الجوهرتان.. يامال وفينيسيوس.. الساحران الجديدان.. وريثا ميسى ورونالدو
الموهبة الاستثنائية التى صاحبت المهارات المتعددة
فى عام ٢٠٠٧، نظمت صحيفة «سبورت» الكتالونية جلسة تصوير ضمن حملة خيرية بالشراكة مع «يونيسف»، شارك فيها النجم ليونيل ميسى، الذى التقط صورة مع طفل رضيع فى حوض استحمام، دون أن يعرف أن هذا الطفل سيكون بعد سنوات قليلة نجم «البارسا» القادم، لامين يامال.
انضم «يامال» إلى صفوف أكاديمية برشلونة «لا ماسيا»، فى السابعة من عمره، من فريق «لا توريات» المحلى، وهناك أثار إعجاب كل مدربيه، خاصة فرانك أرتيس، الذى كان مسئولًا عن تطوير اللاعبين فى الفئات السنية الصغيرة، وساعده على تحسين مهاراته الفنية والتكتيكية، خاصة السيطرة والتحكم فى الكرة، بجانب امتلاكه مزيجًا من السرعة والمهارة، وقدرة على التكيف مع أساليب اللعب المختلفة.
فى «لا ماسيا»، حصل لامين يامال على تدريب مكثف ركز على تطوير مهاراته الفنية، مثل المراوغة والتحكم بالكرة والتمريرات الدقيقة، مع عمل المدربين على تعزيز تقنياته الفردية، ومساعدته فى التعامل مع مواقف اللعب المختلفة. كما ساعدته البيئة التنافسية التى واجهها فى البطولات المحلية والدولية على اختبار مهاراته أمام لاعبين من مستويات متنوعة، ما عزز ثقته بنفسه وقدرته على الأداء تحت الضغط.
تدرج اللاعب ذو الأصول المغربية سريعًا فى صفوف ناشئى برشلونة، قبل أن ينضم إلى الفريق الأول قبل أن يكمل عامه الـ١٦، بعد أن تبنى تشافى هيرنانديز، المدير الفنى للفريق الكتالونى آنذاك، موهبته الكبيرة، واصفًا إياه بأنه «موهبة استثنائية» و«قادر على أن يكون واحدًا من أفضل لاعبى النادى».
الموهبة الاستثنائية لـ«يامال» يمكن تلخيصها فى بعض النقاط، أولها المهارة غير المعتادة فى مراوغة الخصوم، وامتلاكه سرعة كبيرة فى الانطلاقات، تفيده فى التحولات الهجومية من الدفاع إلى الهجوم والعكس، بجانب قدرته على التحكم فى الكرة والاحتفاظ بها تحت ضغط، وهو ما يعبر عن شخصية مميزة، بالإضافة إلى الفهم الجيد لتكتيك الفريق، والقدرة على اتخاذ قرارات سريعة ودقيقة فى الملعب، علاوة على المرونة التكتيكية من خلال إجادته فى العديد من المراكز مثل صانع الألعاب والجناح.
ويمتاز لامين يامال كذلك بالدخول من الجناح إلى عمق الملعب، واستغلال المساحات بين المدافعين وظهيرى جنب الخصم للتسديد على المرمى، أو صناعة الفرص لزملائه.
وتألق «يامال» رفقة منتخب إسبانيا فى بطولة أمم أوروبا الماضية، وكان واحدًا من أهم عوامل تتويج «لاروخا» باللقب، بعد أن نجح فى صناعة ٤ أهداف، من بينها هدف فى النهائى، إلى جانب تسجيل هدف ضد فرنسا فى نصف النهائى.
التطور الذى عاشه لامين يامال بسبب وجوده فى «لا ماسيا» ليس جديدًا على أكاديمية النادى الكتالونى، التى طالما كانت «مفرزة» للاعبين المميزين، خاصة فى مركز وسط الملعب والجناح، فسبق أن أفرزت ليونيل ميسى وأندريس إنييستا وتشافى هيرنانديز، والآن تخرج لامين يامال وبيدرى وجافى.
وأعاد الأداء الذى قدمه لامين يامال رفقة برشلونة ومنتخب إسبانيا، منذ انضمامه إلى الفريق الأول، إلى أذهان عشاق برشلونة ما قدمه الأرجنتينى ليونيل ميسى، فى بداياته مع الفريق، متمنين أن يكون الإسبانى المراهق خليفة لأسطورتهم وحامل آمال «كتالونيا» المقبل.
بين مهاجر إسبانى من أصول مغربية يركض خلف الكرة، على ملعب من الخرسانة ومُحاط بسياج حديدى، وحائط مكتوب عليه اسم الحى بأحرف كبيرة: «روكافوندا»، وآخر لهث خلف «الساحرة المستديرة» فى شوارع «ساو جونزالو» بالبرازيل، متجاوزًا خصومه بمهارة فائقة، ومُحمَّلًا بشغف وحلم لانتشال أسرته من ظروف صعبة، انطلق لامين يامال وفينيسيوس جونيور، نجما برشلونة وريال مدريد، نحو حلمهما، بداية من الشارع حتى الوصول إلى العالمية،
فى أكبر ناديين فى العالم، وليقدما مستوى وأداء يجعلهما الأقرب لوراثة عرش الأسطورتين ميسى ورونالدو اللذين كانا يلعبان لنفس الناديين وتنافسا لسنوات طويلة على لقب الأفضل فى العالم.
