ فى تقديمه منذ عام ٢٠٢١ ليقدم استمرارية وتطورًا فى المستوى لم يقدمهما لاعب فى سنه، بالإضافة إلى تأثيره الشخصى وإظهار شخصيته فى المباريات الكبرى، وكذلك ضد محاولات العنصرية التى تعرض لها من جماهير الفرق الأخرى التى لا تدخل ضمن معايير الجائزة، ولكن تشير إلى قوة شخصية اللاعب.
وبالنظر إلى أرقام فينيسيوس جونيور الهجومية، فإنه أسهم فى ٣٦ هدفًا فى ٣٩ مباراة لعبها طوال الموسم، وما تجاهله البعض هو أن فينيسيوس غاب عن ٢٩٪ من مباريات ريال مدريد فى الموسم المنقضى بسبب الإصابة أو الإيقاف، وأسهم فى ٢٨٪ من أهداف فريقه طوال الموسم، وعلى مستوى صناعة اللعب، فقد حصد نسبة ٨٠٪ للتمريرات الصحيحة فى الثلث الهجومى لفريقه، ما يعكس استمرارية تطوره على مستوى الاحتفاظ بالكرة وتوزيع التمريرات بين زملائه، إذ صنع ١١ هدفًا للفريق فى مختلف المسابقات.
وعلى الجانب الآخر، رودرى، الفائز بالجائزة، على المستوى الجماعى بدأ الموسم الماضى بخسارة الدرع الخيرية ضد أرسنال، ثم توج بالدورى الإنجليزى بجانب السوبر الأوروبى وكأس العالم للأندية، والبطولتان مرتبطتان بألقاب الموسم قبل الماضى، وخسر نهائى كأس الاتحاد الإنجليزى أمام مانشستر يونايتد، كما بدأ موسمه المحلى بخسارة الدرع الخيرية أمام يونايتد مجددًا، ومع إسبانيا حقق لقب أمم أوروبا ٢٠٢٤.
وعلى المستوى الفردى، شارك رودرى فى ٥٠ مباراة مع مانشستر سيتى، سجل خلالها ٩ أهداف، بنسبة لا تتخطى ٠.٠٠٥٪ من أهداف فريقه خلال الموسم بأكمله، وصنع لزملائه ١٤ هدفًا، بنسبة ٠.٠٨٧٪ من مجمل أهداف الفريق التى بلغت ١٥٦ هدفًا فى مختلف المسابقات.
رودرى مع مانشستر سيتى غاب عن ٩ مباريات فقط خلال الموسم بأكمله، أى أنه شارك فى ٨٤.٧٪ من مباريات السيتى فى الموسم الماضى.
وكان الإسبانى هو الأكثر تمريرًا فى البريميرليج فى الموسم الماضى، بـ٣٦٣٣ تمريرة، ولكن وبناءً على معيار التأثير، كم تمريرة منها كانت مؤثرة؟ وكم تمريرة أوصلت الفريق إلى مرمى الخصم وأثرت فى نتيجة المباراة؟
وإذا تركنا الأرقام الهجومية والتمريرات إلى المناطق الأمامية أم الجانبية أو للخلف، فرودرى بالأساس لاعب وسط ملعب دفاعى، فكيف للأفضل فى العالم وهو لاعب وسط ملعب دفاعى ألا يكون ضمن أفضل ١٠ لاعبى وسط بالدورى الذى يشارك به فى التدخلات على الكرة؟ ولا حتى من بين العشرة الأفضل فى إبعاد الكرة عن مناطق الخطورة من بين لاعبى الوسط؟
والحقيقة أن التعامل مع الإحصائيات الخاصة باللاعبين كأرقام ثابتة هو أمر ظالم للعديد من اللاعبين، فمثلًا إن رأينا مجمل إحصائيات فينيسيوس ورودرى التهديفية وقارنا بينهما ستجد الفوارق ليست بعيدة، بل تميل للأخير لكونه ليس مهاجمًا، ولكن إذا نظرنا إلى مدى تأثير الإحصائيات والأرقام التى حققت خلال الموسم، والأرقام التى مثلتها أدوار كل لاعب فى الملعب سواء الدفاعية أو الهجومية ستتغير نظرتنا للأمور.
الحسم والدور الشخصى والأرقام الفردية والجماعية على مستوى الأندية والتأثير بها، جميع هذه العوامل كان فى صالح فينيسيوس جونيور قبل ساعات من إعلان فوز رودرى بالجائزة، فقط افتقر البرازيلى للقب مع منتخب بلاده، ولكن ليونيل ميسى وكريستيانو رونالدو توجا بالكرة الذهبية من قبل دون ألقاب مع منتخبيهما، ونجوم آخرون أيضًا.
وربما اعتقد يويفا وفرنس فوتبول أن القصة الدعائية لفوز رودرى «لاعب الوسط الدفاعى» بالجائزة ستكون جذابة أكثر للجماهير، وستجعل الجميع يتحدث عن انتصار رجال الظل على نجوم الأهداف.
يويفا لم يتوقف خلال السنوات الماضية، ومنذ إعلان ريال مدريد قيام بطولة «السوبرليج» عن الضغط على النادى الإسبانى لإثنائه عن الفكرة، ولم تنجح حتى الآن، كونه النادى الأكثر استقرارًا واستقلالًا فيمن انضموا لتلك الفكرة منذ بدايتها، بجانب نجاحاته الاقتصادية والرياضية، لتبدأ مرحلة جديدة من عملية الضغط على ريال مدريد وهى إسقاط الصورة الدعائية للنادى، التى كانت ستتزايد أضعاف ما هى عليه حال تتويج فينيسيوس.
الآلية المعلنة لاختيارات الفائز بجائزة البالون دور هى تصويت الصحفيين، ولكن هل سقط أولئك الصحفيون فى ثقب أسود حرمهم من مشاهدة ما قدمه فينيسيوس فى الموسم الماضى؟ رودرى كان الأحق بالجائزة فى موسم ٢٠٢٢/٢٠٢٣ لجمعه بين الإنجازات الفردية والجماعية والأداء والتأثير فى الملعب والمباريات الحاسمة، ولكن إذا كان فينيسيوس جونيور لا يستحق البالون دور بسبب الألقاب مع المنتخب، فلماذا لم يتوج بها دانى كارفخال.. الرجل الذى جمع كل ألقاب فينيسيوس وكان مؤثرًا فى كل المباريات، وحقق اليورو، رفقة رودرى وزملائه فى إسبانيا؟ فربما كانت الأمور فى هذه الحالة أكثر منطقية.