نوال السعداوي بمثابة "سائحة".. قراءة في كتاب "رحلاتي في العالم"
"في كل رحلة جديدة يشتغل خيالي، وتتأرجح رغبة الاكتشاف، ولكن حين أطأ بقدمي على الأرض الجديدة تنطفئ الجذوة وتتبدد النشوة، هل كنت أتوقع أرضا غير الأرض؟ أو أناسا غير الناس" هكذا قالت الكاتبة نوال السعداوي بين صفحات كتابها "رحلاتي في العالم" التي رصدت به رحلاتها في العالم، التي بدأتها بمصر، الجزائر، أمريكا، الأردن، وفنلندا والاتحاد السوفياتي ثم اتجهت شرقا نحو إيران، الهند والتايلاند ودول أسيوية أخرى ثم وصلت لأعماق الدول الافريقية وانتهت بالسنغال.
بأسلوب سهل ولغة شيقة وبسيطة استطاعت نوال السعداوي أن تأخذك في جولة حول العالم، ففي الفصل الأول الذي جاء بعنوان "أول رحلة خارج الوطن" تقول: كنت أظن أن وطني هو كل العالم بمثل ما كنت أظن وأنا طفلة أن شارعنا هو كل الوطن، وكلما كنت أكبر كان الشارع يصغر، وحين امتد كياني خارج الوطن انكمش حجم الأرض وملأني إحساس جديد بأنني أكبر مما كنت.
رحلات نوال السعداوي
كانت الجزائر أول واجهة لنوال السعداوي من مصر، وعنها كتبت: ملمس الشمس فوق جبهتي في أول زيارة لا يزال في ذاكرتي، واللهجة الجزائرية بدت لي كاللغة الجديدة، والملامح الجزائرية حادة قوية شامخة كالجبل، والسلام الجمهوري حين سمعته لأول مرة أدركت أنني فوق أرض الجزائر، أرض المليون شهيد، حرب التحرير والفدائيين، سجون التعذيب وجميلة بوحريد، الجنود الفرنسيون وفظائع الاستعمار، "فرانزفانون" وكتابه "المعذبون فوق الأرض"، "بن بيلا" بوجهه المستدير وقامته الطويلة تقارب قامة عبد الناصر.
وفي الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان "النصف الآخر من الأرض" رصدت نوال السعداوي رحلتها إلى أمريكا، ثم "الأغوار وحافة النهر" وهو عنوان الفصل الثالث، وفيه حملتها الطائرة إلى جبهة القتال في الأردن -على حسب وصفها-، مستطردة: في حقيبتي أدوات الطب وليست أدوات الحرب، لكن في رأسي قرار، أن أتدرب على إطلاق الرصاص والقتل، العالم من حولي إما قاتل أو مقتول، ولن أكون أبدا المقتول، تدريب على السلاح في عام 1956، بعد العدوان الثلاثي (الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي) على بورسعيد.
وتناولت نوال السعداوي في الفصل الرابع "مؤتمر النساء في هلسنكي" أول رحلة لها إلى تلك المنطقة الباردة القريبة من القطب الشمالي، والتي يطلق عليها اسم البلاد الاسندنافية، تلك البلاد المحصورة بين المعسكرين الكبيرين؛ الشرقي والغربي، تفصل بينهما كحاجز من مادة عازلة لا توصل الحرارة، باردة وهائدة وساكنة كنقطة في حبل طرفاه مشدودان بقوتين متعادلتين، ثم انتقلت إلى ليننجراد وهي "أول رحلة إلى العالم الأحمر"، ومنها إلى إيران (نوفمبر 1968) فكانت رحلة علمية طبيعة، محصورة داخل جامعة طهران.
"رحلتي إلى الهند لم تكن كأية رحلة إلى أي بلد" هكذا قالت نوال السعداوي عن رحلتها للهند، موضحة: كانت أشبه ما تكون برحلة الحياة كلها منذ الولادة حتى الموت، كالدائرة تبدأ وتنتهي إلى النقطة ذاتها، لكنها ليست النقطة ذاتها؛ لأن الولادة ليست هي الموت والبداية ليست هي النهاية.
وتضيف: رحلتي إلى الهند كانت طويلة ومرهقة، ولكنها كانت ممتعة، أشبه ما تكون برحلة إلى النس في قسوتها وفي حلاوتها، ربما هي أصعب رحلة قمت بها في حياتي رغم أنني زرت معظم بلاد العالم ومشيت في أوعر الطرق، لكن صعوبة اكتشاف الهند تشبه إلى حد كبير صعوبة اكتشاف النفس، رغم أن النفس ملتصقة بالإنسان منا، لكن كم من زمن وجهد حتى يعرف الواحد منا نفسه، وهذه هي الهند أيضا، بقدر ما تعرف نفسك تعرفها، وبقدر ما عندك في نفسك بقدر ما تعطيك الهند من نفسها، ولعل هذا هو السبب في أن بعض الناس لا يرون في الهند إلا التراب والفقر، والبعض الآخر يستطيع أن يخترق السطح ويصل إلى قلب الإنسان الهندي.
وفي الفصل الثامن تحدثت نوال السعداوي عن رحلتها إلى إفريقيا، التي جاءت متأخرة على حد وصفها، قائلة: استغرقت رحلتي لأفريقيا ثلاثة شهور في صيف 1977 وهى مدة قصيرة للدخول في قلب الإنسان الإفريقي، لكنها كانت كافية على الأقل لأن أدخل في قلبي، وأتعرف على نفسي وعلى كوني إفريقية، فالعمي يدور حول رحلاتها في مختلف دول العالم والسبب يعود لعملها كأستاذة جامعية في أمريكا، فضلا عن عملها بالأمم المتحدة كمستشارة.