من «لا تمرروا له» إلى «يستحق الكرة الذهبية»
فى القطب الآخر من إسبانيا، هناك فى العاصمة مدريد، يتوهج البرازيلى فينيسيوس جونيور كنتاج لعمل جاد وشاق من فريق كشافة يجوب أمريكا اللاتينية وملاعبها بحثًا عن المواهب المميزة، يقوده جونى كالافات، الذى أسهم فى انضمام «فينيسيوس» إلى ريال مدريد قادمًا من فلامينجو البرازيلى.
جناح أيسر أهوج يتحرك بعشوائية ويلعب بطريقة فردية، ولا يجيد سوى الركض بالكرة والمراوغات التى لا تفيد، ضعيف فى إنهاء الهجمات، وخرج باكيًا بعد خسارة فريقه ضد أياكس أمستردام برباعية، فى دورى أبطال أوروبا ٢٠١٩.
«لا تمرر له، أقسم بحياة أمى إنه يلعب ضدنا».. كانت تلك كلمات كريم بنزيما، مهاجم ريال مدريد السابق لمواطنه فيرلاند ميندى، عن فينيسيوس جونيور، الذى كان يشق طريقه آنذاك مع الفريق الملكى.
ومع قدوم كارلو أنشيلوتى إلى ريال مدريد بدأت مرحلة التطور التكتيكى والفنى لـ«فينيسيوس». وكان واحدًا من أهم أوجه التطور التكتيكى تحسين قدرة اللاعب على اتخاذ القرارات، فأى لاعب- من وجهة نظر أنشيلوتى- بحاجة إلى لمستين فقط للكرة قبل التسديد.
هذا ما عمل عليه المدرب الإيطالى مع «فينيسيوس»، بالإضافة إلى اندماجه فى منظومة الفريق، واللعب بأسلوب متعاون وجماعى مع زملائه، والتعمق فى أساليب اللعب، وتنويع تحركاته فى الملعب بين العمق والجناحين، وزيادة الخيارات الهجومية للفريق.
وأصبح فينيسيوس جونيور واحدًا من أهم أسلحة ريال مدريد الهجومية، خاصة فى المواسم الثلاثة الماضية، والتى حقق «الملكى» خلالها لقب دورى أبطال أوروبا مرتين، فضلًا عن تسجيله أكثر من ٢٠ هدفًا مع فريقه فى كل موسم منذ ٢٠٢٠/ ٢٠٢١، وهو رقم ينم عن ثبات المستوى الهجومى وتزايد نسقه، مع تطور المستوى موسمًا تلو الآخر. واحد من أهم الدلائل على التطور الذى وصل إليه فينيسيوس جونيور هو التعاون بينه وبين كريم بنزيما، والذى جلب إلى ريال مدريد واحدة من أهم بطولاته فى دورى أبطال أوروبا، بعد الفوز على باريس سان جيرمان وتشيلسى ومانشستر سيتى وليفربول. وبعد أن كان «بنزيما» يطالب اللاعبين بعدم التمرير له، أصبح يرشحه الآن لجائزة «الكرة الذهبية» كأفضل لاعب فى العالم.
التشابه بين فينيسيوس جونيور ولامين يامال لم يتوقف عند الجوانب التكتيكية فقط، بل تعرض كلاهما للعنصرية خارج الملعب. «يامال» يحتفل بأهدافه بطريقة غامضة بعض الشىء، بوضع ذراعيه متقاطعتين أمام صدره، وتمثيل الرقم ٣ والرقم ٠ بيد، والرقم ٤ باليد الأخرى. هذه الإشارة التى يوجهها «يامال» بيديه تمثل الرقم «٣٠٤»، وهى آخر ٣ أرقام من الكود البريدى لحى «روكافوندا»، الذى يقيم به اللاعب ويضم العديد من المهاجرين، والطبقة العاملة فى مقاطعة برشلونة، الفئة التى تعرضت للعنصرية من مرشحى اليمين المتطرف وحزب «فوكس»، والذى يعزز خطاب الكراهية ضد المهاجرين، ويصفهم بأنهم «حثالة متعددة الثقافات».
واختار يامال الاحتفال بالرقم «٣٠٤» للتعبير عن التنوع الفكرى والثقافى بين المهاجرين، وامتلاكهم مهارات قادرة على أن تصبح بين الأفضل فى العالم، وليسوا مجموعة من «الحثالة» كما يصفهم اليمين المتطرف فى إسبانيا.
كذلك فينيسيوس جونيور تعرض للعديد من الهجمات العنصرية من جماهير الأندية الإسبانية فى الملاعب بسبب بشرته السمراء، لكنه قابلها بهجوم مضاد شرس، مدعوم بمساندة من إدارة ناديه.
وعلى الرغم من تأثره بالألفاظ التى وجهتها له الجماهير، استطاع «فينيسيوس» الوصول إلى مرحلة التحكم فى أعصابه، ووضع تركيزه على الملعب فقط، ليحارب العنصرية هو ولامين يامال بكرة القدم.
فينيسيوس جونيور أظهر فى أكثر من مناسبة حبه الشديد للبرتغالى كريستيانو رونالدو. فيما أبدى لامين يامال محبته للأرجنتينى ليونيل ميسى. ورغم وجود كيليان مبابى وإرلينج هالاند وتألقهما اللافت للأنظار فى السنوات الماضية، يجب أن يلتفت الجميع إلى الصراع الثنائى القادم: لامين يامال وفينيسيوس جونيور، ميسى ورونالدو العصر الحالى.